على إسرائيل عدم الإسراع في الاتفاق مع تركيا لإنهاء قضية مافي مرمرة في ضوء التطورات السياسية الداخلية التركية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·      ازدادت في الأسابيع الأخيرة التقارير التي تحدثت عن تقدم الاتصالات بين تركيا وإسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق لحل أزمة مافي مرمرة [سفينة المساعدات التركية إلى غزة ومقتل تسعة مواطنين أتراك على متنها]. وعلى ما يبدو، فقد سُجل تقدم ملموس في ما يتعلق بالاتفاق على مبالغ التعويضات التي ستدفعها إسرائيل. لكن على الرغم من التوجهات الإيجابية، ومن المصلحة الإسرائيلية الأساسية في استئناف العلاقات السياسية مع تركيا، يجب أن نسجل عدداً من المخاوف تتعلق بالتوقيت الحالي. وهذه المخاوف يجب ألا تثني إسرائيل عن المضي قدماً، لكن تتطلب منها توخي الحذر.

·      لقد وضعت قضية الفساد التي جرى كشف عنها في تركيا في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2013 حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان في موقف دفاعي. وقد ردّ أردوغان على الاتهامات الموجهة إليه بالفساد باتخاذ عدد من الخطوات الاشكالية مثل نقل مئات من ضباط الشرطة والمحققين من مناصبهم، وإدخال تغييرات قانونية تقيد السلطات القضائية، وفرض قيود على الاستخدام الحر لشبكة الإنترنت، وتواصلت الهجمات على الصحافيين من أصحاب المواقف الانتقادية حيال النظام. كما أن وقوف أردوغان ضد الزعيم الديني فتح الله غولن الذي له مئات الملايين من المؤيدين في تركيا، ألحق الضرر بجزء من القاعدة الشعبية المؤيدة لحزب العدالة والتنمية.

·      في ظل هذه التطورات وفي ضوء المصاعب الاقتصادية التي نشأت عقب الاضطرابات الداخلية في تركيا، نشأ انطباع بأن حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى إنجاز ما على صعيد السياسة الخارجية يستطيع تغيير الصورة الداخلية. ومن بين هذه الإنجازات استئناف محادثات السلام مع قبرص في مطلع شباط/فبراير 2014 بتأييد أميركي أكبر من الماضي. أما الإنجاز الآخر فيمكن أن يكون التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. في الماضي كان هذا الاتفاق يعتبر مؤذياً لأردوغان أكثر مما يفيده، لكن يبدو أن نظرة حزب العدالة والتنمية تغيرت الآن.

·      علاوة على ذلك دخلت تركيا مرحلة حساسة للغاية بسبب ثلاث معارك انتخابية تنتظرها خلال العامين القادمين. ففي 30 آذار/مارس ستجري الانتخابات المحلية في تركيا وهي تشكل اختباراً لحزب العدالة والتنمية في ظل اتهامات بالفساد. وفي ضوء نتائج الانتخابات المحلية سيقرر أردوغان ما إذا كان سيترشح لمنصب الرئيس (في الانتخابات المباشرة التي ستجري في صيف 2014)، أو أنه سيغير القانون الداخلي للحزب كي يستطيع للمرة الرابعة خوض الانتخابات البرلمانية سنة 2015 (أو تقديم موعدها لمنع تزايد قوة المعارضة).

·      من هذه الزاوية، تبدو الانتخابات المقبلة مهمة، وليس من مصلحة إسرائيل (هذا إن كان لها تأثير في هذا الصدد)، أن تقوي موقع أردوغان قبل إجرائها. من ناحية ثانية، أظهرت استطلاعات الرأي التي جرت في تركيا منذ الكشف عن قضية الفساد، أن نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية ما زالت عالية، وأن احتمال حدوث تغيير كبير (باستثناء ما يتعلق بمنصب رئيس بلدية اسطنبول) بيدو ضئيلاً. ويبدو أنه على الرغم من قضية الفساد، فإن نسبة كبيرة من الجمهور التركي ما تزال تعتقد أن البدائل الموجودة اليوم لحزب العدالة والتنمية هي أسوأ منه.

·      إن الوضع الحالي الذي يواجهه رئيس الحكومة التركي- الاعتراض على حكمه وتزايد الانتقادات الداخلية والدولية- يثير التخوف من استغلاله إنهاء قضية مافي مرمرة وفقاً لشروطه من أجل خدمة أهداف سياسية داخلية. ونظراً إلى أن الصراع السياسي الداخلي الذي يخوضه أردوغان سيستمر أشهراً طويلة، فإن كل خطوة إسرائيلية قد تؤدي إلى انهاء رسمي للقضية أو استئناف المفاوضات سيجري استغلالها من جانبه.

·      ثمة موضوعات شديدة الأهمية مطروحة على جدول العلاقات بين إسرائيل وتركيات علينا أن نضع مسألة إنهاء قضية مافي مرمرة في ضوئها. مما لا شك فيه أن الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، ولاحقاً ربما في شمال سورية، يشكل مصلحة استراتيجية إسرائيلية قد تتعارض مع الاعتبارات التركية. وصورة سورية الجديدة كما ستتجلى في الأعوام المقبلة ستكون موضوعاً للتعاون الإسرائيلي- التركي على الأقل في كل ما له علاقة بمحاربة الإرهاب. لكن الأمور قد تتطور إلى منافسة على مناطق نفوذ، وحول مناطق  حرية العمل العسكري. كما أن مسألة تصدير الغاز الطبيعي من المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية في البحر المتوسط مرتبطة بخطوات سياسية واقتصادية من جانب تركيا في مواجهة إسرائيل، وكذلك في مواجهة لاعبين آخرين من نوع قبرص وروسيا والاتحاد الأوروبي. وهذه مشكلة ذات انعكاسات اقتصادية وسياسية بعيدة المدى على إسرائيل.

·      يُستنتج من كل ما سبق أنه بينما يتعيّن  على حكومة إسرائيل مواصلة إجراء مفاوضات هادئة مع ممثلي الحكومة التركية، فإنه يتعين عليها مراقبة ما ستسفر عنه التطورات السياسية الداخلية في تركيا، وتلك التي تحدث في المحيط المباشر لإسرائيل وتركيا وفي الساحة الدولية. وعلى سبيل المثال، فإن استمرار العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، سيكون له انعكاساته على العلاقة الإسرائيلية- التركية.

·      إن الاتفاق الفوري مع تركيا من شأنه أن يخفف من إحساس إسرائيل بالعزلة الدولية، لكن هذا إنجاز على المدى القصير. كذلك، فإن عدم التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين سيؤدي إلى بروز تصريحات تركية معادية لإسرائيل.

·      وحتى على صعيد المسائل العملية مثل تصدير الغاز إلى تركيا أو من طريقها، فيمكنها أن تنتظر لأن شبكة الاعتبارات في هذا الشأن معقدة وتخرج عن الإطار الضيق بقبول شروط تركيا من أجل إنهاء قضية مافي مرمرة، وذلك قبل أربعة أسابيع على مرور أربع سنوات منذ حدوثها.