على نتنياهو استغلال الفرصة من أجل فتح أفق جديد للسلام
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•من الصعب بالنسبة للكثيرين من مواطني الدولة القول إن إسرائيل انتصرت في المعركة ضد "حماس" على الرغم من أن الدولة انتصرت فعلاً. هناك ظاهرة تتكرر هي ميل اليهود إلى اعتبار كل انتصار هزيمة، وميل العرب إلى تصوير كل هزيمة انتصاراً.

•وينبع عدم الاعتراف بانتصار إسرائيل في المواجهة مع "حماس" من التوق الشديد إلى تدمير "حماس" وتصفية الحساب معها مرة واحدة وإلى الأبد. والسؤال المطروح للنقاش العام هو كيف يمكن لأقوى جيش في الشرق الأوسط ألا ينجح في الانتصار على 20 ألف مقاتل من تنظيم إرهابي؟ بيد أن طرح هذا السؤال يدل على عدم فهم عميق للوقائع وخطأ نظري مزدوج.

•الخطأ الأول هو عدم فهم الفارق بين المواجهة العسكرية بين دول، والمواجهة العسكرية مع تنظيم إرهابي. ففي أنحاء سيناء أو في الأراضي المفتوحة في هضبة الجولان يستطيع الجيش الإسرائيلي أن يهزم جيشاً من 200 ألف مقاتل. لكن في المواجهة مع مخربين يتحركون وسط سكان يبلغ عددهم نحو مليوني نسمة يؤيدونهم، فالأمر مختلف تماماً. ولا ننسى كيف استطاع 21 إرهابياً، وليس 20 ألفاً، قتل نحو ثلاثة آلاف أميركي من مواطني أقوى دولة في العالم، وكيف نجحوا في مهاجمة قدس أقداس، المؤسسة الأمنية الأميركية: البنتاغون. وعلى الرغم من ذلك، فحتى اليوم لم تنجح الولايات المتحدة في القضاء على القاعدة.

•أما الخطأ الثاني الجوهري والأخطر، فيكمن في عدم الاعتراف بأن المشكلة الأساسية ليست "حماس" بل غزة. فحتى لو قضينا على "حماس" وقتلنا آخر عنصر فيها، فإن تنظيماً إرهابياً آخر سينشأ مكانها. وليست غزة سوى مظهر من مظاهر المشكلة التي تعود جذورها إلى النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني واستمرار السيطرة الإسرائيلية على ثلاثة مليون فلسطيني. صحيح أن أرض إسرائيل ليست أرضاً محتلة بل هي موطن الشعب اليهودي، لكن الشعب الفلسطيني الذي يعيش على أجزاء منها يعتبر نفسه تحت سلطة احتلال. ويمثل هذا النزاع أخطر تهديد وأهم تحد تواجهه دولة إسرائيل.

•بالنسبة لجيلنا، فإن الاختبار الكبير لكل رئيس حكومة في إسرائيل ينقسم إلى قسمين: الاختبار كقائد أعلى وكصانع للسلام. لقد كانت عملية "الجرف الصامد" الطويلة والصعبة بمثابة اختبار لنتنياهو كقائد أعلى. ومنذ بداية هذا الاختبار، حينما حاول نتنياهو منع الحرب وفقاً لما تفرضه مسؤولياته تجاه شعبه وجنوده، وحتى نهايته حيث عمل بحزم من أجل إنهاء القتال، فقد نجح رئيس الحكومة في هذا الاختبار بصورة تستحق التقدير. فهو لم يراوغ ولم يخضع للضغوط. ولم يصغ إلى "الضجة الخلفية" [المقصود مطالبة اليمين بتوسيع العملية البرية]، وظل متمسكاً بنظرته الاستراتيجية الأساسية أي وضع أهداف محدودة قابلة للتحقيق وتقليص تعريض حياة الجنود للخطر إلى الحد الأدنى. وحظي بالدعم المطلق من قبل وزير الدفاع، وبالنصيحة الجيدة والحكيمة من رئيس الأركان، الذي قصد بن غوريون قادة مثله عندما قال: يجب أن تعلم كل أم عبرية أنها وضعت مصير حياة ابنها بين يدي قادة سيحافظون عليها. 

•في اختبار صنع السلام تعتبر إنجازات نتنياهو حتى الآن محدودة. واليوم ثمة فرصة نادرة من أجل الدفع قدماً بهذا الهدف واستغلال الأفق السياسي الجديد الذي تحدث عنه نتنياهو. 

 

•بالطبع إن المسؤولية الأساسية عن عدم تحقيق السلام تقع على الفلسطينيين، لكن هناك أموراً كثيرة يستطيع نتنياهو أن يقوم بها من أجل تحسين فرص التسوية، وأموراً كثيرة أخرى يجب أن يمتنع عن القيام بها كي لا يؤذي فرص التوصل إلى تسوية. قد ينطوي الأمر على مخاطر سياسية بالنسبة إليه، لكن هذا من الواجبات الأكثر أهمية لرئيس الحكومة. 

 

 

المزيد ضمن العدد 1967