هل ستشجع التغيرات في المنطقة على إعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة؟
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

– نشرة خاصة "مفترق الشرق الأوسط"، المجلد الأول، رقم 1005

·       وضعت التغيرات الهائلة التي يشهدها الشرق الأوسط في الأسابيع الأخيرة المؤسسة الفلسطينية أمام واقع استراتيجي جديد، لا سيما مع تغير النظام في مصر، الدولة الأكثر تأثيراً على الساحة الفلسطينية خلال العقود الأخيرة، بالإضافة إلى احتمال أن تؤدي النيران المشتعلة في المنطقة إلى تحويل الاهتمام الدولي عن الموضوع الفلسطيني.

·       إن الواقع المعقد الذي تواجهه المؤسسة الفلسطينية، وبصورة خاصة حكم أبو مازن، قد يدفع الفلسطينيين إلى القيام بخطوات دراماتيكية تهدف إلى خرق استمرار الجمود السياسي، ومنع انقلاب الأوضاع مثلما يحدث في سائر العالم العربي. وضمن هذا الأطار قد تلجأ حكومة أبو مازن بجدية إلى درس خطوتين من المفترض أن تكملا بعضهما البعض: التعجيل في طرح فكرة الإعلان من طرف واحد عن دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، وزيادة الاحتكاكات الشعبية مع إسرائيل في الضفة الغربية.

·       يبدو حتى الآن أن التغيرات الإقليمية قد ألحقت الضرر بسلطة أبو مازن، بينما تعتبرها حماس تحولاً استراتيجياً إيجابياً. وتبرز في هذا السياق التأويلات المتعارضة التي يقدمها كل طرف لسقوط نظام مبارك. فبالنسبة إلى سلطة أبو مازن، خسرت منظمة التحرير الفلسطينية رصيداً استراتيجياً، فطيلة 30 عاماً كان مبارك حليفاً لزعامة منظمة التحرير الفلسطينية وللسلطة، وكانت له معهما مصالح كثيرة وفي طليعتها: تأييد العملية السياسية الإقليمية؛ الصلة الوثيقة مع الإدارة الأميركية؛ والمعارضة الشديدة للخطرالإسلامي في المنطقة. في المقابل تعتبر حماس الثورة في مصر أمراً إيجابياً، فقد زال النظام الذي انتهج سياسة صارمة تجاه حكم حركة حماس في القطاع، لا سيما في كل ما له علاقة بالنشاط ما وراء الحدود في رفح، ومحاربة تهريب السلاح. علاوة على ذلك، فإن التغيير الحاصل في مصر يقوي موقع حركة الإخوان المسلمين هناك وهي الحركة الأم بالنسبة لحماس. لذا، تعتبر حماس أنها أمام بداية عهد جديد من العلاقات بينها وبين القاهرة.

·       وبالإضافة إلى سقوط نظام مبارك، جاءت الورطة الكبيرة التي وجدت فيها نفسها الإدارة الأميركية في أعقاب مواقفها من الأحداث في الشرق الأوسط، وبصورة خاصة، الثورة في مصر. ومثل كل الأطراف الأخرى في المنطقة التي ربطت مصيرها بالدعم الأميركي، برزت الشكوك داخل سلطة أبو مازن في إمكانية الاعتماد على واشنطن في حال اضطرت السلطة الفلسطينية إلى القيام بخطوات عنيفة لمواجهة تهديدات مشابهة لتلك التي يشهدها العالم العربي. أما حماس فرأت في هذا التوجه أمراً إيجابياً،  لا سيما أنها تسعى مثل كل الدول الأخرى في معسكر المقاومة في المنطقة، وفي مقدمتها إيران إلى تقليص نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

·       ونذكر هنا أنه عشية الأحداث في المنطقة، كانت سلطة أبو مازن في ورطة كبيرة بعد أن كشفت محطة الجزيرة عن وثائق المفاوضات التي دارت عامي2007-2008 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وللخروج من هذه الأزمة العميقة، قامت سلطة أبو مازن في الأسابيع الأخيرة بعدد من الخطوات الدراماتيكية. فعلى الصعيد الداخلي، أعلنت استعدادها لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام (على الرغم من توضيح أبو مازن بأن هذه الانتخابات لن تجري في حال لم تسمح حماس بها في القطاع). كما جرى تقديم موعد إقالة حكومة سلام فياض، من أجل تشكيل حكومة جديدة برئاسته يكون فيها تمثيل أكبر لحركة فتح. وعلى الصعيد الدولي، تقدمت السلطة باقتراح إلى مجلس الأمن يقضي بإصدار قرار يدين إسرائيل بسبب استمرارها البناء في المستوطنات. وعلى الرغم من تعطيل هذه الخطوة بفضل الفيتو الأميركي، إلا أن الفلسطينيين أعلنوا أنهم سيحاولون طرح الاقتراح مرة أخرى. على الصعيد الشعبي، أعلنت السلطة عن نيتها الدعوة في وقت قريب إلى "أيام غضب" ضد إسرائيل في الضفة الغربية، وهو أمر قد يؤدي إلى تطورات عنيفة قد تخرج عن سيطرة الزعامة الفلسطينية.

·       ومن أجل كبح حدوث سيناريوهات مشابهة لتلك التي يشهدها العالم العربي في الضفة، يقوم أبو مازن بتطبيق سياسة مزدوجة الأهداف: فهو من ناحية يسعى إلى تحسين صورته الداخلية، وتدعيم علاقته بفتح وثقتها به؛ وهو من ناحية أخرى يسعى إلى تحويل الانتباه في اتجاه إسرائيل، من خلال توحيد الفلسطينيين تحت راية الإجماع على محاربة الاستيطان.

·       إن موجة الاحتجاجات الواسعة التي شملت شعوباً كثيرة في العالم العربي ضد الأنظمة في المنطقة، لم تصل بعد إلى الشارع الفلسطيني. لكن ثمة مخاوف حقيقية لدى سلطة أبو مازن من حدوث تطورات مشابهة لديها. لذا، من غير المستبعد أن يقوم أبو مازن بخطوات تجاه إسرائيل أشجع من تلك التي قام بها في الماضي، ليس فقط خوفاً من أن يلقى مصيراً مشابهاً لمصير مبارك، وإنما بسبب تآكل الكوابح التقليدية التي كانت تُمارس على الفلسطينيين من جانب كل من مصر والولايات المتحدة. وفي هذا السياق ثمة احتمال كبير أن يدرس أبو مازن بجدية فكرة الاعلان من طرف واحد عن دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، وهذه فكرة تلقى منذ الآن دعماً دولياً متزايداً، خاصة من جانب دول أميركا اللاتينية و قسم من الدول الأوروبية، بالاضافة إلى تشجيع تحركات شعبية في أماكن مختلفة في الضفة الغربية، خاصة ضد جدار الفصل أو ضد المستوطنات. كما سيحاول أبو مازن استئناف المصالحة مع حماس، في محاولة للحصول على رضى الجمهور الفلسطيني، وتخفيف انتقادات حماس ضده.

·       إما بالنسبة لحماس، فلا يبدو أن ازدياد ثقتها بنفسها سيدفعها في المدى القريب إلى معاودة عملياتها العسكرية ضد إسرائيل من قطاع غزة. ومع ذلك، فمن المنتظر أن توطد الحركة علاقتها مع الحكم المصري الجديد، خاصة مع قيادة الأخوان المسلمين. ومن شبه المؤكد أن الحركة ستحاول إلغاء القيود التي فرضها نظام مبارك، وفي طليعتها تقييد حرية التنقل بين مصر والقطاع، وبذلك تتغلب على الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ خمسة أعوام، الأمر الذي سيقوي موقعها في الحكم.

·       إن هذه التطورات ستضع إسرائيل خلال الأشهر المقبلة تحت ضغط سياسي كبير من جانب المجتمع الدولي، وستفاقم من مشكلاتها الأمنية. كما أن تحقق هذه السيناريوهات سيعيد تصوير النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بأنه سبب غياب الاستقرار عن المنطقة، بعد أن بدا أن هذه الصورة بهتت في أعقاب الإنقلابات الحالية في الشرق الأوسط.