مقابلة مع وزير الاستخبارات شتاينتس: "المفاوضات مع الفلسطينيين قرار صحيح من وجهة النظر الجيوستراتيجية، وإيران ستحاول خداع الغرب من خلال خطوات بناء الثقة"
المصدر
The Jerusalem Post

صحيفة يومية تصدر باللغة الإنكليزية، تأسست في سنة 1933، وكان اسمها في البداية "فلسطين بوست" إلى أن غيّرته في سنة 1950 إلى جيروزالم بوست. تصدر عنها نسخة باللغة الفرنسية. حتى الثمانينيات من القرن الماضي، انتهجت خطاً يسارياً، وكانت قريبة من حزب العمل الإسرائيلي، لكنها غيّرت توجُّهها وأصبحت قريبة  من اليمين، ومن الوسط في إسرائيل.

المؤلف

 

[ أجرت صحيفة "الجيروزالم بوست" مقابلة مع وزير الاستخبارات الإسرائيلية يوفال شتاينتس الذي يعتبر من الشخصيات المقربة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. المقابلة بمناسبة السنة العبرية الجديدة وتطرق فيها شتاينتس إلى الوضع في العالم العربي والمفاوضات الفلسطينية والمسألة الإيرانية، نقتطف أبرز ما ورد فيها].

س: كيف انعكس الربيع العربي على وضع إسرائيل الاستراتيجي؟

شتاينتس: من الصعب تحديد ذلك لأننا لا نزال في خضم الحدث ولأن الوضع معقد. وما يمكن قوله إن عدم الاستقرار الكبير الذي يسود الشرق الأوسط هو أمر لا نرغب فيه، ولأن المزيد من عدم الاستقرار يؤدي الى الانفجار وإلى اقتراب المخربين والتنظيمات الجهادية من حدودنا. أنظر إلى ما يحدث في سيناء. لكن من جهة أخرى، ليس هناك أدنى شك في أن الأحداث الراهنة وبخاصة الحرب الأهلية في سورية أضعفت الجيش السوري، وتعتبر سورية من أهم أعدائنا وتشكل الخطر الأساسي علينا. من هنا، فإن ضعف سورية يقوي إلى حد ما وضع إسرائيل الاستراتيجي. وفي الواقع، فقد جرى تحييد أهم جيشين عربيين خاضا معاً الحرب ضد إسرائيل خلال العقد الماضي: الجيش السوري الذي تراجعت قدراته العسكرية إلى النصف أو الربع عما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام، والجيش العراقي الذي لم يعد له وجود كجيش منذ سنة 2003.

لكن في الوقت عينه، تصاعد خطر إيران من خلال سعيها إلى أن تصبح دولة نووية، ومن خلال الصواريخ الإيرانية التي تستطيع أن تطلقها علينا. إن الأمور معقدة، فبعض الأخطار الآن أقوى وبعضها الآخر تراجع.

س: لقد أدى الوضع في سورية إلى تحويل الاهتمام عما يجري في مصر. فما الذي يحدث هناك؟

شتاينتس: يبذل الجيش المصري جهوداً حقيقية من أجل إعادة النظام إلى سيناء. وهذا الجهد يستحق التقدير. ويبدو أن الوضع هناك بدأ ينحو نحو الاستقرار.

س: هل ترى أي تأثير لما يجري في مصر على "حماس" في غزة؟

شتاينتس: تبدو "حماس" في الوقت الحالي حذرة للغاية، وهذا أمر مبرر، فهي تشعر بعدم الثقة. ففي النهاية "حماس" جزء لا يتجزأ من حركة الإخوان المسلمين. لقد كان الافتراض في العالم العربي أن القوى الإسلامية وصلت إلى السلطة وسوف تبقى هناك ولا عودة إلى الوراء، كما حدث في إيران، على الأقل لعشرات من السنوات. لكن يتضح اليوم أن حكم الإسلاميين ليس أمراً لا عودة عنه. لقد شكل هذا الأمر صدمة كبيرة "لحماس". وبشأن سؤالك هل نرى أي تأثير لذلك على الأرض، أقول من الصعب رؤية ذلك، لكننا نشاهد الكثير من الشكوك والتوتر.

س: قبل عام ونصف العام، وبعد إطلاق الجندي غلعاد شاليط، كان يبدو أن ميزان القوى يميل لصالح "حماس" على حساب الضفة الغربية، فهل يعود اليوم إلى الضفة؟

شتاينتس: نعم، وقد يكون هذا من بين الأسباب التي جعلت أبو مازن يقرر معاودة الحوار الدبلوماسي.

س: هل تتعتقد أن ما حدث في مصر كان له تأثيره في عودة أبو مازن إلى طاولة المفاوضات؟

شتاينتس: نعم، بصورة غير مباشرة. فإن ما حدث في العالم العربي أثر عليه. لقد كان أبو مازن غير متحمس لمعاودة المفاوضات، كان متردداً جداً، فاجأنا بموقفه كما لو أن أحداً كان يضغط عليه. من جهة أخرى، يريد أبو مازن تحقيق دولة فلسطينية بشدة، لكنه خلال أربعة أعوام ونصف العام لم يجر أي مفاوضات. في رأيي أن الذي شجعه في النهاية على معاودة المفاوضات هو ضغط الولايات المتحدة وخصوصاً ضغط وزير الخارجية جون كيري. لكن هذا لم يكن كافياً، فالولايات المتحدة كانت تضغط عليه منذ عدة أشهر وكان يواصل رفضه. ولم يأت قراره بمعاودة المفاوضات من دون شروط مسبقة باستثناء البادرة المحدودة لإطلاق الأسرى، إلا بعد طلب الجامعة العربية منه معاودة المفاوضات.

والسؤال لماذا طلبت الجامعة العربية من أبو مازن التخلي عن عناده بشأن الشروط المسبقة والعودة الى المفاوضات مع إسرائيل؟ لأن الجامعة رأت أن من مصلحتها تهدئة الجبهة الفلسطينية – الإسرائيلية في الوقت الذي تواجه فيه مشكلات وتهديدات أكبر بشأن ما يحدث في إيران وسورية.

إن العالم العربي يعتبر نفسه اليوم مهدداً من جانب إيران والمساعي الإيرانية من أجل تأسيس محور شيعي يمتد من العراق ويمر في سورية ويصل إلى لبنان، إلى جانب الجهود التي تبذلها إيران من أجل الحصول على السلاح النووي الذي سيمنحها السيطرة على الخليج الفارسي والعالم العربي. وهكذا أصبح العالم العربي يشعر بأنه أقل تهديداً من جانب إسرائيل. لقد قال العالم العربي لنفسه نحن أمام خطر أكبر من خطر الاحتلال الإسرائيلي ليهودا والسامرة [الضفة الغربية]: هناك 100,000 قتيل في سورية وعدة ملايين من اللاجئين السوريين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم،

وهناك محاولة لتحويل سورية إلى دولة إيرانية شيعية. وهذا الأمر ستكون له انعكاساته الكبيرة على لبنان. وهناك صراع مشابه يدور في العراق. وإذا نجح هذا كله، فإن الخليج الفارسي والأردن سيكونان محاصرين من جانب المحور الشيعي. لذا طلب العالم العربي من أبو مازن وقف ترهاته وألاعيبه بشأن الشروط المسبقة للمفاوضات. وبعد إعلان الجامعة العربية، وافق على العودة إلى المفاوضات.

س: ما هي الاعتبارات الجيوستراتيجية للمفاوضات؟

شتاينتس: قبل كل شيء الأميركيون مهتمون بها جداً. صحيح أننا حريصون على حاجاتنا الاستراتيجية والأمنية، لكننا أيضاً حريصون على ما يقوله أصدقاؤنا الأميركيون، وهذا أمر لا نخجل منه. في رأيي معاودة المفاوضات كان أفضل شيء نقوم به من وجهة نظرنا في ضوء الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي، ومن أجل إدخال عامل الاستقرار والتقدم بيننا وبين الفلسطينيين.

س: لنتكلم الآن بشأن إيران. هل تحبذ إسرائيل مفاوضات مجموعة الـ 5+1 مع إيران؟

شتاينتس: خلال الستة أسابيع الأخيرة قمت بزيارة برلين وباريس ولندن وتباحثت مع وزراء خارجية دول مجموعة الـ 5+1 الأوروبية. ورسالتي لهم كانت واضحة. ينبغي أن نعترف بأن التهديد النووي الإيراني هو الأخطر في العالم، نظراً لحجمه. إيران أخطر من كوريا الشمالية بنحو 30 مرة. لماذا؟ بسبب حجم صناعتها النووية، وبسبب حجم طموحاتها.

لقد أنتجت كوريا الشمالية خمسة قنابل ذرية خلال السنوات الخمس الأخيرة. هذه هي قدراتها. أما إيران، فلديها اليورانيوم المخصَّب والمياه الثقيلة لإنتاج البلوتونيوم مما يسمح لها عندما تتجاوز الخطوط الحمراء، بإنتاج من خمس إلى سبع قنابل ذرية في العام الأول، وبعد بضع سنوات نحو عشرين قنبلة في كل عام. وبعد عقد من السنين سيكون لدى إيران قرابة 100 قنبلة ذرية.

وفي الوقت نفسه، تواصل إيران تطوير الصواريخ الباليستية القارية. ويصل مدى هذه الصواريخ حالياً إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل، وإلى جزء من أوروبا.

الأمر الثاني هو ضخامة الطموحات الإيرانية، ففي حين يتركز اهتمام كوريا الشمالية على بقاء نظامها، فإن الإيرانيين تحدثوا خلال العقود الثلاثة الأخيرة عن هدفهم التاريخي، وعن تغيير موازين القوى بين العالم الإسلامي والغرب، وعن ضرورة تغيير العالم.

س: هل يدرك الأوروبيون ذلك؟
شتاينتس:
بدأوا يدركون ذلك، أنه إذا أصبحت إيران قوة نووية في السنوات القادمة فسيضطرون إلى إنفاق المليارات على المنظومات الدفاعية لحماية المدن الكبرى، مثلما يحدث اليوم في كوريا الجنوبية وفي اليابان. ويكمن الخطر اليوم في مناورة الإيرانيين للحصول على اتفاقيات جزئية على اختلافها وعلى إجراءات بناء الثقة.
قدم [الرئيس الإيراني حسن] روحاني نفسه خلال الانتخابات كدبلوماسي محنك، ورسالته كانت التالية: أحمدي نجاد غبي لأنه ذئب في ثياب ذئب، أسنانه ومخالبه بمثابة إنذار للغرب. أما أنا فبوسعي أن أكون ذئباً في ثياب حمل، ولدي الدبلوماسية والمهارة الكلامية اللازمتين.
وروحاني ذكر في كتابه أنه عندما عُيّن مفاوضاً مع الغرب، استطاع خداعهم بالوعود دون أن يلحق أي ضرر ببرنامج إيران النووي، فزال حينها خطر العقوبات الاقتصادية، وتهديد الضربة العسكرية لإيران. وعليه فإنه رجل خطير، لأنه سيسعى للوصول إلى القنبلة النووية بكلامه المعسول.

س: كيف ينبغي أن تتعامل إسرائيل مع هذا الأمر؟

شتاينتس: أولاً ينبغي الحكم على أفعال إيران وليس على خطابها، فيمكن التباحث مع إيران من دون جولات من المفاوضات بلا طائل. علينا أن نقول "كفى! إذا أردتم إنقاذ الاقتصاد الإيراني، تخلوا عن برنامجكم النووي، وانصاعوا لقرارات مجلس الأمن.. إنه قرار صعب ولا مجال للمناورة. قوموا بالخيار الصحيح".

إن أخطر ما يحدث اليوم هو أن يحاول [الرئيس الإيراني حسن] روحاني في خطابه المرتقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن يقدم لفتةً وليس فقط وعوداً كلامية.. في محاولة لتخفيف العقوبات ضد إيران.

س: ما هي فرص زيادة ضغط المجتمع الدولي؟
شتاينتس:
بدأت العقوبات الاقتصادية في مطلع العام 2012 تحدث تأثيراً في الاقتصاد الإيراني الذي راكم خسائر بقيمة 100 مليار دولار حتى الآن. وهذا رقم كبير قياساً إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي البالغ 450 ملياراً، ولن يستطيعوا الاستمرار على هذا النحو أكثر من عامين بالكثير.

س: ما هي صدقية التهديد العسكري؟
شتاينتس:
ليست كبيرة. فلكي يكون التهديد ذا صدقية، المطلوب تحديد موعد نهائي أو إنذار نهائي.