معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•الهجوم الإرهابي الذي حدث في 18 تشرين الثاني/نوفمبر في القدس في كنيس هار نوف حيث قتل أربعة مصلين وشرطي إسرائيلي بوحشية، خطوة إضافية في مسار التوجه نحو تحويل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني من صراع قومي إلى صراع ذي طابع ديني.
•تركّز الانتباه الفلسطيني في الأشهر الأخيرة على الصراع في القدس مع حملة تحريض تقودها حركة "فتح" تحت شعار "الصراع على القدس، و"حماس" تحت شعار "انتفاضة الأقصى". ويبدو نقاش الموضوع مشبعاً بالتطرف الديني، وانعكس ذلك في النقاش على شبكات التواصل الاجتماعي وفي إطاره يُشدَّد على أن البديل الوحيد المتوفر لتغيير الوضع القائم هو البديل الديني. كما أن القدرة على تعبئة مشاعر الجمهور الفلسطيني من أجل الضرورة الملحة للدفاع عن "الحرم الشريف" (جبل الهيكل) وعن مسجد الأقصى، استفادت من محاولات مجموعة من أصحاب المصالح الإسرائيلية ومن أعضاء الكنيست تغيير الوضع القائم في الحرم. واعتبر الجمهور الفلسطيني أن الرد الضعيف لحكومة إسرائيل على هذه المحاولات مرحلة جديدة في العقيدة الإسرائيلية الرامية إلى فرض وقائع على الأرض على غرار سياسات الاستيطان في الضفة الغربية. وفي رأي هذا الجمهور أن الهدف الإسرائيلي المقبل هو السيطرة على المسجد الأقصى وتدميره. ويعتبر الجمهور الفلسطيني ولا سيما الشاب منه، أنه نظراً إلى انشغال العالمين العربي والإسلامي بصراعاته، فليس هناك من يدافع عن "الحرم الشريف" غير عرب القدس الشرقية الذين يتمتعون بمزية مهمة هي حرية التنقل والدخول إلى دولة إسرائيل.
•وعلى خلفية النظرة الدينية للنزاعات وظاهرة حروب الجهاد في العالم الإسلامي، فإن هذه النظرة بدأت تتسرب أيضاً إلى مكونات النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. ويبرز هذا التوجه من خلال تبني تعابير وتشابيه يستخدمها تنظيم "الدولة الإسلامية - داعش"، كما يظهر في الحماسة التي لا حدود لها للقيام بعمليات ارهابية وحشية، ومن خلال التباهي بصور قطع الرؤوس. إن الفلسطينيين في أغلبيتهم الساحقة باستثناء أقلية هامشية، لا يؤيدون حتى الآن الإيديولوجيا الدينية الراديكالية "للدولة الإسلامية"، لكنهم يتبنون الأسلوب الاستعراضي والصور المخيفة التي يستوحونها من عمليات هذا التنظيم، من أجل نقل رسالتهم وتجنيد مؤيدين وناشطين. ومن أبرز الحملات الكبيرة التي ظهرت في شبكة التواصل الاجتماعي على الساحة الفلسطينية في هذه الأيام حملة "ادعس" (التي تحتوي على صدى مشابه لكلمة داعش) وحملة "اطعن" (وقد ترافقت الحملة مع صور لشبان فلسطينيين يقطعون رؤوساً بالسواطير). إن هدف هذه الحملات التأثير الإرهابي نفسياً وزعزعة إحساس الجمهور الإسرائيلي بالأمن، من خلال توظيف جهد بسيط ومن دون الحاجة إلى تجنيد كتلة كبيرة من المتطوعين. صحيح أن الهجمات الإرهابية التي جرت في القدس لم تنفذ عمليات القتل باسم أو بطلب من "الدولة الإسلامية"، لكن مما لا شك فيه ان الصور والأفلام التي عرضت على شبكات التواصل الاجتماعي أججت الحماسة وشجعت على القيام بأعمال مشابهة. إن إضافة النظرة الدينية إلى جذور النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وإبرازها إلى العلن، إلى جانب أصوات الفرح التي سمعت في قطاع غزة والضفة الغربية بعد الهجوم على الكنيس والثناء على الشهيدين اللذين نفذا الهجوم، كل ذلك يساهم في تأجيج النزاع.
•في شبكات التواصل الاجتماعي يسمى الشباب الفلسطينيون الذين يقومون بعمليات إرهابية في القدس "الفدائيون المدافعون عن القدس". ويبتعد هؤلاء الشباب تحديداً عن الحركات السياسية القديمة والمأسسة- "حماس" و"فتح" والجهاد الإسلامي- التي التصقت بها صورة الفشل في ضوء عدم تحقيقها أيّ هدف مهم خلال سنوات عديدة. وتحاول الحركات السياسية في مواجهة الشباب ركوب موجة الإرهاب الحالية وتوظيفها وتستخدم أوصافاً مثل "الجهاد من اجل القدس" أو مثل "انتفاضة القدس" أو "القدس تنتفض".
•يمكننا توجيه إصبع الاتهام إلى السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس وتحميله مسؤولية تهييج الأجواء والدعوة إلى الدفاع عن القدس. لكن ليس هناك دليل على وجود عمل منظم، وليس هناك عنوان مسؤول، ولا وجود لأطراف وراء الهجمات، هناك فقط المبادرة الشخصية للمهاجمين. في النقاش على شبكات التواصل الاجتماعي في غزة والضفة الغربية يُصور الرئيس عباس كمتعاون مع إسرائيل، ويسمى أحياناً "الخائن" أو "كلب الصهاينة".
•واستناداً إلى الذين يديرون هذا النقاش، فإن نفوذه في القدس لا يعدو الصفر، وهناك حملات على هذه الشبكات تدعو إلى تصفيته. وفي الواقع، فإن عباس غير معني بنشوب انتفاضة عنيفة ومشبعة بالإرهاب لأنها في نظره لا تخدم القضية الفلسطينية. وحتى الآن يعتقد عباس أن تصعيداً مضبوطاً في القدس يدعم الاستراتيجية التي تقودها السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وتركز هذه الاستراتيجية الدبلوماسية على التوجه إلى المجتمع الدولي من أجل الحصول على الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967 ضمن إطار قرار ملزم يصدره مجلس الأمن في الأمم المتحدة ويحدد تاريخ تنفيذه خلال سنتين. ومما لا شك فيه أن إظهار عجز إسرائيل عن ضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس وحرية العبادة من شأنه أن يروّج هذه الفكرة. (يضاف إلى ذلك أن منفذي الهجوم على الكنيس جاؤوا من منطقة تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية وليس من مناطق السلطة الفلسطينية). لكن يبدو أن عباس بدأ يدرك أنه هو والسلطة يفقدان السيطرة على الوضع وعلى الخطوات التصعيدية. وتحت الضغط الذي مارسه عليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري أدان عباس الهجوم، لكن لا تأثير كبير لديه على الجمهور الفلسطيني ونفوذه آخذ في التراجع.
•إن محاولة حكومة إسرائيل تحميل عباس المسؤولية عن التصعيد الحالي في القدس تنبع من حقيقة أن إسرائيل لا تعرف كيف تتصرف إلا مع عنوان وحيد مسؤول ومحدد. ومع غياب مثل هذا العنوان فليس هناك من تحمله المسؤولية عن سلسلة الهجمات والاضطرابات غير العنوان الوحيد المعروف لديها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار العمليات الإرهابية يفسر بأن عباس لا يبذل الجهد المطلوب لوقفها. ومن هنا فكرة أن المس بصورة عباس ومكانته من خلال تشويه صورته بأنه يشجع على الإرهاب، من شأنه أن يحبط الخيار السياسي الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
•حتى الآن عبّر العالم عن تضامنه مع ألم إسرائيل وتأييده لها، لكن يجب ألا نخطئ في فهم المجتمع الدولي للوضع، فالموقف الأساسي لهذا المجتمع هو أن التصعيد وانفجار العنف هما نتيجة الجمود في العملية السياسية مما تسبب بفقدان الجمهور الفلسطيني للأمل. ويعتبر هذا المجتمع أن إسرائيل هي المسؤولة الأساسية عن هذا الوضع.
•في ضوء هذه الأحداث، يتعين على حكومة إسرائيل أن تحدّث تقييمها للوضع الاستراتيجي من أجل وضع أسلوب عمل جديد لمواجهة التحدي الذي يزداد خطورة. إننا نشهد انهيار النظرة الاستراتيجية التي نظرت إلى إسرائيل بوصفها "فيلا وسط الأدغال" واعتقدت أن في إمكان إسرائيل أن تعزل نفسها عما يجري في المنطقة وأن تنظر إليها من بعد من دون أن تخرق موجة الأحداث الإقليمية حدودها. كما أن سياسة الرد من خلال الامتناع عن القيام بمبادرة سياسية لم تعد ناجعة. لذا، فالمطلوب بلورة سياسة تستغل الفترة الحالية من أجل تغيير نموذج النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني من خلال الدفع قدماً بالتسويات المرحلية وإشراك العالم العربي في العملية تحت مظلة المبادرة العربية كإطار للحوار والتعاون، ووضع ضمانات إقليمية من اجل تنفيذ التسويات السياسية مع الفلسطينيين.
•من الضروري أن تمنع إسرائيل استمرار انتقال النزاع من المستوى القومي إلى المستوى الديني نظراً إلى عدم وجود أدوات فاعلة لمواجهة المشكلة الدينية. إن الأساس لنمو الكراهية الدينية هو الإهمال الطويل الذي عاناه السكان العرب في القدس الشرقية على مستوى الفرد وفي مجال البنى التحتية. إن إصلاح الخلل الذي تراكم خلال أكثر من 40 عاماً ليس ممكناً على الفور ويتطلب وقتاً كبيراً وأموالاً كثيرة من أجل إحداث تغيير جوهري، وكي يؤثر على مشاعر السكان، ويغير الأجواء في المدينة ويساهم في تهدئة النفوس. ومن هنا يتعين على الحكومة العمل في المدى القريب على عدد من المستويات معاً:
تهدئة مشاعر العداء الدينية- يجب توظيف جهود كبيرة لمنع ردود فعل اليهود المتطرفين على الهجمات التي ينفذها فلسطينيون. وأن نثبت فعلاً أنه ليس في نية الحكومة تغيير الوضع الحالي في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف].
الجهد الاستخباراتي- يجب بذل جهود مكثفة من أجل تحديد الجهات المحرضة التي تدفع بالشباب في القدس الشرقية إلى القيام بهجمات إرهابية ومنعها من استخدام رموز دينية.
تكذيب الأخبار الكاذبة والمضللة- يجب العمل بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام على فضح الأخبار الكاذبة التي تهدف إلى التحريض وتصعيد الأحداث. وفي هذا الإطار من المهم الامتناع عن نشر صور لا ينبغي نشرها ومن شأنها أن تزيد في حوافز العنف والتطرف لدى الطرفين.
التركيز على حي جبل المكبر- من هذا الحي خرج في السنوات الأخيرة أغلبية منفذي الهجمات القاسية.
التحاور مع المجتمع العربي في القدس الشرقية- يجب أن نحاول إقامة حوار مفتوح مع السكان العرب في المدينة وإشراكهم في التفكير لحل المشكلات وإدارة المسائل المتعلقة بالمدينة.
انتهاج سياسة تصالحية ومسؤولة- في ظل التصعيد الكبير والخطر في القدس، ومع الاحتمال الكبير لامتداد النيران إلى خارج نطاق المدينة، يتعين على حكومة إسرائيل انتهاج سياسة تصالحية في الحوار الداخلي، بالرغم من وجود عناصر متطرفة لدى الجانبين تتشجع من الكلام ومن الأفعال التي يستوحي المتطرفون أعمالهم منها. وعلى متخذي القرارات أن يتصرفوا بمسؤولية وضبط نفس، ويسعوا إلى الدفع قدماً بحلول للمشكلات المطلوب حلها مباشرة، والامتناع عن الخطوات التي تصبّ الزيت على النار وتنطوي على احتمال نشوب مواجهات بسببها.
الانتباه لما يجري وسط العرب في إسرائيل- تظهر شبكات التواصل الاجتماعي علاقة وثيقة بين الشباب النشطين في القدس وأمثالهم من العرب في إسرائيل. ومن أجل منع حدوث تطورات سلبية وسط العرب في إسرائيل، فمن الأفضل وضع خطة لمعالجة الثغرات والحرمان وإجراء حوار مفتوح والتخفيف من المشاعر السلبية الناتجة عن الأحداث في القدس.