· من أكثر الأقوال المثيرة للاستغراب وتتعلق بالعملية السياسية الحديث عن "بلا شروط مسبقة"، أي ضرورة بدء الطرفين المفاوضات من دون شروط تحدد مسبقاً نتائج هذه المفاوضات، وبذلك تصبح المفاوضات حرة ومنطقية. لكن عملياً، يتنــاول الحديث السـياسي والإعـلامي - في العالــم وفي العالــم العربـي وفــي إسرائيل - حقيقة مختلفة تماماً. فالحديث لم يعد مرتبطاً بـ"عملية السلام" بل بـ"رؤيا" الدولتين، مما يعني أن نتائج المفاوضات يجب أن تؤدّي بالضرورة إلى قيام دولة عربية جديدة. وهذا أكثر من شرط مسبق وأقرب إلى أن يكون إملاء لما يجب أن تتوصل إليه المفاوضات.
· خلال العشرين سنة الأخيرة أي منذ توقيع اتفاقات أوسلو، جرت عملية غسل دماغ للجمهور الإسرائيلي من خلال تصوير السلام والدولة الفلسطينية وجهان لعملة واحدة. ودأب الإعلام غير المسؤول على تسويق هذه الكذبة، ولم يسمح بمناقشة احتمالات أخرى أقلّ تعقيداً وأكثر أمناً. وبدلاً من الإعلام الاستقصائي والمفتوح كنا أمام إعلام موجّه.
· وهكذا صُـوّرت تصريحات شمعون بيرس وتسيبي ليفني بشأن "رؤيا" الدولتين على أنها واقعية وجديرة بالثقة، في حين صُـوّرت تصريحات داني دانون وإلكين وبينت وآخرين غيرهم كثر، بأنها غير طبيعية ومستهجنة. لقد حان الوقت لإجراء نقاش حقيقي لمختلف الاحتمالات بدلاً من مواصلة ضرب الرأس بالحائط من أجل التوصل إلى "حلّ" ليس حلاً ولا سلاماً. وإذا كان علينا أن نختار بين العيش مع "شظايا في المؤخرة" [إشارة الى التشبيه الذي استخدمه نفتالي بينت للمشكلة الفلسطينية] والضرب الدائم للرأس في الحائط، فإن الشظايا أقلّ إيلاماً.
· إن قبول الموقف الإسرائيلي الدفاعي بالصيغة الكاذبة التي تربط بين الشيء ونقيضه - أي الربط بين السلام وقيام دولة فلسطينية في الجزء الغربي من أرض إسرائيل -، هو الذي أوصلنا إلى مناقشة مسألة الحدود وإلى البحث عن صيغة تكرس خطوط 1967 إلى الأبد. فلو لم نكن نضرب رأسنا في الحائط وكنا أكثر انفتاحاً على أفكار أخرى، لكان في الإمكان جعل نهر الأردن هو الحدود التي تفصل بين إسرائيل وفلسطين.