•توجد إمكانيتان لتفسير التصعيد الأمني الحالي بين إسرائيل وقطاع غزة: الأولى، أن تكون حركة "حماس" لجأت نتيجة يأسها من الوضع الذي آلت إليه أخيراً، إلى "خيار شمشون"، أي خيار "عليّ وعلى أعدائي يا رب"؛ الثانية، أن يكون قادة الجناح العسكري للحركة في غزة أجروا تقييماً استخباراتياً وتوصلوا إلى استنتاج أن حكومة إسرائيل تمارس الخديعة، وأن التهديدات التي يطلقها كبار وزرائها فارغة من أي مضمون. وإذا ما كانت "حماس" تريد الوصول إلى إنجازات في نهاية هذه الجولة من المواجهة، وإذا ما كانت تريد أن تردع إسرائيل لاحقاً، فهي ملزمة بأن تثبت لإسرائيل أن قوتها عظيمة، وما الصواريخ [طويلة المدى] التي أطلقت نحو تل أبيب إلا خطوة أولى لبدء مفاوضات. وتعتبر هذه الإمكانية في إسرائيل أكثر واقعية.
•باختصار، يمكن القول إنه كان لدى قادة "حماس" تصوّر بشأن هذا التصعيد، ينطلق من الاعتقاد بأن الأغلبية في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية - الأمنية وفي الحكومة برمتها وفي قيادة الجيش الإسرائيلي، ترى أن إسرائيل لا يمكن أن تجني أي فائدة من مواجهة "حماس" في غزة ولذا لا يمكن أن تقدم عليها.
•وعندما يفقد طرف ما الثقة بتهديدات الطرف الآخر، تكون النتيجة تلاشي الردع. وفي ضوء ذلك، يبدو أننا الآن في مستهل عملية خطرة تسمح "حماس" لنفسها خلالها بالعربدة، في حين أن الحكومة الإسرائيلية التي لا ترغب في خوض حرب، مضطرة إلى أن تصدر أوامر تقضي بتوسيع الرد العسكري، بما في ذلك استخدام القوات البرية. وهي لا توهم نفسها بأنها ستصل من خلال ذلك إلى إنجازات بعيدة المدى، لكنها ملزمة بأن تثبت لنفسها ولسكانها ولـ"حماس"، أن كلمتها ذات صدقية.
•بناء على ذلك، سيتعين علينا فور انتهاء هذه المواجهة أن نسأل أنفسنا: كيف حدث أن عدواً مثل حركة "حماس" كفّ عن تصديق تهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية؟ هل حدث هذا لأن بنيامين نتنياهو هدد أكثر مما ينبغي كلاً من إيران و"حماس" والسلطة الفلسطينية وعمل أقل مما ينبغي؟ أم لأن "حماس" فقدت قدرتها على الإنصات وعلى فهم عملية اتخاذ القرارات في إسرائيل؟.
•حتى الآن يمكن للرأي العام في إسرائيل أن يشعر بالرضى عن الاستعدادات التي تمت قبيل شن هذه العملية العسكرية. فقد أحبط الجيش الإسرائيلي عمليتين سعت "حماس" إلى تنفيذهما، واحدة من خلال نفق بالقرب من معبر كرم أبو سالم وأخرى من البحر بالقرب من كيبوتس زيكيم. كما أن الصواريخ وقذائف الهاون التي أطلقت حتى الآن لم تتسبب بوقوع إصابات في الأرواح أو أضرار حقيقية في الأملاك. وتعرّضت مناطق غوش دان [وسط إسرائيل] لإطلاق الصواريخ لكن من دون وقوع إصابات، وهكذا أيضاً في بئر السبع وعسقلان وأسدود ومدن أخرى. وأثبتت منظومة "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ جدواها الاستراتيجية.
•لقد طلب وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في اجتماعات المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية - الأمنية التصرف هذه المرة على نحو مغاير للسابق، وحثّ على الدخول إلى غزة وتحقيق حسم، محذراً الوزراء من أن الثمن الذي يمكن أن تدفعه إسرائيل في المستقبل عندما تكون في حيازة "حماس" عشرات آلاف الصواريخ طويلة المدى، أكبر من الثمن الذي قد تدفعه الآن وفي حيازة "حماس" 3 آلاف صاروخ من هذا النوع. ومع ذلك، فإن ليبرمان ما زال يعبر عن موقف الأقلية في الحكومة، في حين أن الأغلبية تسعى إلى تحقيق الردع وليس إلى الحسم.