· لا شك في أن الزيارة القريبة التي يزمع قداسة البابا القيام بها إلى البلد ستعيد إلى أذهان الشعب الساكن في صهيون وقادته الذين أسكرتهم نشوة القوة، أن أرض إسرائيل [فلسطين] كانت على مدار التاريخ كله أرضاً مقدسة للأديان التوحيدية الثلاثة ولمليارات المؤمنين بها في العالم أجمع.
· وفي الوقت الذي ينتابنا الغضب جرّاء مئات عمليات "جباية الثمن"، أو جرائم الكراهية الموجهة ضد المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية في أنحاء الأرض المقدسة كافة، لا بُد من أن نتذكر أن هذه العمليات لا تمسّ العرب الذين يصلّون في الكنائس والمساجد التي تم تدنيسها فحسب، بل المسيحيين والمسلمين جميعاً في العالم أيضاً، والذين يعتبرون أن مساجد الأرض المقدسة وكنائسها وأديرتها كافة هي مقدسة، كما تثير غضبهم الشديد عمليات اقتلاع أشجار زيتون قديمة.
· إن أعضاء جماعة "شبيبة التلال" يسيئون إلى سمعتنا وصورتنا في العالم، ويُعرّضون الشعب اليهودي الموجود في إسطنبول وطهران وبروكلين وساو باولو للخطر. فالكُنس اليهودية في العالم كله ليست أكثر قداسة من الكنائس والأديرة والمساجد في الأرض المقدسة. ومؤسسات القانون وفرض القانون والاستخبارات والشرطة التي تصل أيديها إلى كل ركن في العالم تتظاهر بأنها عاجزة. وأخطر من ذلك كله أن السلطة الإسرائيلية ورئيس الحكومة الذي يقف على رأسها لا يلقيان بثقلهما لكبح هذا السلوك الخطر.
· وليس من المبالغة القول إن ثمة تماهياً خفياً بين عدم تدخّل بنيامين نتنياهو، وبين مبادرته إلى سنّ "قانون أساس: القومية" الذي تنبعث منه أيضاً رائحة استكبار على أبناء شعوب وأديان أُخرى يعيشون وسيعيشون معنا في الأرض المقدسة.
· قبل فترة وجيزة أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية على رؤوس الأشهاد أنه "ليس هناك روايات، وإنما توجد حقيقة واحدة فقط"، وليس هناك كذبة أكبر وأخطر من هذا الإعلان، ذلك بأن كل مَن يعتقد أن ثمة حقيقة واحدة فقط لا يمكن أن يكون شريكاً في أي مفاوضات تقوم على أساس الأخذ والعطاء.
· إن الإيمان الأعمى يؤدي إلى شلّ القدرة على التفكير والفهم والمصالحة. ونظراً إلى كون نتنياهو رجل ايمان أعمى، فإنه لا بُد من استبداله بزعيم يفهم ويعلم أن ثمة روايتين يجب القيام بالمصالحة بينهما: الرواية القومية اليهودية والرواية القومية الفلسطينية.
· وقد حظيت الرواية القومية اليهودية بشرعية تاريخية دولية خلال سنتَي 1947 و1948. والطلب المتذاكي الذي اخترعه نتنياهو - وفحواه أن الفلسطينيين هم الذين يتعين عليهم أن يصدقوا أننا شعب - هو نوع من الأحابيل السياسية.
· إن مثل هذا الواقع غير قائم عندنا فقط، ففي شبه جزيرة القرم روايتان، وكذلك في كل من مصر وسورية واليونان وتركيا. والاعتقاد أنه ثمة حقيقة واحدة فقط ينمّ عن حماقة. وإذا كان يجوز لكل غبي أن يؤمن بذلك، فإن ذلك لا يجوز لزعيم أمة محاطة ومهاجَمة وممزقة ومنقسمة من الداخل بين حقائق متعددة ومتناقضة.
· في واقع الأمر، ليست هذه المقولة هي الأولى أو الأكثر ضرراً التي سمعناها من نتنياهو. فوسواسه في الشأن الإيراني وتظاهره بأنه حكيم ويفهم أكثر من قادة الدول العظمى هما جزء من ظاهرة التبجّح الشخصي والقومي التي يتسم بها. وفي رأيي، فإن محاولة نتنياهو أن يدمج بين تبجّحه الشخصي وبين تشبّثه [بضرورة الاعتراف] بالقومية المزعومة للشعب اليهودي تشكل تهديداً لهذا الشعب أكبر من خطر أعدائه.
· لقد اعتقدنا دائما أن العالم كله ضدنا، لكننا في عهد نتنياهو أصبحنا نحن ضد العالم كله، فنحن نتدخل في الانتخابات في الولايات المتحدة، صديقتنا الكبرى، ونعلّم قادتها درساً تلو الآخر. ونحن نغذّي تمرداً إسلامياً في الشمال، ونتصادم مع الأتراك وغيرهم. وذلك كله من دون أن أذكر نزاعنا مع الفلسطينيين.
· لقد تشبّع نتنياهو في أثناء وجوده في الولايات المتحدة بالمبادئ الرأسمالية بأبشع تجلياتها. ومع أنه يُكثر من ذكر غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الشقق السكنية، إلاّ إن مثل هذه القضايا بعيد عن قلبه وأفعاله. ويحكي نتنياهو للعالم عن بلد يطيب العيش فيه، في الوقت الذي يترك هذا البلد أفضل أبنائه إلى بلاد أُخرى جرّاء عدم القدرة على كسب الرزق فيه بكرامة.
· لقد حان الوقت كي يشغل رئيس الحكومة نفسه بالقضايا الأساسية والملحّة، وفي مقدمها قضايا وطن يقوم متطرفون قوميون بتدنيس مقدساته، ويتسببون بتأجيج لاسامية جديدة في جميع أنحاء العالم غير اليهودي.