السلام المستقبلي بين إسرائيل والفلسطينيين يمكن إحرازه بواسطة بلورة اتفاق مرحلي فقط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       لا شك في أن القاسم المشترك الذي يميّز زعماء كثيرين في إسرائيل والشرق الأوسط والعالم كله، فيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، كامن في وجود التزام فحواه محاولة إنهاء هذا النزاع بواسطة اتفاق دائم وشامل وفوري يسفر عن تحقيق سلام كامل ونهائي.

·       إن هذا الالتزام ينطوي على مفهوم محدد إزاء حل النزاع. ويمكن القول إن المؤسس الحقيقي لهذا المفهوم هو [عضو الكنيست والوزير السابق] يوسي بيلين، الذي بادر في إثر توقيع اتفاق أوسلو في سنة 1993 إلى فتح قناة مفاوضات مباشرة مع محمود عباس، أسفرت بعد عامين [أي في سنة 1995] عن صوغ وثيقة أبو مازن ـ بيلين. وظلت هذه الوثيقة، حتى سنة 2000، بمثابة المرجع الوحيد لأنصار السلام في إسرائيل، واعتُبرت برهاناً قاطعاً على أن الاتفاق الإسرائيلي ـ الفلسطيني [النهائي] هو في متناول اليد.

·       لكن عندما ذهب [رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق] إيهود باراك، سنة 2000، إلى قمة كامب ديفيد، تبين له أن الفلسطينيين غير مستعدين لتقسيم البلد بصورة سلمية.

·       ومع ذلك، فإن بيلين لم يرتدع، وسرعان ما بدأ جولة مفاوضات أخرى مع مجموعة من كبار المسؤولين الفلسطينيين أسفرت، في سنة 2003، عن إطلاق مبادرة جنيف. وعلى مدار خمسة أعوام ظلت مبادرة جنيف بمثابة مرجع لأنصار السلام في العالم كله، واعتبرت برهاناً قاطعاً على أن الفشل في كامب ديفيد كان عرضياً، وأن اتفاق السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني [النهائي] هو في متناول اليد.

·       وعندما ذهب [رئيس الحكومة السابق] إيهود أولمرت، سنة 2007، إلى مؤتمر أنابوليس تبين أن جماعة مبادرة جنيف لم تنجح في جعل محمود عباس يوافق على اتفاق السلام الذي تعهد به منذ سنة 1993. وبذا، فقد ثبت مرة أخرى أن الفلسطينيين غير مستعدين لتقسيم البلد بصورة سلمية.

·       على الرغم من هذه الإخفاقات كلها، فإن المفهوم العام المتعلق بحل النزاع [أي المرهون بالتوصل إلى اتفاق دائم ونهائي] ما يزال يرافقنا، فضلاً عن أنه لا يزال يوجه سياسة الولايات المتحدة والخطاب العالمي. ولا بُد من القول إن هذا المفهوم هو الذي يقف، في الوقت الحالي، وراء عقد قمة سلام أخرى في واشنطن لا تنطوي على أي فائدة حقيقية.

·       طبعاً، يمكن تفهم موقف محمود عباس، ذلك بأنه لاجئ من صفد، واحتمال أن يتنازل عن هذه المدينة ضئيل للغاية. صحيح أن عباس إنسان إيجابي يعارض "الإرهاب"، لكن ليس في إمكانه إنهاء النزاع، فضلاً عن كونه غير معني أصلاً بإنهائه. وفي المقابل، لا يمكن تفهم موقف زعماء آخرين مثل جورج بوش وبيل كلينتون وبنيامين نتنياهو وإيهود أولمرت وإيهود باراك وتسيبي ليفني وحسني مبارك وعبد الله الثاني وغيرهم. والسؤال المطروح هو: ألم يتعلم هؤلاء كلهم شيئاً من دروس الماضي؟

إن الطريق الوحيدة لمنع انهيار العملية السياسية التي ستنطلق اليوم [في إثر قمة واشنطن]، كامنة في استبدال المفهوم الفاشل إزاء حل النزاع بمفهوم آخر يكون سياسياً وواقعياً. وربما يكون هذا المفهوم الأخير منطوياً على إقامة دولة فلسطينية ذات حدود موقتة، أو على تفكيك جزئي للمستوطنات، أو على أي حل خلاق آخر. وعلى أي حال، فإن هناك أمراً واحداً يبدو واضحاً للغاية، وهو أنه فقط في حال قيام كل من [الرئيس الأميركي] باراك أوباما ونتنياهو وعباس، قريباً، ببلورة اتفاق مرحلي ما، يمكن تقريب السلام المستقبلي وتجنب سقوط آخر.