نظرة من غزة إلى القاهرة ـ الوقت ما زال مبكراً للاحتفال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال، العدد 243
المؤلف

·       خلال الأسابيع الأخيرة طغت أخبار الثورات الشعبية في أنحاء العالم العربي، على النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. ولكن تبادل إطلاق النار الذي حدث الأسبوع الماضي على طول الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، بما في ذلك إطلاق صاروخ غراد على بئر السبع، وقصف سلاح الجو الإسرائيلي أهدافاً في قطاع غزة، ذكّرنا بأن إحتمال حدوث مواجهة على هذه الجبهة ما زال وارداً.  وكان من الطبيعي في ضوء العلاقة التاريخية بين مصر وقطاع غزة، أن يكون هناك مَن رأوا أن سقوط الرئيس المصري حسني مبارك سيقوّى حماس وسيؤدي إلى وقوع مواجهة مع إسرائيل. لا شك في وجود علاقة معينة بين الأمرين، ولكن ليس أكيداً أن هذا السيناريو قد يحدث.

·       للوهلة الأولى، لدى حماس كل الأسباب التي تدفعها إلى الترحيب بالتطورات في مصر. ففي ظل حكم مبارك قمعت مصر بصورة فاعلة الأطراف الإسلامية وتعاونت مع إسرائيل في فرض رقابة صارمة على حركة هؤلاء الأطراف، وعلى البضائع، والسلاح، والأموال من قطاع غزة وإليه. كما قامت مصر برعاية خصوم حماس في الضفة الغربية أي فتح. وعلى الرغم من ذلك حرصت حماس (وفتح) على عدم التعبير عن تأييدها العلني للثورة في مصر. وتشير هذه الخطوة إلى موقف مزدوج لحماس مما حدث في مصر، ليس بالنسبة لموضوع الإطاحة بمبارك من السلطة، وإنما بالنسبة للطريقة التي جرى فيها ذلك، أي بواسطة الاحتجاجات الشعبية الواسعة في الشارع، التي ترافقت مع رفض المسؤولين عن القوى الأمنية التابعة للنظام استخدام القوة ضد المتظاهرين. وتكشف هذه الازدواجية عدم ثقة حماس بنفسها وبقدرتها على وقف أو كبح مثل هذه التطورات في حال انتشرت في قطاع غزة، كما انتشرت قي أماكن أخرى من العالم العربي.

·       يضاف إلى ذلك أن إجبار مبارك على التنحي لم يوضح كثيراً السياسة المصرية الجديدة، نظراً لأن التنحي كان الهدف الوحيد المتفق عليه بين القوى المختلفة للمعارضة. ومن الطبيعي أن فائدة حماس كانت ستكون أكبر فيما لو كان إسقاط مبارك أدى إلى انقلاب إسلامي. فحماس نفسها هي الابنة الطبيعية لحركة الأخوان المسلمين، هي مرتبطة تاريخياً بالأخوان المسلمين في مصر. ووفقاً لكل التقارير فإن الأخوان المسلمين هي حركة المعارضة الأكثر استمرارية وانضباطية في مصر. ومعنى ذلك أن هذه الحركة في موقع يجعلها الأكثر قدرة على استغلال الفراغ السياسي الذي سينشأ في مصر بعد مبارك. ولقد شهدت الأسابيع الأخيرة مؤشرات تدل على تعبئة إسلامية كبيرة، مثل عودة الداعية الإسلامي الشيخ يوسف القرضاوي من المنفى بعد 40 عاماً، والوجود الكثيف للإخوان المسلمين في التظاهرات التي ما زالت مستمرة في ميدان التحرير. ولكن على الرغم من ذلك فإن الحركة الشعبية التي أدت إلى الإطاحة بمبارك لم تكن ثمرة مبادرة إخوانية (فهم لحقوا بقطار التظاهرات في وقت متأخر نسبياً)، كما أن هذا التحرك لم يتأثر بأفكار أو بمطالب إسلامية. ومن المعروف حتى الآن أن الإخوان المسلمين لا يحظون بتأييد جارف وسط الرأي العام المصري. ففي استطلاع أُجري عبر الهاتف وشمل عينة صغيرة، أعرب 15% من الذين شملهم الاستطلاع عن تأييدهم "المطلق"، أو "المحدود" للأخوان المسلمين، و7% فقط أيدوا الفكرة القائلة بأن الطابع غير الإسلامي لنظام مبارك هو السبب الأول أو الثاني من حيث الأهمية للثورة ضده. وتساعدنا هذه الحقائق على فهم السبب الذي دفع حماس إلى أن تأمل بأن تؤدي الثورة في مصر إلى انتصار المبادىء الإسلامية. لكن حماس على عكس الحكومة الإيرانية لم تخلط بين الأمنيات والحقائق.

·       على الرغم من هذا، فإن سيطرة الإسلام على مصر ليس السيناريو الوحيد الذي سيكون لصالح حماس. فالحركة ستستفيد بصورة غير مباشرة من التأييد المصري العام للفلسطينيين، الذي ستشعر الحكومة المصرية العتيدة أن عليها أن تقدمه لهم بغض النظر عن توجهاتها الإيديولوجية. كما أن ضعف الرقابة الحكومية المصرية على منطقة غرب سيناء من شأنه أن يزيد في حجم تهريب السلاح والإمدادات والتدريبات وسائر مظاهر الدعم لغزة من إيران وغيرها.

·       حتى الآن لم يتحقق أي سيناريو من السيناريوهات السابقة. فمعالجة الجيش المصري السريعة للوضع حالت دون نشوء هذه التطورات، ومنعت انهيار الوضع الأمني. لكن يمكننا وصف الوضع القائم بأنه "مباركية من دون مبارك"، على الرغم من توضيح الجيش نيته تسهيل الانتقال المنظم وتوجيهه نحو حكم مدني تعددي في مصر، وأنه لا ينوي الاحتفاظ بالسيطرة المباشرة على الحياة السياسية في مصر. يبقى أن ننتظر لنرى ما إذا كان الجيش سيحقق وعوده.

·       وفي جميع الأحوال يبدو أن الأحداث في مصر وفي سائر العالم العربي، أجبرت فتح على استباق المطالبة بتغييرات داخلية تشكك في شرعيتها، ومن هنا دعوتها إلى الانتخابات المبكرة، ومبادرتها الجديدة الى المصالحة الوطنية. لكن يبدو أن هذه الأحداث نفسها زعزعت ثقة حماس بنفسها، ومنعتها من الاستجابة للاقتراحين، غير أنه في الوقت نفسه لا يبدو أن الأوضاع مواتية كي تخوض مواجهة واسعة ضد إسرائيل.

·       وفي المحصلة، مهما تكن الفائدة التي جنتها قيادة حماس من تنحّي مبارك المهين، فإن هذا لم ينعكس بطريقة ملموسة على قراءة الحركة للموازين العامة للقوى، وفي مثل هذه الأوضاع لم يبق أمام حماس غير الانتظار.