على إسرائيل أن تولي تطوير العلاقات مع السعودية أهمية، وأن تكون مستعدة لتنازلات مختلفة، ولكن ليس في المجال النووي
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- إن الجزء المركزي في رؤية 2030 الخاصة بالسعودية، والتي وقّعها وليّ العهد والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، مخصص لتقليل اعتمادها على النفط، وتأسيس اقتصاد متنوع، تنافسيّ ومستدام. والمملكة قررت الذهاب في المسار النووي، وباتت تمنحه تبريرات في مجاليْ الطاقة والاقتصاد، كما أن هناك دوافع تتعلق بالضعف الاستراتيجي في مقابل إيران، وحسابات المكانة.
- في سنة 2012 أعلنت المملكة، الموقّعة لاتفاقيات الحد من الانتشار النووي- NPT، رؤيتها لبناء 16 مفاعلاً نووياً حتى سنة 2032، ولاحقاً، تم التأجيل لسنة 2040، وهو أيضاً هدف غير واقعي. في سنة 2017، نشر السعوديون مناقصة دولية لبناء مفاعليْن أوليين، ولكن الوقت لم يكن كافياً. وأسباب التأجيل، كما يبدو، تتعلق بصعوبات في الوصول إلى اتفاق تعاوُن نووي مع الولايات المتحدة.
- لسنوات طويلة، شددت المملكة على أن برنامجها النووي هو لأهداف سلمية فقط. إلا إن مسؤولين سعوديين، وضمنهم وليّ العهد والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، صرّحوا علناً وبوضوح، بأنه إذا حصلت إيران على قدرات نووية، فستكون للمملكة قدرات كهذه أيضاً. هذه التصريحات، بالإضافة إلى التقدم البطيء في الخطة المدنية والخوف من إيران، تعزز التقديرات التي تشير إلى أن المملكة غير معنية بخطة نووية مدنية فقط، وعندما يكون ظهرها إلى الحائط، ستتوجه إلى طرق مختصرة. لذلك، يبدو أن الرياض تتمسك بـ"حقها" في تخصيب اليورانيوم. بذلك، تضغط على الغرب ليمنع إيران من استكمال برنامجها النووي، تخوفاً من أن عدم منعها سيؤدي إلى ردّ سعودي وسباق تسلُّح نووي في الشرق الأوسط. كقاعدة، يريد السعوديون أن يكونوا متساوين مع الإيرانيين، وإذا خصّبت إيران اليورانيوم، فهو مسموح للسعودية أيضاً. هذا بالإضافة إلى أن السعوديين يريدون الحفاظ على جميع الإمكانات مفتوحة، حتى لو لم يكونوا يريدون الذهاب فوراً لتطوير سلاح نووي.
- تلتزم المملكة في ورقة السياسات التي تتعلق بالنووي، بتطوير خطة نووية لأهداف سلمية فقط، بما يتماشى مع المعاهدات الدولية الملزمة؛ وبالأمان النووي والشفافية في المجالين العملياتي والرقابة؛ واستنفاد الموارد الموجودة في أراضيها (بالأساس اليورانيوم). تتقدم السعودية ببطء نحو تطبيق رؤيتها النووية نسبةً إلى جارتها الإمارات، التي تقوم اليوم بتفعيل ثلاثة مفاعلات من أربعة مفاعلات من الصناعة الكورية، تم بناؤها في أراضيها. والإمارات تنازلت عن تخصيب اليورانيوم ومعالجة البلوتونيوم، وهي سابقة تمت تسميتها بالـ"معيار الذهبي".
- السعودية لا تقبل هذا المعيار، بل اختارت طريقاً مختلفاً عن جاراتها، وهي تتقدم بشكل ممنهج في خطتها النووية على عدة صُعد:
- تخصيب اليورانيوم: في كانون الثاني/يناير 2023، صرّح وزير الطاقة السعودي وشقيق ولي العهد، عبد العزيز بن سلمان، بأن المملكة ستستغل مخزون اليورانيوم الموجود في أراضيها، بهدف تخصيبه إلى مستوى منخفض (LEU). هذا التصريح يضاف إلى تصريحات المسؤولين السعوديين خلال الأعوام الأخيرة، والتي شددوا فيها على نية المملكة تفعيل دائرة وقود نووي بشكل مستقل. هل بدأ العمل في المجال فعلاً؟ في سنة 2020، أشارت الأخبار إلى اكتشاف مفاعل للبدء بـ"الكعكة الصفراء"- المرحلة الأولى من استخراج اليورانيوم، بغض النظر عن استعماله، تم بناؤه بالتعاون مع الصين، الآخذة بالتطور خلال الأعوام الماضية. حتى الآن، لم يتم اكتشاف مفاعل لتحويل أو تخصيب اليورانيوم. إن عدم وجود جدوى اقتصادية من التخصيب الذاتي نسبةً إلى المصدر الخارجي الموثوق به كاحتياطي النفط والموارد في المملكة، هي أمور تخلق شكوكاً بشأن الخطة النووية المدنية للمملكة.
- مفاعلات الصهر: نشرت المملكة في سنة 2022 مناقصة لبناء مفاعلين، كل واحد منهما4 ميغاواط، بالقرب من الخليج. تدرس المملكة مقترحات لبناء المفاعل من روسيا، والصين، وفرنسا، والولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية. وترتفع احتمالات حصول كوريا على المناقصة، بسبب التعاون القائم أصلاً بين الدولتين، وبسبب الخبرة التي جُمعت في سيئول خلال بناء المفاعلات الإماراتية. ويجب الإشارة إلى أن السعودية تستطيع الحصول على المفاعلات الكورية، فقط بعد مصادقة الولايات المتحدة، وذلك بسبب الحسابات السياسية وربما التكنولوجية أيضاً (يدّعي الأميركيون أن التكنولوجيا المستعملة في بناء المفاعلات تابعة لشركة ويستنغهاوس). عقبة أُخرى هي توقيع السعودية "اتفاق 123" للتعاون النووي مع الولايات المتحدة (على اسم بند في سياسة الطاقة النووية الأميركية سنة 1954).
- المأسسة والبحث: في حدود مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا (KACST)، تم بناء مفاعل صغير، صناعة أرجنتينية، وهو مشروع بمشاركة كوريا الجنوبية (تعبئة المفاعل بالوقود تتطلب اتفاقاً جديداً بين السعودية ووكالة الطاقة الذرية). مفاعل المياه الخفيفة غير متطور (30Kw)، والهدف منه بالأساس هو تدريب القوى العاملة، ولا يشكل أيّ خطورة في مجال الانتشار. لدى المملكة منظمة أُخرى تعمل في مجال الأبحاث النووية، مدينة الملك عبد الله للأبحاث النووية والطاقة المتجددة (KACARE). في سنة 2022، وقّعت المنظمتان اتفاق تعاوُن في مجالات متعددة.
- طرق مختصرة: لدى السعودية علاقات استراتيجية طويلة الأمد مع باكستان. وبسبب الاعتماد الاقتصادي لإسلام آباد على الرياض، يمكن أن تساعد باكستان السعودية بعدة طرق، كي تحقق رداً سريعاً على حصول إيران على القدرات النووية. باكستان ليست الوحيدة، فكوريا الشمالية أيضاً يمكنها تقديم المساعدة إلى السعودية، ويجب أخذها بعين الاعتبار. الضعف الاستراتيجي للسعودية في مقابل إيران وشكل القيادة الحالية فيها، وكذلك مواردها الكبيرة جداً، هي أمور ترفع احتمال أن تتوجه الرياض إلى القيام بما قامت به باكستان، إذا حصلت إيران على السلاح النووي. التقارب الرسمي الذي بدأ مؤخراً بين الرياض وطهران لا يغيّر كثيراً في الافتراضات الأساسية، أو في رؤية السعودية للتهديد الإيراني. حتى أن السعوديين رسموا في الآونة الأخيرة خطاً أحمر يدفعهم إلى الحصول على قدرات نووية: سلاح نووي عملياتي في يد إيران. في كانون الأول/ديسمبر 2022، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إنه في هذه الحالة، "كل الإمكانات مفتوحة".
الانتشار النووي وثمن التطبيع
- بحثت إدارتا الرئيسين أوباما وترامب مع السعودية في قضية "اتفاق 123". ويبدو أن السبب المركزي وراء عدم التقدم يعود إلى رفض السعودية للشرط الأميركي: تنازُل عن تخصيب اليورانيوم/ معالجة البلوتونيوم في أراضيها، وتوقيع "بروتوكول إضافي" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يسمح برقابة أكبر على مفاعلاتها، ويمنح صورة كاملة أكثر للجهود السعودية في المجال النووي.
- في كل ما يتعلق بتطوير الخطة النووية والضغط على واشنطن لتقليل شروطها لتوقيع الاتفاق في المجال النووي، يمكن للسعودية تفعيل أداة ضغط إضافية: التطبيع مع إسرائيل. وفعلاً، نُشر أن أحد شروط المملكة للتقرب من إسرائيل هو السماح بنشاطات نووية على أرضها. بحسب هذه المعادلة، فإن السعوديين سيطلبون تليين الشروط الأميركية للتعاون النووي، في مقابل خطوات بناء ثقة من طرفهم في اتجاه إسرائيل.
- هناك علاقات هادئة بين الرياض والقدس. حتى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو صرّح بنيّته الدفع قدماً باتفاق سلام مع المملكة. ولكن على إسرائيل، وقبل البدء بحساب الأثمان الممكنة لاتفاق كهذا، أن تأخذ بعين الاعتبار أبعاد وإسقاطات الانتشار النووي. يجب إضافة خطر إلى الانتشار النووي في الإقليم في سياق السعودية، وهو إلحاق الضرر بالمفاعلات التي ستُبنى، عبر مسيّرات، أو صواريخ إيرانية، أو بأذرع إيران. سابقاً، تفاخر الحوثيون بإطلاق صواريخ في اتجاه المفاعلات الإماراتية في بركة، وهو ما أنكرته أبو ظبي. وبين المخاطر التي يجب أخذها بعين الاعتبار أيضاً، هو فقدان السيطرة على السلاح، أو حتى على المواد النووية.
- يجب مناقشة الموضوع، حتى لو كان ذلك بصورة سرية، بشكل مختلف عمّا حدث في مسار التطبيع مع الإمارات، إذ يبدو خلاله أن إسرائيل وافقت على بيعهم طائرات F-35. على إسرائيل أن تعارض اتفاق التعاون النووي بين واشنطن والرياض، إن لم يكن يتضمن تبنّي "المعيار الذهبي". سابقاً، أخفت المملكة جوانب مختلفة من خطة الصواريخ الخاصة بها وخطتها النووية، وهناك أهمية لحفظ الانتباه الاستخباراتي على ما يجري في أراضيها في هذا المجال.
- إن المعضلة ليست بسيطة لأن لدى إسرائيل مصلحة واضحة في تعاوُن السعودية مع الولايات المتحدة في المجال النووي، وليس مع الصين، أو روسيا. ولا ينبغي على إسرائيل أن تعارض مبدئياً خطة نووية مدنية في السعودية. فالمعارضة لن تفيد في هذا السياق، والسعودية تريد ذلك. إن التطبيع مع السعودية هو هدف مهم ويستحق أن تبحث إسرائيل القيام بتنازلات من أجله. ولكن، على إسرائيل البحث جيداً في ثمن هذا السلام الممكن مع السعودية، وإن كان سيتضمن نشاطاً نووياً في المملكة لا يكون بحسب "المعيار الذهبي". على إسرائيل أن تولي تطوير العلاقات مع المملكة أهمية، وأن تكون مستعدة لتنازلات مختلفة، ولكن ليس في المجال النووي.
الكلمات المفتاحية