· يتعين علينا أن نقول كلمة طيبة بحق نتنياهو الذي يخوض صراعاً صعباً ويواجه ضغوطاً كبيرة من جانب وزير الخارجية الأميركي كيري المدعوم من الرئيس أوباما، ومن جانب أعضاء حزبه الذين لا يسمحون له بالتحرك حتى لو أراد ذلك. وهذان الأمران يشكلان شروط عمل مستحيلة.· وفي الواقع، يتعين على نتنياهو أن يكون حذراً على الدوام، وفي كامل قوته، من دون الالتزام بموعد أو التعهد بأمور قد يندم عليها. كما عليه عدم اتخاذ قرارات متسرعة مثل قرار اطلاق أسرى والتعرض لعذاب الضمير أمام عشرات العائلات الثكلى [عائلات قتلى اليهود في العمليات الفلسطينية] التي تتظاهر تحت نافذة منزله طالبة منه عدم المضي في اطلاق الدفعة التالية من الأسرى.· لم يأت نتنياهو من حركة السلام الآن، ولديه وجهة نظر متماسكة وقلق حقيقي على الدولة وليس على نفسه فقط. إن هذه هي سنته الثامنة في رئاسة الحكومة وهو مضطر لأن يرفض باستمرار السياسة التي تفرض عليه وهو لا يؤمن بها مطلقاً. يمكننا القول إنه كان صادقاُ مع نفسه عندما قال أمس في جلسة الحكومة: "الأساس هو الاعتراف بالدولة اليهودية". لم يقرأ نتنياهو كلامه من ورقة أمامه، لقد رفع صوته منتقلاً من جانب إلى آخر، لذا بدا حقيقياً ومؤثراً.· إن محاولة نتنياهو التمسك بكل تفصيل من أجل الامتناع عن التقدم نحو ما يعتبره كارثة سياسية، أمر يستحق التقدير. في الماضي طلبنا من الزعامة الفلسطينية محاربة الإرهاب، اليوم نحن نطلب منها وقف التحريض، وبالأمس حمل شتاينيتس [وزير العلاقات الدولية] إلى جلسة الحكومة نموذجاً من التعليم الفلسطيني السيئ. بالطبع المسألة مهمة، لكن مع الأسف يمكن أن نجد مقابلاً لها لدى الجانب الإسرائيلي. بيد أن المشكلة أن هذه المسألة في نظر الأميركيين هي من "المضايقات اليومية" التي يمكن مصادفتها على طريق الحل التاريخي الكبير للدولتين الذي سيمنح الطرفين فوائد كبرى أخرى.· باختصار، نتنياهو يُدفع إلى الوراء من جانب قوى أكبر منه، فهو ينتقل هنا وهناك، لكنه ما يزال يحافظ بإصرار على ما يعتبره مهماً، وهذا جهد كبير له ثمن.· بالأمس قال وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان: "السياسة الخارجية تبنى على العلاقات مع الولايات المتحدة"، وأعلن أثناء توجهه إلى سفرائنا في الخارج: "هناك فرصة سياسية بسبب الوضع في العالم العربي يجب استغلالها".· فما الذي جرى؟ قبل عامين أو ثلاثة أعوام أعلن ليبرمان أنه بصدد البحث عن حلفاء جدد لنا في العالم بدلاً من الولايات المتحدة. وبعد أن تحول إلى شخص غير مرغوب به في واشنطن والعواصم الأوروبية، أعلن ليبرمان أنه لن يجلس إلى طاولة المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين لمصلحة شخصية، فهو يسكن في مستوطنة نكوديم. اليوم هو يبذل جميع ما في وسعه من أجل الانضمام إلى المحادثات.ما الذي نفهمه من هذا التقلب في المواقف؟ أولاً؛ لقد فهم وزير الخارجية عدم أهمية الزيارات التي قام بها إلى جنوب أميركا وأفريقيا، وأن هذه الدول لا يمكن أن تحل محل الأميركيين. ثانياً؛ يدرك الأميركيون ضعف ليبرمان، فالعام الماضي كان عام الاخفاقات بالنسبة له. فقد فشل التحالف الذي أقامه مع الليكود في الانتخابات، كما انهارت خطته للسيطرة على بلدية القدس، وتشير استطلاعات الرأي إلى ان حزب "إسرائيل بيتنا" لن يحصل على أكثر من خمسة إلى ستة مقاعد في الكنيست [في حال جرت الانتخابات اليوم]، كما أن تبرئته من التهم التي وجهت إليه لم تسهم في تحسين شعبيته وسط الجمهور. لذا، فظهوره بعد بضعة أحاديث مع كيري مؤيداً للسلام وللتسوية السياسية، لن يقنع الأميركيين كثيراً.
نتنياهو يتهرب من الدفع قدماً بالمفاوضات برغم تعرضه لضغوط كبيرة
تاريخ المقال
المصدر