هل الحوداث على الجبهة الشمالية مع لبنان وسورية مؤشر إلى تغيير قواعد اللعبة؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·      منذ مدة طويلة تستعد إسرائيل لمواجهة التصعيد على الجبهة الشمالية وتتخوف من انزلاق الأحداث من سورية إلى إسرائيل، ونشوء منطقة لا وجود فيها لسلطة مركزية على طول الحدود في هضبة الجولان، تستخدمها التنظيمات المارقة الارهابية والجهادية لشن هجماتها ضد إسرائيل. ومن المحتمل أن تكون حوادث العنف الثلاث التي وقعت على حدود إسرائيل مع لبنان وسورية منذ بداية آذار/مارس 2014، مؤشراً إلى تغيير الوضع مع احتمال للتصعيد في الجبهة الشمالية الهادئة نسبياً، ثم تحولها إلى جبهة ناشطة.

·      إن التحدي الذي تشكله الجبهة الشمالية معقد بسبب كثرة اللاعبين وأصحاب المصالح والأهداف المتناقضة، الأمر الذي قد يؤدي إلى جر إسرائيل طواعية أو رغماً عنها إلى مواجهة متواصلة، وإلى سلسلة من الحوادث على الحدود، وحتى إلى قصف عمق إسرائيل وتصعيد واسع النطاق.

·      وعلى الرغم من ذلك، فالحادثة الأخيرة- زرع عبوة وتفجيرها ضد دورية إسرائيلية في هضبة الجولان- لا تدخل في إطار السيناريوات التي وضعتها إسرائيل سابقاً، لأن جميع الدلائل تشير إلى أن من زرع العبوة وفجرها أطراف تابعة لحزب الله، بمساعدة أو بمعرفة من قوات النظام السوري.

·      تدل الحوادث الثلاث الأخيرة- اثنتان وقعتا على الحدود السورية وفي المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الأسد والمؤيدين له، والثالثة وقعت في منطقة هار- دوف [مزارع شبعا]، المنطقة التي ينشط فيها حزب الله- على أن ما يجري سلسلة هجمات مخطط لها ينفذها حزب الله ضد إسرائيل.

·      فإذا صح تقدير أن الأسد أو (قواته) شاركت، على الأقل من خلال معرفتها، بزرع العبوات في هضبة الجولان، فإن هذا يدفعنا إلى التساؤل عمّا دفع بالأسد إلى تغيير سياسته التي تمثلت حتى الآن بعدم الرد على الهجمات الجوية المنسوبة إلى إسرائيل؟ وفي نظرة أشمل إلى ما يحدث، نلاحظ عدة تطورات قد تؤثر على تقديرات كل من الأسد وحزب الله في ما يتعلق بالفائدة والضرر المتوقع لهما من جراء إعادة النظر في حدود "قواعد اللعبة" في مواجهة إسرائيل، والمجازفة بالتصعيد.

·      لقد استعاد حزب الله شيئاً من ثقته بنفسه بعد النجاحات العسكرية التي حققها في سورية في منطقة يبرود، وإبعاده قوات الثوار عن الحدود السورية- اللبنانية. وعلى الصعيد الداخلي اللبناني، توصلت الأطراف المتخاصمة إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة انتقالية.

·      لكن على الرغم من ذلك، فإن الوضع اللبناني الداخلي والتهديدات التي يواجهها الحزب لا تبشر بالخير. والدليل على ذلك السيارات المفخخة التي انفجرت ضد كبار المسؤولين لديه.

·      وعلى عكس التوقعات كلها، استطاع الأسد أن يصمد للسنة الثالثة. إن التفسير الذي قدمه الأسد في بداية الأحداث في سورية سنة 2011 بأن ما يجري ليس ثورة شعبية للشعب السوري بل هو هجمات تقوم بها التنظيمات الارهابية السلفية والجهادية ضد الدولة السورية وضد نظامه، وهي في النهاية ضد مصلحة المواطنين السوريين، تحقق عملياً وأصبح هذا الوصف ينطبق على الثورة في ظل ضعف المعارضة المعتدلة العلمانية، والدعم المالي والعسكري الذي حظي به الأسد من جانب إيران وروسيا، وحصوله على الشرعية الدولية بعد تعاونه في تنفيذ اتفاق تفكيك السلاح الكيميائي.

·      ثمة سؤال يطرح هنا: إلى أي حد ترغب الأطراف في تغيير "قواعد اللعبة" السائدة حتى الآن؟ من المعقول الافتراض أن الأسد الذي شعر في الفترة الأخيرة بالقوة يدرك خطر دخول إسرائيل في مواجهة مع سورية لأن ذلك معناه تغيير كبير في موازين القوى ضده، يمكن أن يصل إلى حد تعريض نظامه للخطر. ولكن في الوقت عينه، استوعب الأسد الرسائل التي توضح أن إسرائيل تفضل عدم التدخل في المواجهات الداخلية وعدم الغرق في المستنقع السوري.

·      إن الرد الإسرائيلي العنيف ضد مواقع الجيش السوري في منطقة هضبة الجولان، يشير إلى أنه من الواضح لإسرائيل أن حزب الله وقوات الأسد (من خلال معرفتها بما جرى) هما المسؤولان عن زرع العبوات. ليس لإسرائيل في هذه المرحلة نية أو مصلحة في التدخل بما يجري في سورية، لأنه ليس هناك ما يضمن أن الوضع الناشئ في أعقاب هذا التدخل سيكون أفضل بالنسبة لها. وتشير الدلائل كلها إلى عدم وجود بديل حقيقي معتدل لنظام الأسد، ووجود خطر حقيقي من أن يؤدي سقوط الأسد إلى وقوع سورية في قبضة التنظيمات السلفية الجهادية.

·      إن الغموض الذي يلف مستقبل سورية يوفر نوعاً من ردع ثلاثي الأبعاد بين إسرائيل- وسورية- وحزب الله، إذ يملك كل طرف من هذه الأطراف القدرة على "إلحاق ضرر" بالطرف الآخر قد يكون ثمنه غالياً ويتسبب بتدهور للوضع لا يمكن السيطرة عليه. وقد يحاول اللاعبون الجهاديون المعارضون لنظام الأسد استغلال الوضع والمبادرة إلى القيام بعمليات تحت غطاء الأسد وحزب الله من أجل استدراج إسرائيل إلى رد تصعيدي واستخدام ذلك في دهورة الوضع وإسقاط حكم الأسد.

·      بناء على ذلك، يمكننا القول إننا في خضم وضع سيحاول فيه كل طرف إعادة درس أو بلورة "قواعد اللعبة" ولو بصورة محدودة، لكن من دون الخروج عن الإطار العام السائد حتى اليوم. على الرغم من ذلك، ولدى دراسة حدود وخطوط الطرف الثاني، نجد احتمالاً للتصعيد نظراً لعدم الاستقرار في سورية ولبنان، ولأن أي عملية قد تؤدي إلى سلسة انعكاسات غير مقصودة وغير متوقعة، واحتمال تدهور الوضع.

·      منذ فترة طويلة، تقوم إسرائيل بالاستعداد لمواجهة الواقع المتغير في سورية وفي هضبة الجولان. لكن مع ذلك، فإن الرد الإسرائيلي وُجّه ضد "سورية الأسد" (على الرغم من أن الأسد لا يسيطر إلا على خمس الأراضي السورية)، وذلك لأن إسرائيل تعتبره العنوان الرسمي المسؤول الذي يتعين عليه منع كل عملية من الأراضي السورية ضدها.

·      بناء على الصورة الشاملة، يتعين على الجيش الإسرائيلي أن يلائم عملياته مع تطورات الواقع الجديد، وأن يكون مستعداً لمواجهة سلسلة استفزازات ضد إسرائيل، ولكن عليه أن يمتنع عن الرد الفوري وغير المضبوط ضد أهداف غير مهمة، وأن يتفادى الوقوع في الأشراك التي سيحاول أن ينصبها له سورية وحزب الله أو الأطراف المارقة.

فقط في الأحداث التي من الواضح أن حزب الله وإيران وراءها، من المهم أن توجه إسرائيل ردها ضد القوات المؤيدة لبشار الأسد والتلميح بالتصعيد وحتى تهديد نظام الأسد، نظراً للأهمية الكبيرة التي تعزوها إيران وحزب الله لبقاء هذا النظام.