•يتصرف الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة بطريقة تتعارض كلياً مع الدروس التي تعلمها من حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، أي خوض معركة قصيرة قدر الإمكان تشمل "مناورة سريعة وقاتلة".
•إن الجزء الرابع من المعركة التي بدأت أمس (مساء الثلاثاء) يتّسم بخصائص المعركة التي خاضتها إسرائيل ضد "حماس" عندما كان موشيه يعلون رئيساً لأركان الجيش خلال السنوات 2004-2005، أي توجيه ضربات جوية ضد "حماس" في غزة واغتيالات. ومن المحتمل أن تكون إسرائيل انجرّت طوعاً إلى هذا النوع من حرب الاستنزاف التي قد تستمر بضعة أسابيع (في أفضل الاحتمالات)؟.
•كي نفهم كيف وصلنا إلى هنا، يمكن الحديث عن أربعة مراحل أساسية في عملية "الجرف الصامد". في الأيام العشرة الأولى كانت هناك معركة جوية فقط، ولم تنجح في إقناع "حماس" بعدم جدوى مواصلة القتال ضد إسرائيل.
•في المرحلة الثانية التي جرت فيها المعركة البرية، جرّت "حماس" إسرائيل إلى القتال تحت الأرض حيث خسر الجيش الإسرائيلي الكثير من تفوقه التكنولوجي (واستطاعت أن تخرج من المعادلة أهمية "القبة الحديدية").
•في المرحلة الثالثة ظهر منذ البداية أن وقف إطلاق النار ومحاولة التوصل إلى تسوية مع "حماس" لا حظ لها من النجاح، إذ لم تكن لدى إسرائيل مصلحة ولا إمكانية شعبية ولا سياسية (من وجهة نظر رئيس الحكومة) للخضوع لأي شرط من شروط "حماس". من جهة أخرى، لم تكن "حماس" تشعر بضغط عسكري قوي ومباشر، ولم يكن في مصلحتها الخروج من المعركة مع إنجازات تجميلية مثل تمديد ساعات فتح المعابر في رفح.
•إن الإنجاز الكبير الذي تحقق حتى الآن هو تحويل إسرائيل لمصر وللسلطة الفلسطينية إلى عنوان للحل. لكن هذا تحديداً هو موطن "الخلل" الأساسي للمعركة، ففي الوقت الذي عادت الصواريخ تتساقط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لا توجد لمصر والسلطة مصلحة عاجلة في الاستجابة لأي مطلب من مطالب "حماس"، ويرضيهما تركيع "حماس" وأيضاً الصور غير المريحة من أشدود وتل أبيب.
•عندما اتضح أن وقف إطلاق النار على وشك السقوط النهائي، استعد الجيش الإسرائيلي والطبقة السياسية للرد بقوة كبيرة على أول إطلاق نار في اتجاه إسرائيل. وهذا ما حدث تماماً الساعة الثالثة والنصف بعد ظهر أمس عندما أُطلقت ثلاثة صواريخ في اتجاه منطقة بئر السبع. لقد كان في استطاعة إسرائيل ابتلاع ما حدث بكذبة أنه من صنع تنظيم مارق، لكنها بدلاً من ذلك قررت القيام بهجوم قاس: وبحسب مصادر فلسطينية، أقدمت على مهاجمة منزل قائد الجناح العسكري لـ"حماس" محمد الضيف.
•يزعم الفلسطينيون أن زوجة الضيف وابنه قتلا، أما الضيف نفسه الذي نجا من عدة محاولات اغتيال، فهو لا يزال موجوداً في الملجأ المحصن تحت الأرض يشاهد شاشات التلفزة وعلى اتصال من خلال خط آمن بقادة ألوية "حماس" الذين لا يزالون يعطون الأوامر بإطلاق الصواريخ على إسرائيل بصورة منسقة.
•إن محاولة اغتيال الضيف تذكر باغتيال صلاح شحادة رئيس الجناح العسكري لـ"حماس" في غزة الذي حدث أواسط العقد الماضي. يومها كان معروفاً بشكل مسبق أن الهجوم ضد شحادة سيؤدي إلى مقتل عدد من أبناء عائلته، لكن على الرغم من ذلك أعطى يعلون الأوامر بتنفيذ الاغتيال (وأدى الهجوم إلى مقتل أكثر من عشرة أشخاص من الجيران، الأمر الذي عرّض إسرائيل لانتقادات دولية قاسية).
•الهدف من الاغتيالات والهجوم على العائلات هو تشكيل ضغط قوي على "حماس" كي توافق على وقف إطلاق النار. وتستطيع إسرائيل الآن التفكير بأنها قادرة على إدارة الحرب من بعيد وتنفيذ اغتيالات في شروط مثالية من وجهة نظرها، وذلك لأن القبة الحديدية تسمح بحياة معقولة إلى حد ما في الجبهة الداخلية، بينما في غزة سيتصاعد ضغط السكان على قيادة "حماس" أكثر فأكثر.
•ويبدو أن هذا الأسلوب أكثر إراحة وأقل خطورة من عملية برية جديدة. ويمكننا تذكير من نسوا بأنه عندما كان يعلون نائباً لرئيس الأركان ثم رئيساً للأركان، دارت معركة قاسية ضد "حماس" قام خلالها انتحاريون بتفجير أنفسهم داخل الجبهة الداخلية في إسرائيل كل اسبوع تقريباً. لكن في النهاية جرى القضاء على إرهاب الانتحاريين وانتصرنا. يومها كان شعور الجبهة الداخلية بعدم الأمان أكبر مما هو عليه اليوم، لكن صبر الجبهة الداخلية الإسرائيلية ومنعتها هما اللذان انتصرا.
•إنما على الرغم من ذلك، فإن العجز عن توفير آلية لإنهاء الحرب في غزة لا يزال يلقي بثقله على عملية "الجرف الصامد" كلها. ومثلما "تدحرج" الجيش الإسرائيلي حتى الآن نحو توجهات لم يكن يريدها، فقد يجد نفسه في نهاية الأمر مجدداً داخل معركة برية لكنها هذه المرة أوسع وغير مرغوبة.
•يبدو اليوم أن الجهة القادرة على منع تدهور لا يريده الطرفان هي فقط مجلس الأمن إذا استطاع أن يفرض عليهما قراراً صارماً بوقف إطلاق النار. وعلى ما يبدو، فإن الوساطة المصرية استنفدت نفسها.