•أنهى الجيش الإسرائيلي بصورة غير رسمية أمس (الثلاثاء) 29 يوماً من القتال في قطاع غزة. وانسحبت خلال الليل من منطقة القطاع مئات الدبابات وناقلات الجنود المدرعة والمدافع، وبدأت قيادات الألوية والفرق العسكرية نقاشات استخلاص الدروس وطرح التساؤلات، والبحث عن التغييرات والتحسينات التي يجب إدخالها على بناء القوة في الجيش الإسرائيلي في أعقاب عملية "الجرف الصامد". وسيبقى على حدود القطاع بضعة طواقم من ألوية حربية وبضع مئات من المقاتلين، إلى جانب كتائب دفاعية مهمتها حماية المستوطنات القريبة من السياج الحدودي خلال الأيام المقبلة حتى انتهاء المرحلة الانتقالية التي تجري فيها المفاوضات بين الوفود في القاهرة.
•إن الحكم بشأن نجاح العملية أو فشلها لن يتضح في وقت قريب. ومن المفيد أن نتذكر الانتقادات اللاذعة (المبررة جزئياً) التي تعرضت لها القيادة السياسية والعسكرية في نهاية حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، هذه الحرب التي أدت إلى هدوء استثنائي لا يزال مستمراً منذ ثمانية أعوام، في حين أن عملية الرصاص المصهور وعلى الرغم من أناشيد المديح، أثمرت ردعاً جزئياً وقصير المدى.
•لكن هذه المرة أيضاً، وعلى الرغم من الضربات القاسية التي وجهها الجيش إلى "حماس" (استناداً إلى مصدر في الاستخبارات العسكرية بقي للحركة أقل من ثلث صواريخها، ودُمر نحو 60% من منشآت تصنيع وتطوير السلاح الصاروخي)، تبرز عدة نقاط سلبية تتطلب دراسة من جانب القيادة العسكرية.
1- مشكلة تحصين القوات
أ.حتى الآن لا يعرف الجيش بصورة واضحة ما الذي تسبب بمقتل سبعة مقاتلين من غولاني في حي الشجاعية في انفجار ناقلة الجند المدرعة من طراز بردلز (M113) التي يذكر شكلها بمدرعة زيلدا الأسطورية. وما يزال حطام هيكل الناقلة قيد الفحص في حين يدرس الجيش حالياً إمكانية أن تكون الناقلة هوجمت بصاروخ مضاد للدروع مع تفجير عبوة ناسفة بالقرب منها.
وفي الواقع، في لواء المشاة الوحيد في الجيش الذي أغلبية ناقلات جنده من طراز النمر (وهي ناقلات جنود مدرعة حديثة محصنة ضد الصواريخ المضادة للدروع)، وحدها دورية السرية المساندة تنقلت في هذا الحادث في ناقلة جنود مدرعة قديمة نسبياً نحو هدف قريب نسبياً لا يتعدى بضعة كيلومترات، بحيث كان جنود المشاة عرضة لخطر الصواريخ المضادة للدروع.
وأوضح الجيش أنه بعد هذه الحادثة استمر استخدام هذا النوع من ناقلات الجنود المدرعة في القطاع بسبب النقص في الناقلات من طراز النمر، ولأنها الوحيدة المزودة بقذائف المورتر وهي مجهزة للقيام بمهمات لوجستية.
ب. سقوط قذائف الهاون على مناطق الدخول [إلى القطاع]. لقد نجح هذا السلاح البدائي العائد إلى الحرب العالمية الثانية في حين فشلت صواريخ M-75 وM-302 التي بلغت تل أبيب والقدس والكرمل. وقتلت هذه القذائف خمسة جنود في مناطق الدخول في حادثتين، ومواطناً واحداً على معبر إيرز. وكان الجيش استخلص دروساً في هذا الشأن في عملية عمود سحاب ومن حادثة كفار غلعادي في حرب لبنان الثانية [حين قتل 12 جندياً إسرائيلياً كانوا على وشك التوجه نحو لبنان بقصف من "حزب الله"]، وجرى تطوير رادارات تطلق إنذاراً مسبقاً لكشف قذائف الهاون الموجهة إلى مناطق الدخول وهي تطلق إنذاراً مسبقاً. لكن استناداً إلى شهادات الجنود، فإن عدد الأجهزة التي وزعت على المناطق كان قليلاً جداً، واضطر الجنود إلى الاعتماد على الحظ.
2- مشكلة استعداد القوات
اعترف ضابط كبير أنه حتى 15 حزيران/يونيو أنهى الجيش الاستعدادت لما وصفته "حماس" في بداية السنة بأنه "حرب تموز/يوليو". كما أجرت الفرق العسكرية مناورات في الربيع وأعطيت الأوامر لقيادات الألوية والكتائب المعنية وحتى لقيادات الفصائل التي دونها. لكن تخطيط الجيش كان لعملية مختلفة تماماً في القطاع، تقوم على مهاجمة "حماس" في عمق منطقتها، وليس عملية ذات أهداف استراتيجية محدودة عسكرياً- تدمير أنفاق الإرهاب.
إن اختيار ألوية الجنود النظاميين وليس الاحتياطيين يثير التساؤلات. قد يقال دفاعاً عن الجيش إن أغلبية العمليات المرتجلة خلال الحملة كانت ناجحة بدءاً بالحلول المبتكرة والسرية لتدمير الأنفاق من خلال استخدام وسائل كشف جديدة غير جاهزة تماماً دخلت المعركة مباشرة من مصانع الصناعات الأمنية، ومروراً بارتجالات تكتيكية على الأرض من نوع تحويل ضابط هندسة من قاعدة للتأهيل إلى قائد كتيبة بسبب ازدياد الحاجة إلى قوات هندسة، أو تحويل مقاتلي وحدة النخبة في فرقة ميغلان الذين هم في بداية خدمتهم العسكرية، بين ليلة وضحاها إلى قادة للقوات في ناقلات الجنود من نوع "أخزريت".
3- حادثة ناحل عوز
تدل تفاصيل جديدة كشفها ضابط كبير في الجيش تتعلق بالحادثة المؤلمة التي قتل فيها خمسة جنود في موقع بالقرب من ناحل عوز، على أن جميع الجنود الذي كانوا في الموقع المشرف على إحدى فتحات السياج بمن فيهم الذين قتلوا، أطلقوا النار على المخربين، لكن مخرباً كان يقف بين الكتل الخرسانية في زاوية أخرى استغل فتحة من أجل إطلاق النار من سلاحه الأوتوماتيكي على الجنود وقتلهم.
تطرح هذه الحادثة عدداً من الأسئلة: أ. كيف لم تكشف القوات التي كانت تعمل في تدمير الأنفاق بالقرب من ناحل عوز ومن الشجاعية ما كان يحدث على الرغم من الضجة التي أثارها إطلاق قذيفة آر بي جي على القسم العلوي من الموقع المصنوع من الباطون المسلح؟ ب. لماذا لم يتم تحويل وسائل المراقبة الجوية والبرية الموجودة بكثرة في المنطقة فوراً نحو هذه النقطة، ولم تحول النيران لاعتراض المخربين أثناء محاولتهم العودة عبر حفرة في حقل مفتوح؟ ج. لماذا أرسل الجيش للقتال كتائب مدرسة ضباط سلاح المشاة التي ينتمي إليها الجنود، وهي وحدات مقاتلين من النخبة عرفوا بعضهم خلال أسابيع الدورة فقط؟ وفي الواقع، فإن الجندي الوحيد الذي حال دون نتائج أكثر مأساوية للحادثة هو المقاتل الذي كان موجوداً في الموقع الأعلى والذي أطلق النار على المخربين ومنعهم من أن يأخذوا معهم جثة أحد القتلى وحال دون خطف جثة.
4- المبالغة في تحديد أهداف متواضعة للقتال
الأهداف المتواضعة للقتال كانت قراراً من الطبقة السياسية. لكن الأيام ستشكف إلى أي حد ضغطت الطبقة العسكرية على المجلس الوزاري من أجل تعميق العملية البرية ضد "حماس". فحصر العملية البرية بهدف مهم لكن معزول (تدمير الأنفاق)، دفع الجيش إلى عملية برية محدودة نسبياً في مواجهة "حماس"، لا تتعدى مساحتها 3 إلى 4 كيلومترات من القطاع، ومن دون التوغل في عمق معاقل الإرهاب في شوارع مدن غزة ورفح أو في مخيمات اللاجئين.
5- استخبارات تكتيكية مقابل استخبارات استراتيجية
مصادر رفيعة في الجيش وبخاصة في الاستخبارات العسكرية، قالت عدة مرات إن خطر الأنفاق عرض على متخذي القرارات خلال السنة الماضية، وإن المعطيات الاستخباراتية دفعت الجيش إلى الاستعداد لمواجهة مع "حماس" في الصيف. لكن على الرغم من ذلك، لماذا شددت مصادر أمنية وعسكرية خلال الأسابيع التي سبقت العملية على أن الضائقة الكبيرة التي تعانيها "حماس" ستمنعها من التصعيد مع إسرائيل؟ وإذا كانت التقديرات تتوقع حرباً بين إسرائيل والحركة، فلماذا لم تقرر الحكومة ومعها الجيش المبادرة إلى شن هذه الحرب مثلما حدث في عملية "عمود سحاب"؟
إن هذا التردد لم يساعد كبار "حماس" بما في ذلك قادة الألوية على الاختباء مسبقاً ومنع إسرائيل من اغتيال زعماء الإرهاب فحسب، بل سمح أيضاً للكتائب المتقدمة بالحركة والاستعداد جيداً لمواجهة الجيش الإسرائيلي وتقليل الاشتباك معه في الأيام الأولى للقتال. وبعد مرور أيام انتظروا الجنود في منازل مفخخة ومع خلايا مسلحة بصواريخ مضادة للدبابات وقناصة. كما أن "حماس" استطاعت الانتقال من الوضع العادي إلى حال الطوارئ في وقت سريع نسبياً وبصورة فاعلة.