خسارة إسرائيل صدقيتها الاستراتيجية أمام سورية وحزب الله ستنعكس سلباً على المشروع النووي الإيراني
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في مقال كتبه عاموس هرئيل ("هآرتس"11/6/2013) بعنوان "في الليلة التي سيتقرر بها مهاجمة سورية"، وصف الكاتب الانعكاسات المحتملة لهجوم إسرائيلي جديد لمنع انتقال السلاح إلى حزب الله، وصوّر بصورة صحيحة جزءاً من هذه المخاطر، لكنه لم يعرض الصورة الاستراتيجية كاملة.
  • أشار هرئيل في مقاله إلى أن إسرائيل بصورة عامة امتنعت عن المخاطرة بالدخول في حرب لمنع الخصم من زيادة قوته. لكن الصورة هذه المرة مختلفة، لأن ما يحدد واقع إسرائيل الاستراتيجي هو قدرة سلاح الجو على الوصول إلى أي مكان في الشرق الأوسط والقيام بهجوم شديد الدقة، إلى جانب الحرص على ألا يمتلك أعداء إسرائيل مثل هذه القدرة. ويعتبر هذا التفوق الجوي أفضل ضمانة لعدم اندلاع الحرب، وهو الذي يمنح القيادة السياسية حرية نسبية في اتخاذ القرارات، ويسمح على ما يبدو بالتفكير الآن في تقليص ميزانية الأمن.
  • ويمكن القول إن إلحاق الضرر بحرية تحليق سلاح الجو الإسرائيلي، أو حصول أعداء إسرائيل على قدرة هجومية تمكنهم من تنفيذ هجمات دقيقة ضد أهداف استراتيجية في الدولة، من شأنهما تقليل الحواجز التي تفصلنا عن الحرب، وتقييد حرية العمل السياسي، كما أنهما سيفرضان زيادة دراماتيكية في القوات القادرة على المناورة.
  • مما لا شك فيه أن كل هجوم ينطوي على مخاطر. لكن لا مجال للمقارنة بين إسرائيل وأعدائها من ناحية حرية التحرك، إذ يحتاج محور سورية - إيران - حزب الله إلى الاهتمام بأمرين معاً: نقل الأسلحة، والدفاع عن صمود نظام الأسد. وفي ظل أوضاع معينة قد ينشأ تعارض بين هاتين المصلحتين، عندما يتحول الدفاع عن انتقال السلاح إلى خطر يهدد وجود نظام الأسد.
  • في مقابل ذلك، لم تحسم إسرائيل مسألة ما إذا كانت تفضل بقاء الأسد أم سقوطه. لذا فهي تعمل فقط استناداً إلى مصلحتها التي تقضي بمنع انتقال السلاح، ولا تبالي بالنتائج المترتبة عن صمود نظام الأسد. ونظراً إلى دفاع إسرائيل عن مصلحة واحدة فيما يدافع أعداؤها عن مصلحتين متعارضتين بعض الأحيان، فإن هذا يمنحها تفوقاً واضحاً.
  • ومن أجل الرد الناجع يضطر أعداء إسرائيل إلى بلورة رد قوي يضيق حرية عمل إسرائيل، لكن من دون التسبب بتصعيد يمكن أن يؤدي إلى حرب. لذا فالقصف العشوائي أو شن هجمات في الخارج أو تسلل جديد لطائرات من دون طيار، كل ذلك لا يكفي لتغيير الاستراتيجية الإسرائيلية. لكن أي رد كبير من جانب سورية أو حزب الله من شأنه أن يتطور إلى مواجهة عسكرية متوسطة الحجم أو كبيرة. ولا يرغب الأسد وحزب الله في الوقت الحالي الدخول في مواجهة مع إسرائيل القادرة على مهاجمة نظام الأسد خلال وقت قصير وتقليص قدرته على الدفاع عن نفسه في مواجهة أعداء الداخل والخارج، ولا سيما في هذا الوقت الذي تراجعت فيه قوة هذا النظام بسبب الحرب الأهلية، وبات لديه ما يخسره بعد نجاحه في احتلال القصير.
  • في المقابل يواجه حزب الله ضغطاً على جبهتين: فهو من جهة يوظف خيرة مقاتليه وسلاحه في المعارك في سورية، ومن جهة أخرى يواجه تصاعد تهديد العناصر السّنية له في لبنان. كما يعاني الحزب من وضع سياسي صعب لأن العالم العربي يعتبر قتاله إلى جانب الأسد غير شرعي، وحتى انتقال السلاح بات غير شرعي. ويمكن القول إن توريط لبنان في حرب قاسية بسبب انتقال السلاح إلى جانب قتال حزب الله مع الأسد، من شأنهما أن يتسببا بكارثة سياسية للحزب.
  • وعلى الرغم من ذلك كله، فإن المهم هو السلاح النووي الإيراني. ففي حال صعّد حزب الله الوضع وتسبب بحرب مع إسرائيل، فمعنى ذلك بالنسبة إليه وإلى إيران استخدام الورقة الأساسية لردع إسرائيل عن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. لكن في حال نشبت حرب لبنان ثالثة، فإن ذلك سيقرب الهجوم على إيران. ونظراً إلى أن اسم اللعبة هو المشروع النووي الإيراني، فإن إسرائيل مضطرة إلى المحافظة على حرية قرارها السياسي بمهاجمة ذلك المشروع، أي منع أعدائها من الحصول على قدرة هجومية دقيقة ضدها. كما أنها مضطرة إلى المحافظة على حريتها العملانية (أي منع أعدائها من الحصول على منظومات دفاع جوي متطورة)، والمحافظة على صدقيتها الاستراتيجية، فخسارة هذه الصدقية أمام سورية وحزب الله ستكون لها انعكاسات بعيدة المدى في ما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني.
 

المزيد ضمن العدد 1697