تشخيصات كيري للواقع السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين صحيحة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

·      يصعب عليّ جداً أن أفهم لماذا يحاول معظم الأشخاص المعنيّين بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني تجميل الواقع وإعادة ترتيب الحقائق. هذا ما حدث أخيراً عقب الأقوال التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري على مسامع زعماء أجانب التقى بهم يوم الجمعة الفائت.

·      وجوهر ما قاله كيري هو أنه إذا لم تتبن إسرائيل حل الدولتين، فإنها ستصبح دولة أبارتهايد تضم مواطنين من الدرجة الثانية، وإنه يتوقع اندلاع موجة عنف جديدة من الجانب الفلسطيني تجاه إسرائيل عامة والسكان الإسرائيليين خاصة.

ولا بُد من القول إن تشخيصي كيري صحيحان، على الرغم من أنه تحفظ منهما بعد أن تم تسجيلهما وهو يقولهما ونشرت أقواله في موقع الأخبار الأميركي "ديلي بيست".

·      إن الواقع في الوقت الحالي صعب للغاية، وهو يقودنا إلى كارثة حقيقية. وليس من المبالغة تقدير أننا نسير نحو أزمة سياسية واقتصادية مع الأميركيين والعالم، ونحو نزاع دموي آخر مع الفلسطينيين، وفي المدى الأبعد إذا لم يكن هناك حل سياسي، وعلى ما يبدو لن يكون، فإننا نقترب من دولة ثنائية القومية لا يمكن أن يعيش داخلها بسلام شعبان يتواجهان منذ نحو 100 عام.

شخصياً يمكنني أن أفهم جيداً ما قاله كيري للزعماء الذين التقى بهم.

·      فإسرائيل تسيطر الآن على ملايين السكان الفلسطينيين، ويمنع الاحتلال عن هؤلاء الفلسطينيين حقوق الإنسان الأساسية. صحيح أن هذا ليس أبارتهايد بعد إذ لا يوجد هنا فصل عنصري فظ مثلما كان في جنوب إفريقيا، لكن في نظر العالم نحن الشعب المحتل والقامع والمستغل لشعب آخر لأنه ينتمي إلى قومية مختلفة. إن حملة مقاطعة إسرائيل ما زالت بطيئة وتعكس مشاعر عذاب الضمير ولا سيما لدى الأوروبيين، لكن الاتجاه الذي تسير نحوه بات واضحاً ولا شك في أن كيري حدّده أكثر فأكثر.

·      على صعيد آخر، فإن المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" لا تبشّر بالخير وخصوصاً بسبب الأزمة السياسية التي ترافقها وقرار إسرائيل وقف المفاوضات وقتل العملية السياسية وفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية.

·      أما الهجمة الإعلامية المكثفة التي تشنها إسرائيل ضد الحكومة الفلسطينية الجديدة فإنها لا تحقق نجاحاً كبيراً في العالم. ويجب أن نعترف بأن أكثر ما يثيرنا هو أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خرج عن الدور الذي رسمناه له وبدلاً من مكافحة "حماس" ارتبط بها. وفي هذه الأثناء، فإن "حماس" تطالب بوقف التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة. وباختصار، فإننا نغرق في أيام سوداء من المواجهات وخطر اندلاع انتفاضة وشن عمليات عسكرية وربما حروب في غزة، وليتني أكون على خطأ.

·      إن السؤال المطروح هو: ما العمل، وكيف يمكن الخروج من هذه الورطة الرهيبة؟ الجواب الوحيد: لا يمكن، لقد ضاع كل شيء. فقد أوجدت إسرائيل على الأرض واقعاً يبدو أنها غير قادرة وغير راغبة في مواجهته. ولا يوجد في إسرائيل رئيس حكومة يمكنه أن يعود الآن إلى خطوط 1967، وأن يخلي مئات آلاف المستوطنين من بيوتهم بما في ذلك من مستوطنتي أريئيل وكريات أربع، ويقسّم القدس، ويتوصل إلى حلول وسط حول الأماكن المقدسة، ويتخلى عن غور الأردن، ويصل إلى حل متفق عليه حول حق العودة. في المقابل لا يوجد زعيم فلسطيني يمكنه أن يساوم على أقل من هذا، ولا سيما على حق العودة. وهذا هو السبب الذي جعل عباس أيضاً يهرب من المفاوضات في لحظة الحقيقة، إذ إنه هو أيضا غير مهيأ لاتخاذ قرارات تاريخية.

·      هذا هو الوضع الحقيقي والفظيع الذي نعيش في ظله، وكل ما تبقى بدءاً بالدعوة إلى فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق ج في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وانتهاء باقتراح إقامة دولة فلسطينية في حدود موقتة وما شابه ذلك، مجرد اقتراحات عبثية شأنها شأن المفاوضات الفاشلة وعديمة الفرص التي أجرتها [وزيرة العدل] تسيبي ليفني مع الفلسطينيين على مدار الأشهر التسعة الأخيرة.