· ما تزال منطقة الشرق الأوسط تعيش ثورة لا أحد يعرف ماذا ستجرف في طريقها: اليمن، الجزائر، المغرب، عُمان، الأردن، وربما حتى السعودية ـ هذه الدول كلها في خطر. هناك مَن يرى أن ما يحدث هو بداية ربيع ديمقراطي عربي، وهناك مَن يرى أن هذا بداية مسار للأسلمة والرجعية والكراهية للأجانب. والحقيقة أنه على الرغم من وجود مؤشرات واضحة دينية وقومية في كل ما يحدث، فإن هناك أيضاً سمات أخرى خاصة بكل دولة وبكل شعب.
· إن الأحداث ما تزال في بدايتها ومن الصعب التنبؤ بنتائجها. وعلى الرغم من ذلك يمكننا منذ الآن القول إن مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد ضعفت، سواءٌ لدى حلفائها العرب، أم لدى أخصامها ـ تركيا، وخاصة إيران.
· لقد انعكس هذا الواقع علينا بالطبع، فبرزت وجهتا نظر متعارضتان: الأولى ترى أن على إسرائيل طرح مبادرة سياسية بعيدة المدى تتعلق بالموضوع الفلسطيني، تتضمن تنازلات مهمة في موضوع الحدود، والمستوطنات، والقدس وغيرها. ويكون الهدف منها حل المشكلة الفلسطينية ودعم المعسكر الموالي لأميركا، والمساهمة في استقرار المنطقة في مواجهة مثيري القلائل من حولنا. وفي رأي أصحاب هذا الرأي أنه إذا لم نسارع إلى التوصل إلى تسوية مع أبو مازن، فمن المحتمل أن نجد أنفسنا خلال وقت قصير أمام سلطة فلسطينية بزعامة متشددة، مثلما يحدث في دول عربية مختلفة، ومثلما هو موجود حالياً في غزة.
· من جهة أخرى، (وعلى الرغم من أن الآراء في هذا الموضوع لا تخضع دائماً للإنقسام بين اليسار واليمين)، فإن هناك فئة أخرى تعتقد بأن الأمر ليس كذلك. فثمة إجماع على أن أسباب الانتفاضات في الدول العربية هي الفقر، والكره الشديد للأنظمة الفاسدة، والرغبة الحقيقية بالحرية. أي لا علاقة لهذه الثورات بالمشكلة الفلسطينية. فلماذا نقوم نحن بأنفسنا بإيجاد علاقة بين الأمرين، ونستنفر أجهزة الدعاية ضدنا. وحتى لو اقترحنا تنازلات مثل تلك التي جرى الكشف عنها في وثائق الجزيرة، فإن الفلسطينيين ليسوا مستعدين للتننازل عن أي من مطالبهم المتشددة، وهم لا يريدون إجراء مفاوضات معنا. في هذه الحال كيف سينفع تقديمنا للتنازلات في المساهمة في الاستقرار في الشرق الأوسط؟ صحيح أن واشنطن ستعتبر هذا نجاحاً لها، ولكن من الصعب أن تستفيد الولايات المتحدة تحديداً من ذلك.
· بالإضافة إلى وجهتي النظر هذين، فالسؤال المطروح ليس عن أي شيء سنتنازل، وإنما لمَن يجب أن نتنازل؟ ومن يضمن لنا أن الوضع الذي سينشأ بعد التوقيع على إتفاق ما مع أبو مازن، لن يتغير في اليوم التالي؟
· نحن نشعر بالقلق الشديد إزاء احتمال أن يطرأ شيء ما على اتفاق السلام مع مصر ـ على الرغم من أن صحراء سيناء تشكل فاصلاً بيننا ـ فهل نخاطر بأن نستيقظ يوماً لنجد عملاء إيران على مداخل منازلنا؟ وفي كل الأحوال، يقول المعارضون، إن العجلة من الشيطان، وقبل معرفة وجهة الشرق الأوسط الجديد، علينا ألا نطرح اقتراحات لا نستطيع التحكم في نتائجها.
· إن المشكلة هي أن هناك قدراً من الصحة في كل وجهة نظر مطروحة سابقاً. فالذين يعارضون تقديم تنازلات إقليمية يستطيعون الاستناد ليس فقط إلى الماضي، بل، وخاصة، إلى الوضع الحالي من حولنا. أما مؤيدو المبادرة فيعتقدون أنه على الرغم من المخاطرة، يجب أن نعطي السلام فرصة، ولا سيما أن هذا يخدم مصلحتنا الاستراتيجية والسياسية الأساسية إزاء أميركا.
· يتعين على إسرائيل العمل من أجل تعزيز مصلحتها مع الجانب الأميركي، وفي ضوء الوقائع المتغيرة في الشرق الأوسط، هناك فرصة للقيام بذلك. وربما هذه الاعتبارات هي التي ستجعلنا نتوصل إلى إيجاد السبل لجسر الخلافات بين وجهتي النظر.