معسكر الوسط - اليسار خسر دوره نتيجة عجزه عن التعامل مع الواقع السياسي الجديد
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       لا حاجة إلى انتظار نتائج الانتخابات لمعرفة أسباب الفشل الذريع المتوقع لمعسكر الوسط - اليسار في انتخابات 2013، إذ يمكننا منذ اليوم تحليل هذه الأسباب والقول إن سبب الفشل هو عدم وجود زعامة قوية في هذا المعسكر، فضلاً عن تشرذم صفوفه وعدم قدرته على إلهام الجماهير. بيد أن السبب الأساسي لهذا الفشل السياسي المعروف سلفاً ناجم عن الفشل الفكري لهذا المعسكر.

·       بعد أكثر من 20 عاماً لم يجر معسكر السلام الإسرائيلي خلالهاعملية نقد ذاتي، ولم يجدد نفسه، كما أنه لم يواجه الواقع بشجاعة، وها هو يواجه اليوم مصيراً عسيراً، إذ بعد مرور 20 عاماً من الجمود الفكري والعاطفي فقد اليسار الصهيوني أهميته. من هنا فإن الهزيمة المتوقعة لهذا المعسكر في الانتخابات المقبلة هي هزيمة جسم سياسي توقف عن التفاعل مع الواقع التاريخي الذي يعيش فيه، وبات يعتبر وهمياً.

·       لقد مات معسكر الوسط - اليسار الإسرائيلي ثلاث مرات: المرة الأولى، عندما تسبب اتفاق أوسلو، الذي كان عرّابه، في انفجار الباصات في وسط القدس وتل أبيب؛ المرة الثانية، عندما أدت قمة كامب دايفيد [سنة 2000] إلى قيام المخربين الانتحاريين [الفلسطينيين] بقتل الأبرياء في شوارع إسرائيل؛ المرة الثالثة، عندما أدى الانفصال عن غزة إلى قصف جنوب إسرائيل بصواريخ قسام وغراد من القطاع.

·       وبعد أن تبين أن ثلاثة انسحابات إسرائيلية كاملة لم تحقق الهدوء، لا بل على العكس زادت من العنف، لم يعد الجمهور الإسرائيلي يصدق وعود السلام التي يطلقها دعاة السلام، وبدأ يتعامل مع معسكر الوسط - اليسار بصفته تكتلاً سياسياً لا يعرف في أي عالم يعيش، ولا كيف يدافع عن إسرائيل وعن الإسرائيليين في مواجهة العالم.

·       في سنة 2011، حدث الموت الرابع لمعسكر الوسط - اليسار الإسرائيلي، وذلك مع سقوط حسني مبارك وصعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر. فما حدث هناك أقنع أغلبية الإسرائيليين بأن الدولة المجاورة لهم باتت دولة دينية متطرفة، ولن تقبل بوجود دولتهم، وتولّد شعور لدى هذه الأغلبية بأن ما كان قائماً في الماضي لم يعد موجوداً اليوم. وفي الواقع، من الصعب اليوم، مع محمد مرسي وخالد مشعل وإسماعيل هنية، طرح الأفكار السياسية التي كانت تُناقش في الماضي مع بطرس غالي وحنان عشراوي وسري نسيبة. ومن الصعب أيضاً من الآن وصاعداً أن يقف الزعماء العرب المعتدلون، الذي يتمتعون بحد أدنى من الشرعية، ضد روح العصر المتعصبة، وأن يقوموا بإنهاء النزاع العميق مع دولة اليهود. لقد انتهى عهد وبدأ عهد آخر ويجب التفكير بطريقة مختلفة.

·       في هذه اللحظة من الزمن، وفي إثر الميتات الأربع التي مر بها معسكر الوسط - اليسار، كان المطلوب من هذا المعسكر أن يبلور هويته من جديد، وأن يفعل ما فعله طوني بلير في حزب العمال البريطاني بعد أن أدرك أن مارغريت تاتشر ليست ظاهرة استثنائية. كما كان على هذا المعسكر أن يفعل ما فعله بيل كلينتون للحزب الديمقراطي الأميركي بعد أن أدرك أن رونالد ريغن ليس نجماً من هوليوود. لقد كان يتعين على معسكر الوسط - اليسار أن يتمعن في الواقع الذي أمامه، وأن يواجه الحجج الجدية لليمين، وأن يرد عليها بصورة ملائمة.

·       إلاّ إن هذا المعسكر لم يفعل شيئاً من ذلك، وهرب من مواجهة الحقيقة موهماً نفسه بأن جدول أعمال إسرائيل يمكن أن يكون اقتصادياً - اجتماعياً فقط، ولم يقدم أي فكرة سياسية جديدة حقيقية يمكن بواسطتها مواجهة تهديدات الواقع السياسي الجديد. وبذلك أخلى الساحة لليمين وخضع له، وهو بهذه الطريقة سيكون السبب في أن تصبح إسرائيل في سنة 2013على يمين اليمين.