· إن قرار تجميد البناء في المستوطنات، أمس، هو بمثابة أنبوب أوكسيجين آخر يهدف إلى تزويد "الأفق السياسي" بالتنفس الاصطناعي، إذ إنه من دون أفق كهذا ستنهار السلطة الفلسطينية كلياً. ويبدو أنه حتى الوزراء "الأيديولوجيين" بين أعضاء المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية ـ الأمنية أصبحوا يدركون أنه لا يجوز التسبب بانهيار هذه السلطة.
· لقد أصبح [رئيس السلطة الفلسطينية] محمود عباس لاعباً مركزياً، وبالتالي، فإن استقرار سلطته يعني الحفاظ على الهدوء والاستقرار اللذين يحتاج الجميع إليهما في الوقت الحالي، إلى أن تتضح الصورة في الساحة الإيرانية. وحتى الذين يعارضون تقديم تنازلات سياسية للفلسطينيين يدركون أنه لا بُد من كسب الوقت، وهذا يعني صيانة العملية السياسية من أجل السلطة الفلسطينية.
· بناء على ذلك، فإنه عندما يتم التداول في إسرائيل بشأن قضية [الجندي الإسرائيلي الأسير لدى "حماس"] غلعاد شاليط، فإن ذلك يجري في موازاة التداول بشأن كيفية تخفيف الأضرار التي ستلحق بعباس والسلطة الفلسطينية، في إثر الإفراج عن أسرى فلسطينيين مهمين بالنسبة إلى حركة "حماس".
· وحتى قبل الوصول إلى آخر مرحلة من "صفقة شاليط"، فإن فحوى التقديرات السائدة في إسرائيل كان أن السلطة الفلسطينية لن تصمد من دون أفق سياسي، وعاجلاً أو آجلاً سيقدم عباس على الاستقالة من منصبه، وعندها ستبدأ عملية انهيار ربما تتدهور إلى فوضى عارمة واندلاع انتفاضة ثالثة.
· ومن المعروف أن وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، هو الذي اقترح فكرة تجميد أعمال البناء في المناطق [المحتلة] جزئياً ولفترة زمنية محدودة، وذلك في إطار الاستعداد لزيارته التي قام بها مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى الولايات المتحدة، قبل بضعة أسابيع. غير أن الأميركيين لم يتحمسوا للفكرة في حينه، لكنهم اقتنعوا بها في وقت لاحق، بعد إدراكهم أن هذا هو أقصى حدّ يمكن أن يوافق نتنياهو عليه في ظل الأوضاع السياسية الحالية.
· إن الجميع ينتظرون ردة فعل عباس الآن. ولا شك في أنه لن يبدي تجاوباً إلا إذا كانت إسرائيل جادة في تنفيذ القرار، ولا تنوي أن تجعله مهزلة. وما يتعين تأكيده هو أن الحكومة الإسرائيلية نفسها تواجه اختباراً مهماً في إثر هذا القرار، سواء على صعيد إثبات سيادة القانون، أو على صعيد تمثيل مصالح إسرائيل الوطنية.