شروط ليبرمان للحل الدائم ليست أخلاقية ولا منطقية جغرافياً وديموغرافياً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·      إن الشروط التي وضعها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان [رئيس "إسرائيل بيتنا"] لتأييد حزبه اي اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين، وفي مقدمها أن يتضمن تبادلاً للأراضي والسكان بحيث تنتقل منطقة "المثلث الصغير" [وادي عارة] إلى سيادة الدولة الفلسطينية التي ستُقام، وتتم إزاحة الحدود بين الدولتين إلى منطقة شارع رقم 6 [عابر إسرائيل]- كما لو أن الحدود تُزاح فقط وليس السكان، مما يعني تنفيذ عملية "ترانسفير سهلة"-، ليست مفاجئة، لكنها غير منطقية من الناحيتين الجغرافية والديموغرافية.

·      إن الخط الأخضر الذي يفصل بين هذه المناطق ومناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية] تقرّر بعد حرب الاستقلال [حرب 1948] في اتفاقيات الهدنة التي وقعتها إسرائيل مع الدول العربية في سنة 1949. وكان هذا الخط هو الذي قرر الواقع الذي رأت إسرائيل في حينه أنه حيوي لوجودها وأدائها.

·      ومن خلال تحديد الخط الأخضر شرقي منطقة الشارون [وسط إسرائيل]، تطلع المسؤولون إلى أن تكون منطقة السهل الساحلي كلها في نطاق الدولة، وأن تكون شرايين المواصلات الرئيسية إليها المتمثلة بالشوارع وخطوط السكك الحديدية الشرقية تحت حكمها من أجل الحفاظ على اتصال منتظم بين وسط البلد والمناطق الشمالية. 

·      ولتحقيق هذا الهدف نجحت إسرائيل أثناء المفاوضات على حدودها في أن تجعل الأردنيين ينسحبون من قاطع ضيق مساحته عدة كيلومترات كانت توجد فيه قرى عربية، بعد أن انسحب الجيش العراقي منها وسلمها إلى الأردن.

·      وفي وادي عارة جرت عملية شبيهة. فقد كانت إسرائيل معنية بأن تتسلم المنطقة كلها بسبب الممر التاريخي الذي يمر عبرها نحو الشمال ونجحت في دفع الأردنيين إلى الانسحاب من قطاع ضيق هناك مساحته عدة كيلومترات بما في ذلك القرى العربية القائمة على جانبه وبلدة أم الفحم. وهكذا حصلت إسرائيل على سيطرة كاملة على حلقة العبور المهمة التي تربط بين السهل الساحلي الجنوبي وعيمق يزراعيل [مرج ابن عامر] والجليل في الشمال.

·      وبمرور الأعوام طرأ تطوّر سكاني واقتصادي في هذين القطاعين، سواء في مثلث قرى الطيرة والطيبة وقلنسوة الواقع شرقي الشارون، أو في القرى الواقعة على جانبي طريق وادي عارة، وصارت قراهما جزءاً لا يتجزأ من الأراضي السيادية لدولة إسرائيل، وبات سكان هذه القرى مواطنين شرعيين في الدولة.

·      ومع أن الانتشار الجغرافي للقطاعين يبدو كما لو أنه بمثابة هوامش غربية لمنطقة السامرة [شمال الضفة الغربية]، فإن سكانهما طوروا علاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية مع دولة إسرائيل، ولا يبدو أن ثمة أي حاجة ملموسة لتغيير مكانهما في سياق المفاوضات الجارية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

·      ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين: حجم القطاعين ومساحة أراضيهما، فالسكان العرب الذين يعيشون بين قرية كفر برا جنوبي المثلث الصغير وحتى قرية ميسر شماليه وشرقي شارع رقم 6، عددهم نحو 123,000 نسمة فقط. وأولئك الذين يعيشون على جانبي وادي عارة بما في ذلك مدينة أم الفحم الكبيرة نسبياً عددهم نحو 120,000 نسمة. أي أن العدد الإجمالي لسكان هذين القطاعين هو نحو 15% فقط من عدد السكان العرب في إسرائيل، ونحو 70% من المستوطنين في مناطق يهودا والسامرة [الضفة والغربية] الذين يبلغ عددهم 350,000 نسمة. 

·      السؤال المطروح هو: هل معدل السكان هؤلاء الذي سيُقتطع من نطاق دولة إسرائيل كفيل بأن يوفر حلاً لمشكلة الأقلية القومية العربية التي تخشى محافل كثيرة في اليمين حجمها؟ وهل مساحة هذين القطاعين- نحو 74 كيلومتراً مربعاً شرقي شارع رقم 6 ونحو 80 كيلومتراً مربعاً على طول طريق وادي عارة- اللذين سيصبحان تابعين للدولة الفلسطينية مع إزاحة الحدود، مساوية من ناحية القيمة لمساحة نحو 526 كيلومتراً مربعاً من مناطق النفوذ البلدية التي في يد المستوطنين في المناطق [المحتلة]؟ وهل ستوافق السلطة الفلسطينية في إطار المفاوضات المتعلقة بالتسوية الدائمة على أن تستوعب فيها عدداً آخر من السكان يُضاف إلى أولئك الموجودين منذ الآن في نطاقها على أرض صغيرة نسبياً وبعد أن قضمت إسرائيل منها أراضي من دون أي توازن بالنسبة إلى عدد مستوطنيها؟

·      إن أي تغيير في حدود الخط الأخضر هو تغيير إشكالي على الرغم من أنه من ناحية نظرية يمكن أن يبدو مبرراً. فمن جهة السكان العرب في هذين القطاعين يبدون باستمرار وبإصرار انتماءهم إلى الشعب الفلسطيني وتأييدهم المتحمس لإقامة دولة فلسطينية. وبالتالي فإن نقل هذين القطاعين إلى سيادة الدولة الفلسطينية يبدو طبيعياً جداً، بل إنه كفيل بأن يقدم مساهمة مهمة لتطورهما وتقدمهما الديمقراطي. لكن من جهة أخرى، توجد معارضة شديدة في أوساط قرى المثلث وسهل وادي عارة لنقلهم إلى نطاق السلطة الفلسطينية لكونهم يرون أنفسهم مواطنين شرعيين في دولة إسرائيل ويتمتعون بهذه المكانة. من هنا، فإن احتمال أن تكون هذه الخطوة قابلة للتطبيق ضئيل للغاية. 

·      ويجب أن نضيف إلى هذا كله أن الشروط التي وضعها ليبرمان تتناقض مع ميثاق جنيف الرابع من سنة 1949 الذي وقعته إسرائيل أيضاً. والمقصود الميثاق الذي يبحث في حماية المدنيين أثناء الحرب بين الدول أو بين الدول الموجودة في حالة حرب. وتنص المادة 49 من هذا الميثاق على حظر الترحيل الجماعي بالقوة وحظر نقل السكان المحميين من منطقة محتلة إلى أراض إقليمية لقوة الاحتلال أو إلى أي دولة أخرى سواء كانت محتلة أو لا، وكذلك على حظر قيام قوة الاحتلال بأي عمليات ترانسفير لسكانها هي إلى الأراضي المحتلة.

·      بناء على ذلك، فإن الشرط الذي وضعه وزير الخارجية ويقضي بتنفيذ ترانسفير بحق مواطنين شرعيين في دولة إسرائيل إلى الدولة الفلسطينية شرط غير أخلاقي أيضاً. ومثلما قال الشاعر الإيرلندي أوسكار وايلد، فإن "الأخلاق هي ببساطة معاملتنا للناس الذين لا نحبهم".