· نهار الجمعة الماضي، في ذكرى تأسيس حركة "فتح"، ألقى محمود عباس خطاباً يمكن أن يشكل نقطة تحول في العلاقة بين رئيس السلطة الفلسطينية وبين دولة إسرائيل. فقد استخدم عباس لهجة متطرفة لم يسبق له أن استخدمها من قبل.· فما الذي جرى لمحمود عباس؟ إن المهم في الحقيقة هنا ليس الجدل العقيم بشأن قدرة عباس على أن يكون شريكاً في العملية السياسية، وإنما، تحديداً، ظهور التأثير الكبير للأجواء التي تسود الشرق الأوسط في تصريحات الزعماء ونياتهم.· ويجب أن نشير إلى أن الأوضاع الجيو ـ استراتيجية الثلاثة التي نشأت مع بداية العملية السياسية في سنة 1991 شهدت تغييرات كبيرة.· بين هذه الأوضاع هناك أولاً انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحوّل الولايات المتحدة إلى القوة العظمى الوحيدة التي تسيطر على الشرق الأوسط. ففي أعقاب حرب الخليج الأولى [في سنة 1991] انتشرت القوات الأميركية في المنطقة كلها، الأمر الذي حوّل التفوق الأميركي النظري إلى حقيقة واقعية على الأرض.· الوضع الثاني هو أنه بعد هزيمة صدام حسين، لم تعد "جبهة الممانعة" تشكل عنصراً مؤثراً في موازين القوى في الشرق الأوسط.· أمّا الوضع الثالث فهو أن إيران لم تكن حينها قد استعادت قوتها بعد حرب الأعوام الثمانية التي خاضتها ضد العراق، ولم تكن بالتالي في موقع يخوّلها الاستفادة من انهيار الجيش العراقي، وتحويل نفسها إلى قوة ذات نفوذ قوي. ويمكن القول إن هذه الأوضاع الثلاثة هي التي مهدت الأرضية لعقد مؤتمر مدريد للسلام في سنة 1991، وهي التي أدت فيما بعد إلى توقيع اتفاق أوسلو في سنة 1993.· لكن في سنة 2013 لم يعد هناك وجود لهذه الأوضاع الدولية، بل إن الدول العربية، وخصوصاً الدول الخليجية، تتخوف من أن يكون الانسحاب الأميركي من العراق الذي جرى في نهاية سنة 2011 بداية مرحلة جديدة سيتراجع خلالها التدخل العسكري الأميركي في المنطقة.· ويمكن أن نضيف إلى ذلك تأثير الثورات التي نشبت في العالم العربي في سنة 2011، ونشوء جبهة رفض جديدة استطاعت من خلال الأحزاب الإسلامية السيطرة على السلطة من تونس حتى مصر. وفي هذه الأثناء، أظهرت إيران، على الرغم من الخسائر التي تكبدتها في سورية (ولبنان)، قدرة كبيرة على التأثير في النزاعات الكثيرة في الشرق الأوسط بدءاً من العراق، مروراً باليمن، ووصولاً إلى قطاع غزة. ومن المنتظر أن يزداد هذا التأثير في حال استطاعت إيران تخطي العتبة النووية.· ينبغي لإسرائيل ألاّ تستنتج من ذلك عدم وجود إمكانيات دبلوماسية أمامها، وأن الوصول إلى حائط مسدود بات أمراً لا مفر منه. لكن من أجل مواصلة أي مبادرة سياسية في المستقبل فإنه سيكون عليها إدخال تعديلات مهمة على وجهة نظرها، منها أولاً: يتعين على الحكومة الإسرائيلية المقبلة الإقرار بحقيقة أنه في ظل ما يحدث في الشرق الأوسط فإنه ليس من الواقعي أبداً اقتراح مفاوضات هدفها التوصل إلى اتفاق كامل أو نهائي مع الفلسطينيين، كما يتوجب عليها أن توضح موقفها هذا في اتصالاتها مع واشنطن.· ثانياً، من أجل مواجهة الأخطار الإقليمية التي تلوح في الأفق، فإنه ينبغي في أي تسوية سياسية مستقبلية أن يكون العنصر الأمني أقوى كثيراً ممّا جرى اقتراحه في الماضي.إن على إسرائيل أن تثبت اليوم أكثر من أي وقت مضى محافظتها على قدرتها على الدفاع عن نفسها بغضّ النظر عن التغيرات التي تحدث في الدول المجاورة لها.
محمود عباس يكشف عن تطرفه
تاريخ المقال
المصدر