هل إسرائيل دولة أبارتهايد؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·      هل تصبح إسرائيل دولة أبارتهايد مثلما قال جون كيري يوم الجمعة، أو هي ليست كذلك، كما قال يوم الثلاثاء؟ من يدري؟ فنظراً إلى أدائه الضعيف [وزيراً لخارجية الولايات المتحدة الأميركية] واعتذاره المخزي، ربما لم يعد مهماً ما يعتقده أو ما يقوله. ونظراً إلى تأثير اللوبي اليهودي المستشري وضعف إدارة الرئيس باراك أوباما التي تُذعن لكل نزوة من نزوات "مؤيّدي إسرائيل"، فإن إسرائيل لا تحتاج إلى أعداء بوجود هكذا أصدقاء. انظروا إلى ما حدث لصديق حقيقي كان يحاول تحذيرها من نفسها.  

·      يا له من موقف ذليل أن يعتذر وزير خارجية دولة عظمى ويتراجع عن أقواله. وكم هو غير ودّي تجاه إسرائيل العودة عن التحذير الصريح والصادق خوفاً من اللوبي اليهودي فقط. والآن سيعتقد ملايين الأميركيين الجهلة من مشاهدي محطة "فوكس" ومثيلاتها، أن إسرائيل لن تتحول إلى دولة أبارتهايد، مثلما يعتقدون أن إسرائيل في خطر وجودي من جراء قوة حركة حماس وصواريخ القسام!. 

·      بيد أن تذبذب كيري لا يغير الواقع الذي يصرخ من كل جدار، ومن كل قرية فلسطينية في الضفة الغربية، ومن كل خزان للمياه وشبكة للكهرباء مخصّصان لليهود فقط؛ فالتمييز العنصري يصرخ من كل خيمة هدمت، وحكم صادر عن محكمة عسكرية؛ من كل اعتقال في الليل، وكل حاجز، وكل أمر بالإخلاء، وكل بؤرة استيطانية. كلا، إسرائيل ليست دولة أبارتهايد، لكن في مناطق الاحتلال الخاضعة لها هناك نظام أبارتهايد ماثل للعيان منذ ما يقارب 50 عاماً. والمصمّمون على مواصلة العيش في ظل الكذب والتنصل والإنكار مدعوون إلى زيارة مدينة الخليل. ولا يوجد إنسان صادق ومحترم يعود منها دون الاعتراف: هذا أبارتهايد. ومن يجفلون عند سماع هذا التعبير غير اللائق سياسياً، فليسيروا بضع دقائق في شارع الشهداء [في الخليل]- شارع الفصل العنصري وأرصفة الفصل العنصري- وستتلاشى خشيتهم من استخدام هذه الكلمة المحرّمة على الفور. 

·      إن تاريخ النزاع مليء بالكلمات المحرّمة. في السابق، كان من المحرّم قول "فلسطينيين"، ثم أصبح من المحرم قول "احتلال"، و"جريمة حرب"، و"استعمار"، و"دولة ثنائية القومية". أما اليوم، فيحرمون قول "أبارتهايد". 

·      إن تحريم التلفظ بهذه الكلمات يهدف إلى إسكات النقاش: هل قلتَ سهواً "أبارتهايد"؟ الحقيقة لم تعد مهمة. ولكن لا الكلمة اللائقة سياسياً ولا أي غسيل للكلمات المنافقة يمكنهما ستر الواقع: إنه نظام احتلال قائم على الفصل العنصري. ويمكن للرافضين لهذا التعبير أن يذكروا فوارق عديدة بين نظام الأبارتهايد في بريتوريا [جنوب أفريقيا] وذاك الذي تفرضه إسرائيل في القدس.

·      هناك كانت القوانين عنصرية بشكل صريح، أما هنا فهي تتسم بالإنكار وهي مكبوتة ومخفيّة تحت عباءة ثقيلة من الدعاية والعقيدة الدينية المسيحانية. لكن النتيجة هي نفسها. يقول مواطنون من جنوب أفريقيا عايشوا نظام الفصل العنصري، إن نظام الأبارتهايد هناك كان أسوأ. وأعرف مواطنين آخرين من جنوب أفريقيا يقولون إن النظام السائد في الأراضي [المحتلة] أسوأ.

·      لكن كلاهما لن يجد فرقاً ملحوظاً في الأساس: عندما يتقاسم شعبان قطعة أرض ويكون لشعب كل الحقوق فيما يُحرم الشعب الآخر أي حق، يكون هناك أبارتهايد. فإذا كان واقع الحال يشبه الأبارتهايد، ويمشي مثله، ويقوقىء مثله، فهو أبارتهايد.

·      إن إسرائيل على طريق التحول إلى دولة أبارتهايد، تماماً مثلما قال كيري (يوم الجمعة). أما كيري 2، (يوم الثلاثاء)، فقد حاول تمييع الحقيقة وإخفاءها خوفاً من اللوبي اليهودي. لكن المستقبل يبشر بنظام أبارتهايد. فإذا لم تنشأ دولة أخرى، ستكون هناك دولة واحدة. وإذا لم تنشأ دولة ديمقراطية يتساوى فيها جميع المواطنين، ستكون هناك دولة أبارتهايد. لا يوجد بديل آخر. إن إسرائيل تقول لا لحل الدولتين من خلال أفعالها. وتقول أيضاً لا للدولة الديمقراطية ثنائية القومية خوفاً من نشوء دولة غير يهودية. إذن، إلى أين يقودنا ذلك؟ إلى دولة أبارتهايد. وإذا لم يحدث ذلك اليوم، فغداً بالتأكيد، وإذا لم يحدث غداً، فبعد غدٍ.