كيري يسعى لصنع السلام بطريق التحايل
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

·      لم يأخذ أحد في إسرائيل جون كيري [وزير الخارجية الأميركي] على محمل الجدّ في بداية العملية السياسية حين قال إنه سيدفع الإسرائيليين والفلسطينيين نحو الجلوس إلى مائدة المفاوضات. غير أن [وزير الخارجية الأميركي السابق] هنري كيسنجر قال ذات مرة إنه لا توجد في إسرائيل سياسة خارجية وإنما سياسة داخلية تحدّد وتصوغ سياستها الخارجية.

·      إن الفارق بين كيري وسلفه السيناتور جورج ميتشل الذي حاول القيام بتحرك شبيه في فترة الولاية الأولى للرئيس الأميركي باراك أوباما وفشل في مسعاه، كامن في أن كيري أدرك على الفور الأهمية الحاسمة للضوابط والكوابح السياسية لأي اتفاق، ونجح من خلال مناورة سياسية لافتة في جلب الإسرائيليين والفلسطينيين إلى مائدة المفاوضات مجدداً، وهو ما بدا في حينه أمراً غير ممكن.

·      كيف نجح كيري في ذلك، وما الذي يعنيه هذا الأمر بالنسبة إلى فرص التحرك الأميركي حالياً؟
بذل الموفد الأميركي الخاص السابق إلى الشرق الأوسط [ميتشل] طوال عامين، جهوداً مضنية مصمماً على عزمه دفع العملية السياسية بأي طريقة، فبدأ بمطالبة إسرائيل بتجميد نشاطات البناء في المستوطنات، وهي خطوة لم يكن [رئيس الحكومة الإسرائيلية] بنيامين نتنياهو يمتلك من ناحية سياسية أغلبية مؤيدة لها في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، وواصل [ميتشل] مهمته بمطالبته رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإبداء تنازل ومرونة في موضوعات مثل "حق العودة" للاجئين. وفي نهاية المطاف، نجح ميتشل في انتزاع موافقة إسرائيل على تجميد البناء في المستوطنات تسعة أشهر لا أكثر من ذلك.

·      في المقابل، ترك كيري جانباً الموضوعات التي لم تكن هناك ثمة فرصة للحصول بشأنها على تنازل من أحد الجانبين، لكنه طرح أمراً مغايراً تماماً هو إطلاق "إرهابيين" فلسطينيين، وهذا يمكن للجانبين أن يتعايشا معه سياسياً.
كذلك، كانت مسألة جدولة إطلاق الأسرى على أربع مراحل خطوة ذكية أتاحت أمام عباس إمكان التغاضي عن تصريحات إسرائيل بشأن مواصلة البناء في المستوطنات القائمة في المناطق [المحتلة] من أجل مواصلة عملية إطلاق الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية. وكان واضحاً أن الحكومة الإسرائيلية لن تتفكك طالما أنه لا يوجد قرار بتجميد البناء في المستوطنات، ولا توجد مفاوضات على أساس خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967.

·      وبذلك نجح كيري في المناورة بين الضوابط والكوابح السياسية للجانبين، وسيواصل على الأرجح المضي قدماً في هذه الطريق. ومن أجل زيادة التأييد العام في إسرائيل للاتفاق، استل كيري "أرنباً من طاقيته" تمثل في تأكيد وجوب تقديم تعويضات للعائلات اليهودية التي قدمت إلى إسرائيل من الدول العربية كعائلات لاجئة، محاولاً بذلك كسب تأييد مجموعة سكانية كبيرة أخرى في إسرائيل للاتفاق الذي يسعى إلى التوصل إليه بين الجانبين. وهو لا يلقي مسؤولية موضوع التعويضات على أي من الجانبين ولكن يترك ذلك لعناية الأميركيين وأطراف أخرى.

·      كذلك نجح كيري في اجتذاب وتقريب وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي يشكل قوة مهمة في الائتلاف الحكومي، وحصل أيضاً على تأييد وزير المال يائير لبيد [رئيس حزب "يوجد مستقبل"] لخطته، وبرهن كيري بذلك على أنه يتقن أصول اللعبة السياسية.

·      ومع ذلك، يمكن القول إن كيري يسعى لصنع السلام بطريق التحايل. فقد نشر موفده مارتين إنديك بصورة مدروسة بنود اتفاق الإطار، مستهدفاً بالدرجة الأولى مجموعة رفيعة من يهود الولايات المتحدة من أجل كسب تأييدهم أو على الأقل عدم معارضتهم للاتفاق. وبهذه الطريقة فإنه يعلن اتفاق الإطار بما يتيح للجانبين طرح تحفظاتهما. فضلاً عن ذلك، فإن كيري وإنديك يبثان تصريحات وأقوالاً متفائلة حين يؤكد كلاهما أن التحرك الأميركي سيتكلل بالنجاح، وبذلك يحاولان تجنيد التأييد العام للتوصل إلى اتفاق، وأكثر من ذلك يعملان على زيادة كلفة فشل الجانبين اللذين لا يرغبان في توجيه أصابع الاتهام إليهما. ويحذر كيري أيضاً من أن الفشل سيؤدي إلى فرض مقاطعة أوروبية على إسرائيل وهو بذلك أيضاً يرفع كلفة الفشل.

·      من هنا يمكن القول إنه إذا ما واصل كيري هذا الطريق في تشخيص وفهم الكوابح السياسية للجانبين في جميع المسائل والمراحل، فإنه سيتمكن من تحقيق إنجاز. وهو يرى أن التوصل إلى اتفاق إطار سيوفر على المدى القصير الزخم المطلوب للمضي قدماً بالعملية السياسية.

·      ولدى كيري ما يعرضه على نتنياهو في المجالات الأكثر أهمية بالنسبة إلى رئيس الحكومة، وذلك في ما يتعلق بالمفاوضات بين الدول الست العظمى وإيران لأن كيري هو من يقود ويوجّه التحركات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، وكذلك في مواجهة سورية في موضوع نزع أسلحتها الكيميائية. من هنا، فإن لدى كيري ما يسوّقه، وبالتالي من السابق لأوانه تأبين التحرّك الذي يقوده على المسار الإسرائيلي- الفلسطيني.

·      إن من الأفضل من ناحية إسرائيل إشراك جامعة الدول العربية في المفاوضات لأنه سيكون في إمكان إسرائيل في حال تقديمها تنازلات إلى الفلسطينيين ضمن اتفاق محتمل، انتزاع جائزة أكبر بكثير من الجامعة العربية، وهي تطبيع العلاقات مع جميع الدول الخليجية بقيادة المملكة السعودية وكذلك مع دول أخرى أعضاء في الجامعة العربية، فهناك يوجد منبع الاقتصاد الضخم الذي يمكن لإسرائيل أن تنهل منه. إن هذه الجائزة يجب أن يتضمنها أي اتفاق مستقبلي، ولا يجوز ترك ذلك كنتيجة مبهمة وغير محدّدة للاتفاق.