إلى متى تستطيع إسرائيل المحافظة على الردع على جبهتَي الجولان وغزة؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تكشف أحداث الأيام الأخيرة في الجولان وفي قطاع غزة، طبيعة التحدي الأمني الذي على إسرائيل مواجهته الآن. صحيح أننا حتى الآن لسنا أمام حرب حقيقية، لكن هناك حالة من عدم الاستقرار تسيطر على الجبهتين: على الحدود السورية، وفي مواجهة حركة "حماس" في غزة، و قد تجلى ذلك في إطلاق النار العشوائي في اتجاه الأراضي الإسرائيلية. في ظل هذا الوضع، تحاول حكومة نتنياهو إبقاء هذه الاحتكاكات على نار هادئة نسبياً، وعدم انزلاقها وتحوّلها إلى مواجهة أكثر شمولاً.
- على الجبهة السورية تواجه إسرائيل حكماً مركزياً ضعيفاً فقد سيطرته على ما يحدث على حدوده، وليس من الواضح دائماً مَن يطلق النار من سورية، أو هل إن هذا يجري بموافقة القيادة العليا في النظام السوري. أمّا بالنسبة إلى غزة، فالحكم هناك أقوى من الحكم في سورية، وقد أثبتت "حماس" قدرتها على فرض سيطرتها على القطاع من خلال استمرار الهدوء طوال أشهر على الحدود منذ عملية "عمود سحاب"، حتى تجدد التوتر في الأسابيع الأخيرة. لكن الأيام الأخيرة شهدت مرتين إطلاق صواريخ وقذائف في اتجاه النقب، وأعلنت فصائل تنتمي إلى الجهاد العالمي مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ.
- وفي الواقع، فإن إسرائيل تقوم بالردّ على إطلاق النار من غزة ومن الجولان بطريقة مشابهة للغاية. ففي كل مرة تتعرض فيه لإطلاق نار من الجانب السوري، أو سقوط قذائف، يردّ الجيش الإسرائيلي بصورة دقيقة ويقصف بالصواريخ أو بقذائف الدبابات مواقع الجيش السوري التي جرى إطلاق النار منها. أمّا في غزة، فقد قصف سلاح الجو الإسرائيلي هدفين لهما علاقة بحركة "حماس" رداً على إطلاق الصواريخ من غزة. وعبّر وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون عن الموقف الرسمي الإسرائيلي فقال إن كل إطلاق نار على الأراضي الإسرائيلية سيواجَه بردّ فوري. وتحاول إسرائيل بذلك المحافظة على الردع تجاه الجبهتين، وتسعى لتذكير الطرف الآخر بأنها تتفوق عليه عسكرياً، وأن من الأفضل له ألاّ يدفعها إلى إثبات ذلك من خلال مواجهة واسعة النطاق.
- لكن الأحداث الأخيرة أظهرت أن تحقيق هذا الهدف بات صعباً أكثر فأكثر. فالفوضى في سورية باتت هائلة- تُقدّر منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وقوع نحو 6000 قتيل خلال آذار/ مارس، وبلغت حداً يبدو معه أن من المشكوك فيه أن يستطيع النظام في دمشق فرض إرادته على الوحدات العسكرية التي تقاتل الثوار بالقرب من الحدود مع إسرائيل. وحتى الآن ليس من الواضح بتاتاً ما إذا كان جنود الجيش السوري يتعمدون إطلاق النار في اتجاه إسرائيل، أم إنهم ببساطة يخطئون في إصابة الثوار الذين استولوا على جيوب في القرى المحاذية للحدود.
- وعلى الرغم من التهديدات، فإن على إسرائيل أن تكون مسرورة كون الحرب في سورية لم تنزلق إلى داخل أراضيها بقوة أشد، كما سبق أن حدث في حالة لبنان. ومع ذلك، فإن الخيارات الأُخرى مثل بدء استخدام نظام الأسد السلاح الكيميائي ضد الثوار (الأمر الذي يطرح التخوف من التفكك الكامل لهذا النظام وخسارته السيطرة على مخازن السلاح) تبدو هي الأكثر سوءاً.
- تبدو الأوضاع في غزة مختلفة للغاية. فخلال أربعة أشهر، فرضت "حماس" انضباطاً حديدياً على الفصائل الصغيرة، ومنعتها بصورة كاملة من إطلاق النار على إسرائيل. لكن يبدو اليوم أن وقف إطلاق النار بدأ يتصدع، فهل هذا يجري عن قصد؟ لقد قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، العميد يوآف مردخاي، إن "حماس" ليست معنية بتصعيد الوضع، وإن هدف الغارة التي قام بها سلاح الجو هو التوضيح للحركة أن إسرائيل لن تقبل بالعودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل عملية "عمود سحاب"، أي العودة إلى جولات إطلاق النار مرتين أو ثلاثة كل شهر.
- ويعكس هذا الكلام مواقف الأجهزة الأمنية الأُخرى في إسرائيل، والتي ترى أن "حماس" لا ترغب حالياً في الدخول في مواجهة جبهوية جديدة مع الجيش الإسرائيلي، لكن عملياً يمكن القول إن الإنجازات التي حققتها العملية العسكرية الأخيرة بدأت تتآكل.
- لقد كان الردّ الإسرائيلي حتى الآن مضبوطاً، لكن ارتفاع عدد الصواريخ التي قد تُطلق على النقب سيؤدي إلى مزيد من الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، الأمر الذي سيقصّر المسافة التي تفصلنا عن جولة جديدة من العنف، حتى لو لم يكن لدى الطرفين الأساسيين ـ إسرائيل و"حماس" ـ مصلحة حقيقية في ذلك.