معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•للمرة الثانية تم تأجيل التاريخ المحدد من أجل توقيع اتفاق دائم بين إيران والدول العظمى في الغرب (الخمسة زائد واحد)، بشأن البرنامح النووي الإيراني. لقد كان التاريخ الأساسي في 20 تموز/يوليو 2013، وبعد عدم التوصل إلى اتفاق، جرى تمديد الموعد إلى 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2014؛ أما التاريخ الذي جرى الاتفاق عليه أخيراً بعد فشل التوصل إلى اتفاق، فهو نهاية حزيران/يونيو 2015.
•وعلى الرغم من رغبة الطرفين الشديدة في التوصل إلى اتفاق، فإن الثغرات بينهما بقيت كبيرة ومن الصعب جسرها. والسبب في عدم التوصل إلى اتفاق هو عدم ثقة الدول العظمى بما تقوله إيران عن تخليها عن هدفها الاستراتيجي في الحصول على القدرة النووية العسكرية. وانعدام الثقة في نية إيران التخلي عن السعي إلى الحصول على السلاح النووي، هو الذي لم يسمح بوضع صيغة تفصيلية تسد جميع الثغرات في وجه إيران للحصول على القنبلة. من جهة أخرى، يسود أوساط المحافظين في إيران وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي، عدم الثقة بالغرب، والتخوف من تحول الاتفاق الذي يغلق الطريق أمام إيران نحو الخيار النووي العسكري، إلى منحدر خطر معناه الخضوع للغرب، بل وحتى تعريض مستقبل النظام للخطر.
•على صعيد مضمون الاتفاق وجوهره، يجد الطرفان صعوبة في جسر الثغرات العميقة بينهما في بنود كثيرة. وتكشف هذه الثغرات أهدافاً استراتيجية مختلفة ومتعارضة تماماً، إذ يطالب الإيرانيون بالاحتفاظ بقدرات تسمح لهم بأن يقرروا في التوقيت المناسب تطوير قنبلة نووية خلال جدول زمني قصير. وهم يطالبون إلى جانب ذلك بالرفع الفوري والكامل للعقوبات التي فرضت على الاقتصاد الإيراني.
•وفي المقابل تسعى الدول العظمى إلى التأكد من أن الاتفاق يغلق طريق إيران نحو القنبلة عبر مسارات اليورانيوم والبلوتونيوم وتطوير السلاح. علاوة على ذلك، فإن الدافع الأساسي للحكومة الأميركية للتوصل إلى اتفاق ينبع من تقدير أن الاتفاق- حتى لو كان إشكالياً- سيكون أفضل من "البدائل عن الاتفاق". وتشدد جهات في الإدارة الأميركية على أن واجبها يقضي بدرس السيناريوات البديلة عن فشل المحادثات، ويتحدثون عن احتمال اندفاعة إيرانية نحو الحصول على القدرة النووية العسكرية في حال عدم التوصل إلى اتفاق، وعن خطر اندفاعة سرية للإيرانيين نحو القنبلة، وحتى عن حرب واسعة. والمشكلة في هذا الخط من التفكير أنه يبرر توقيع اتفاق سيئ جداً.
•وعلى الرغم من ذلك، فإن قرار تمديد المفاوضات يدل على أن لدى الأميركيين خطاً أحمر يمنع الانزلاق من "اتفاق معقول" إلى اتفاق سيئ". ولا يرغب الرئيس باراك أوباما أن يكون إرثه السماح بحصول إيران على السلاح النووي وسباقاً على التسلح النووي لدى دول أخرى في الشرق الأوسط (مثل السعودية ومصر وتركيا). إلى جانب ذلك، الرئيس الأميركي مضطر لأن يأخذ في اعتباره الكونغرس الجديد ذي الأغلبية الجمهورية الذي من المتوقع أن يبدي معارضة "لاتفاق سيئ".
•في نظر حكومة إسرائيل، فإن أي اتفاق كان يمكن التوصل إليه في 24 تشرين الثاني/نوفمبر هو "اتفاق سيئ"، لأنه كان سيمنح الشرعية لبرنامج تخصيب اليورانيوم لإيران ويجعلها قريبة جداً من القنبلة، ولن يسمح بالرد على البرامج الصاروخية الإيرانية وعلى التشجيع الذي تقدمه إيران للإرهاب، وكان سيرفع عنها العقوبات، الأمر الذي سيسمح بصمود النظام وتقويته. لكن من المثير للاهتمام ملاحظة كيف أنه خلال السنة الأخيرة تغير موقف الحكومة الإسرائيلية من هذا الموضوع بصورة جوهرية. فالحكومة أدانت بشدة الاتفاق الموقت ("اتفاق التعاون والشراكة") الموقع مع إيران في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، لكنها في الفترة الأخيرة تبنت موقفاً يفضل تمديد الاتفاق على صفقة نهائية سيئة أو على انهيار المفاوضات.
•ويبدو أن السبب في ذلك هو أنه بعكس التوقعات المتشائمة، فإن إيران جمدت الكثير من نشاطات برنامجها النووي خلال السنة الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، فعلى الرغم من أن نظام العقوبات الاقتصادية على إيران تراجع قليلاً، إلا أنه لم ينهَر كما توقعت إسرائيل. لكن من المهم عدم تجاهل حقيقة أن ترسيخ الاتفاق الموقت "كاتفاق نهائي قائم فعلاً" (de facto) سيبقي إيران دولة على عتبة النووي- على بعد أشهر قليلة من القنبلة- إذا قررت الزعامة الإيرانية الاندفاع نحوها. وفي الواقع، فإن الهدف الذي وضعه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال المقابلات التي أعطاها لوسائل الإعلام نهاية الأسبوع الماضي وهو "منع إيران من التحول إلى دولة على عتبة النووي" لم يتحقق، ويجب إعادة تحديد الهدف بصورة صحيحة بحيث يكون إبعاد إيران عن العتبة التي تقف عليها اليوم، وسدّ كل السبل نحو القنبلة.
•في هذا الوقت بالذات، ثمة من يشكك في قدرة إيران والدول العظمى على التوصل إلى قاعدة مشتركة. فهناك من جهة معارضة المعسكر المحافظ في إيران، ويحظى بدعم المرشد الأعلى، للاتفاق؛ وهناك من جهة أخرى الكونغرس الأميركي الذي لا يثق بإيران، الأمر الذي سيجعل من الصعب التقدم نحو اتفاق قبيل نهاية حزيران/يونيو 2015. فثمة ثغرات كبيرة بين الطرفين تتعلق بمسائل مختلفة، وفي أساسها الخلاف بشأن أربع مسائل أساسية:
•مدى "إعادة عقارب الساعة إلى الوراء"- البرنامج النووي الإيراني هو اليوم على بعد ثلاثة إلى ستة أشهر من القنبلة. ستحاول الدول العظمى بواسطة تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي في إيران ومن خلال إخراج مخزون اليورانيوم المخصب إلى خارج البلاد، إلى روسيا، إبعاد إيران عن القنبلة سنة على الأقل. والمقصود الابقاء على 3000 حتى 4000 جهاز طرد مركزي في إيران، وأن يكون مخزون اليورانيوم المخصب أقل من الكمية المطلوبة لصنع قنبلة نووية واحدة. وفي إطار إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، يجب تحويل منشأة التخصيب في فوردو إلى منشأة بحث وتطوير، وتغيير مزايا وبنية مفاعل أراك وتحويله من مفاعل للمياه الثقيلة إلى مفاعل للمياه الخفيفة وبإنتاج أقل. لقد رفض الإيرانيون خفض عدد أجهزة الطرد ويصرّون على إبقاء فوردو منشأة للتخصيب.
•رقابة، شفافية، وزيارات مفاجئة- نظراً إلى أن أي اتفاق سيبقي في يد إيران معلومات وعناصر أساسية تسمح بتطوير وتصنيع سري للقنبلة، ونظراً إلى أن الدول العظمى لم تقتنع بأن إيران تخلت بالفعل عن برنامجها النووي، فالمطلوب أن يتضمن كل اتفاق نظاماً مفصلاً لرقابة شديدة وصارمة على القدرات والنشاطات النووية التي بقيت في متناول إيران في إطار الاتفاق، وتطبيق "البروتوكول الإضافي" للوكالة الدولية للطاقة الذرية (الذي يسمح بزيارات مفاجئة للمواقع النووية)، وإغلاق الملفات التي لا تزال مفتوحة أمام النشاطات في مجال السلاح. وهذه عناصر ضرورية في اي اتفاق على نظام الرقابة. كما أن الشفافية الكاملة والقدرة على مراقبة أي خروج عن الاتفاق، من المبادئ الأساسية الضرورية. وفي المقابل يصر الإيرانيون على عدم السماح بمناقشة ومراقبة الأبعاد العسكرية لبرنامجهم التي ينكرون وجودها أصلاً.
•مدة الاتفاق- الإيرانيون مهتمون بأن يكون الاتفاق الذي يقيد نشاطهم في المجال النووي ساري المفعول لسنتين، من بعدها يجري الاعتراف بحق دولة إيران في الاحتفاظ ببنية تحتية نووية واسعة مثل تلك التي لدى ألمانيا واليابان. وبذلك تكون المدة التي تفصل إيران عن القنبلة أسابيع معدودة، وذلك على أساس البنية التحتية النووية الواسعة والمنوعة. في حين تطالب الدول العظمى بأن يستمر الاتفاق الذي يقيد إيران أعواماً كثيرة.
•العصا والجزرة والردع- من مسائل الخلاف الأساسية مسألة وتيرة رفع العقوبات. تطالب إيران برفع فوري لجميع العقوبات المفروضة عليها، مشددة بصورة خاصة على الحصول على الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج- وتبلغ نحو 100 مليار دولار. كما يريد الإيرانيون استرجاع قدرتهم على التوجه إلى الأسواق والأجهزة المالية، ومعاودة التصدير الكامل للنفط، وجذب الاستثمارات وترميم الاقتصاد الإيراني المتعثر. في المقابل، يريد الغرب الاحتفاظ بالعصيّ والجزرات لكي يمنح الجزرات بناء على تقدم الإيرانيين في إرجاع برنامجهم النووي إلى الوراء، وأيضاً في انتظار نتائج الرقابة التي ستحدد ما إذا كان الإيرانيون يقومون فعلاً بما هو مطلوب منهم في الاتفاق ولا يمارسون محاولات الخداع والتضليل مثلما فعلوا في الماضي.
•سوف تظل إسرائيل غير ممثلة رسمياً في النقاشات. لكن على الرغم من ذلك، فإن من واجبها مواصلة العمل مع الإدارة الأميركية عبر قنوات العمل الموجودة، وبصورة خاصة في ضوء الاتفاق والتفاهم بين الرئيس أوباما ورئيس الحكومة نتنياهو بشأن [ماذا يعني] "اتفاق سيئ" و"اتفاق يمكن التعايش معه". ومثل هذا الاتفاق يجب أن يشمل تراجع البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء- بحيث تكون المدة التي تفصل إيران عن القنبلة ليست أشهراً بل سنوات؛ وإغلاق جميع سبل التقدم الإيراني نحو النووي من خلال مسارَي اليورانيوم والبلوتونيوم، وتوضيح الأحجام العسكرية للبرنامج طوال سنوات ومتابعة دائمة لذلك؛ الرقابة الشديدة والشاملة للبرنامج؛ وأن يكون الاتفاق ساري المفعول لعدد غير محدود من السنوات؛ والرفع التدريجي للعقوبات مقابل الالتزام الكامل بالتعهدات الإيرانية الواردة في الاتفاق.
•إن تمديد المفاوضات مع إيران بشأن الاتفاق النووي يمنح إسرائيل فترة سبعة أشهر يجب خلالها أن تتخذ قرارات خطيرة. وربما في الأول من تموز/يوليو المقبل ستجد إسرائيل نفسها أمام وضع استراتيجي يتطلب منها اتخاذ قرارات صعبة، إذا جرى التوصل إلى "اتفاق سيئ" وتمّ التوقيع عليه، أو في حال انهارت المفاوضات. وهذا الأمران يضعان إسرائيل أمام ضرورة إعادة بلورة استراتيجيتها لكبح البرنامج النووي الإيراني. ومن المهم أن يجري استغلال التمديد الثاني للاتفاق الموقت بصورة جيدة، من أجل إعداد البدائل المحتملة لتحسينه.