"الجرف الصامد" زادت في تدهور علاقات تركيا بإسرائيل وعززت تحالفها مع "حماس"
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•"أردوغان هو وريث غوبلز"، هكذا كان رد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان على الشتائم التي وجهها رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان إلى إسرائيل خلال عملية "الجرف الصامد"، لكن يبدو أن هذا الكلام كان مجرد الطلقة الأولى من جانب إسرائيل. 

•فعندما طُلب من ليبرمان الرد في بداية الحملة على تصريحات أردوغان، قرر ضبط النفس قائلاً: "إذا واصل أردوغان مهاجمتنا سنرد عليه". وألمح إلى أن إسرائيل لا ترغب في الظهور بأنها تتدخل في حملة أردوغان الانتخابية. وكان التخوف هو من أن أي رد إسرائيلي سيزيد نسبة التوتر وسيساهم في انتخاب أردوغان رئيساً للجمهورية. 

•ليس واضحاً إلى أي حد ساهمت سياسة أردوغان إزاء إسرائيل في تحقيق فوزه الساحق (حصل على 52% من الأصوات) في الانتخابات التي جرت في 10 آب/أغسطس، لكن بالمقارنة مع الانهيار الكامل للسياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط، فمن الصعب أن يكون لموقفها حيال إسرائيل أهمية ما.

•وجاءت الطلقة الإسرائيلية الثانية في اتجاه تركيا أول من أمس (يوم الاثنين) حين كشف جهاز الشاباك عن اعتقال 93 عضواً من "حماس" بتهمة التخطيط لإسقاط السلطة الفلسطينية. واستناداً إلى الشاباك، فإن رأس الشبكة في الضفة الذي خطط وموّل العملية هو صلاح العاروري الذي يعتبر مؤسس كتائب عزالدين القسّام في الضفة، والذي كان أُبعد إلى سورية في 2010 ومن هناك انتقل إلى تركيا بعد قطع العلاقات بين "حماس" وسورية.

•وكان العاروري الذي أمضى سنوات طويلة في السجن الإسرائيلي، بين الوسطاء في صفقة شاليط، وضيفاً مرغوباً به في تركيا حيث كان يجري جلسات ولقاءات مع أعضاء "حماس". واستناداً إلى مصادر في تركيا، فهو رجل الاتصال بين رئيس المكتب السياسي في "حماس" خالد مشعل وحكومة أردوغان، وهو أيضاً الذي ينظم لقاءات مع المتبرعين للحركة من الدول العربية الذين يأتون إلى تركيا لتقديم مساعداتهم.

•منذ سنوات وإسرائيل على علم بنشاطات العاروري في تركيا، لكن نظراً للحساسيات الدبلوماسية والرغبة في تخفيض مستوى التوتر بين الدولتين، امتنعت عن المطالبة بتسلمه أو القيام بحملة علنية ضد استمرار وجوده في اسطنبول. وأثارت إسرائيل الموضوع عدة مرات على الإدارة الأميركية، لكن يبدو أنه حتى الولايات المتحدة التي وافقت هذا الأسبوع على بيع تركيا 145 صاروخاً متوسط المدى، تفضل عدم التورط مع حكومة أردوغان. 

•فهل ستستخدم إسرائيل كشف الشاباك عن العلاقة بين العاروري والحكومة التركية من الآن وصاعداً كأداة سياسية للتوصل إلى ممارسة ضغط أميركي على تركيا الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي؟ مصادر دبلوماسية غربية قالت للصحيفة إن التغطية الإعلامية لاعتقال خلية "حماس" تشير إلى وجود غرض سياسي من وراء ذلك. لكن عند السؤال عما إذا كان الكشف عن وجود علاقة تركية - حماسية في موضوع الإرهاب سيؤذي علاقات الدول الأوروبية والولايات المتحدة بتركيا، كان تقدير هذه المصادر أنه في الوقت الذي تتدخل فيه الولايات المتحدة في حرب العراق، ونظراً إلى حاجتها إلى تركيا في المعركة الدائرة في سورية، فمن الصعب أن يتحول العاروري إلى موضوع اهتمام دولي.

•لكن العاروري مجرد حلقة في العلاقة التي توثقت بين تركيا و"حماس" في أعقاب عملية "الرصاص المصهور" في نهاية 2008. وإذا كانت حكومة أردوغان حتى بدء هذه العملية حرصت على التعامل بحذر كبير بشأن كل ما له صلة بعلاقتها مع "حماس" وحرصت على التنسيق مع إسرائيل، فإن الشرخ بدأ مع "الرصاص المصهور". فعشية العملية التقى رئيس الحكومة إيهود أولمرت أردوغان في منزل الأخير في إطار مساعي الوساطة التركية بين إسرائيل وسورية. واستقبل أولمرت كضيف مرغوب به وأجرى الرجلان محادثة غير مباشرة مع الرئيس السوري، بشار الأسد. وشعر حينها أردوغان بأن لديه حليفاً إسرائيلياً يمكن إجراء صفقات معه.

•لكن في هذه الأثناء كانت قوات الجيش الإسرائيلي تتجمع في مشارف غزة، وكان واضحاً أن إسرائيل على وشك أن تشن هجوماً على القطاع. 

•واستناداً إلى مصدر تركي رفيع، طلب أردوغان من أولمرت خلال لقائه به أن يعطيه فرصة لمحاولة التأثير على "حماس" للتراجع عن هجماتها ضد إسرائيل، فرد عليه أولمرت بأنه مستعد للتفكير في ذلك، وسيبلغه بقراره خلال وقت قصير. وفور عودة أولمرت لإسرائيل حاول أردوغان الاتصال به من دون جدوى. واستناداً إلى مصدر تركي، فإن أولمرت لم يرد على المكالمة، الأمر الذي دفع أردوغان إلى القلق، وخلال وقت قصير أدرك أن أولمرت ليس مستعداً لمشاركته في قراره.

•ومع بداية عملية "الرصاص المصهور"، بدأ أردوغان يفقد أعصابه. وبعد أشهر خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي سنة 2009، لم يعد في استطاعة أردوغان ضبط نفسه. ففي مقابلة تلفزيونية انفجر في وجه الرئيس شمعون بيرس وانتزع الميكروفون وغادر القاعة غاضباً.

•واستناداً إلى التقديرات التركية، قرر أردوغان منذ تلك اللحظة احتضان "حماس" والضغط على إسرائيل في المكان الذي يوجعها. لكن ليس سلوك أولمرت وحده هو الذي أغضب أردوغان، فقد جرى استبعاد تركيا عن أي تدخل في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، إذ برغم شعور تركيا بأنها قادرة على لعب دور الوسيط جرى استبعادها من جانب إسرائيل وحسني مبارك الذي كانت علاقاته بأردوغان باردة.

•طبق أردوغان السياسة التي وضعها وزير خارجيته أحمد داود أوغلو التي استندت إلى مبدأ "صفر مشكلات مع الدول المجاورة"، فتقرب كثيراً من الأسد ونمت العلاقات مع إيران. لكن هذه العلاقات لم تفده في المجال الفلسطيني، ولذا انتهج استراتيجية مشابهة لاستراتيجية إيران، وهي القائلة بأنك إذا كنت لا تستطيع التأثير دبلوماسياً فحاول التأثير بواسطة التنظيمات.

•بعد مرور عام على "الرصاص المصهور" وعلى حادثة مؤتمر دافوس، حدثت قضية الأسطول الذي لم تموله تركيا مباشرة كما يبدو، ولكنه حظي بتغطية رسمية تحت شعار خرق الحصار المفروض على غزة الذي كانت تركيا رفعته قبل انطلاق الأسطول. 

•ومنذ انفصال "حماس" عن سورية في إثر المجازر الجماعية التي ارتكبها الأسد ضد شعبه، ثم مغادرة قيادة "حماس" سورية في شباط/فبراير 2012، واجهت الحركة مشكلات مالية كبيرة لأن انفصالها عن سورية أدى إلى انفصالها عن إيران التي ساعدت الحركة بمئات ملايين الدولارات. 

•في السنة ذاتها سيطر الإخوان المسلمون على الحكم في مصر، لكن العلاقة الجيدة للإخوان بأتباعهم الأيديولوجيين لا يمكن أن تشكل بديلاً عن التمويل المطلوب الذي لا تستطيع مصر تأمينه.

•حينئذ هبت قطر التي تنتهج هي أيضاً استراتيجية التأثير بواسطة التنظيمات، إلى مساعدة الحركة ودفعت مبالغ كبيرة من أجل تمويل البنية التحتية المدنية في غزة ومن أجل تعزيز حكومة "حماس". وفي تشرين الأول/أكتوبر 2012 قام أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني بزيارة رسمية إلى غزة وأعلن تقديم مساعدة كبيرة بنحو 400 مليون دولار، وكان بين مستقبليه صلاح العاروري الذي جاء خصيصاً من تركيا. في المقابل، اكتفت تركيا بتقديم مبالغ صغيرة بلغت بين 2012 و2013 نحو 300 مليون دولار، وهو مبلغ صغير بالمقارنة مع المطالب الكبيرة لـ"حماس" التي تبلغ ميزانيتها السنوية نحو مليار دولار.

واليوم تركيا مستعدة للمشاركة في تمويل إعادة إعمار غزة لبناء مستشفى ومشاريع مدنية أخرى. لكن مشكلتها أن إعادة إعمار غزة ستخضع لرقابة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس الذي ليس محبوباً من أردوغان.

 

•إذا نجح وقف إطلاق النار وجرى توقيع اتفاق طويل الأمد بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية على إعادة إعمار غزة، فمن المحتمل أن تعود تركيا إلى لعب دور على الساحة الفلسطينية في تنفيذ وتمويل مشاريع البنى التحتية المدنية، لكنها لن تكون لاعباً حصرياً، وستكون مرتبطة أيضاً بمدى استعداد مصر للتعاون معها، وعرضة للمنافسة مع دول أوروبية وعربية تعتبر خطة إعمار غزة وسيلة للنفوذ لا يرغب أحد في تركها بيد أردوغان.