ما يحدث في إسرائيل يعزّز نظرية نصر الله "بيت العنكبوت"
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- ما يحدث في إسرائيل منذ تأليف الحكومة الجديدة، وخاصة الأزمة الدستورية التي أدت إلى تعميق الانقسام في المجتمع الإسرائيلي، وإسقاطاتها السلبية على الاقتصاد والدبلوماسية، إلى جانب ارتفاع كمية الأحداث "الإرهابية" الفلسطينية والخلافات الداخلية بشأن الطريقة الأمثل للتعامل معها، هي أمور يتعامل معها حزب الله على أنها إشارات واشية بضعف إسرائيل المستمر. ويفرك السيد نصر الله يديه بسعادة، ويتطرق إلى ذلك بوضوح خلال خطاباته الأخيرة. ففي الخطاب الذي ألقاه يوم 16 شباط/فبراير، وصف ما يحدث في إسرائيل بأنه أزمات عميقة، دفعت إليها "الحكومة الغبية الحالية" في إسرائيل، وتتضمن احتمالات تصعيد إقليمي. وأشار إلى أن هناك جهات كثيرة في إسرائيل - الرئيس هرتسوغ، رؤساء حكومة سابقون، رؤساء هيئة أركان وجميع الجنرالات والمؤرخين - يتحدثون اليوم عن "حرب أهلية" قريبة، مقتبساً ما قاله الرئيس عن أن الظرف الحالي في إسرائيل غير مسبوق. وبحسبه، فإن إسرائيل موجودة اليوم على عتبة انفجار داخلي، ولدى سكانها قلق وجودي، حيث لا توجد ثقة بالجيش، وبالقيادة السياسية، وبالنظام القضائي، وهناك ظواهر هجرة فيها.
- وحتى خلال الخطابات التي ألقاها نصر الله الأسبوع الماضي، تطرّق إلى ذلك. إذ عاد وقدّر خلال خطاب ألقاه في 6 آذار/مارس، بمناسبة "يوم الجرحى والأسرى"، أن نهاية الكيان الصهيوني اقتربت بسبب الأحداث الداخلية. وتطرّق في هذا الخطاب، بالتفصيل، إلى اقتراح قانون "إعدام المخربين" في الكنيست، وادّعى أنه لن يردع "أناساً مثلنا"، الذين يمكن أن يخافوا من السجن، لكنهم يهجمون على الموت من دون تردّد، ويعملون حتى إذا كان الموت مؤكداً. وفي خطاب ألقاه بتاريخ 10 آذار/مارس، شدد على أن الحديث يدور حول أحداث تاريخية يجب متابعتها عن قرب. وبحسبه، فإن "ما يحدث في إسرائيل يولّد الكثير من الآمال." كما قال إن سبب الأزمة في إسرائيل هو صمود المقاومة في المنطقة. مضيفاً أن "الكيان الصهيوني يتعامل مع مواجهات داخلية وتهديدات خارجية، ستؤدي إلى تفكُّكه، ولن يصمد حتى الـ80 عاماً،" كالممالك اليهودية السابقة التي لم تصمد أكثر من ذلك. هذا بالإضافة إلى أنه طالب دول المنطقة بمساعدة المجهود الفلسطيني (إذ كانت في الخلفية صورة العملية التي جرت في 9 آذار/مارس) لتفكيك إسرائيل. ويجب التذكير في هذا السياق بحلم نصر الله، كما وصفه خلال مقابلة في تموز/يوليو 2022، وبحسبه، جماعات كبيرة من الإسرائيليين تترك إسرائيل وتهاجر إلى الخارج. هذا الحلم كان تمنيات، ويندمج مع رؤيته المعروفة أن إسرائيل "بيت عنكبوت"، ستتفكك وتختفي مستقبلاً.
- يبدو أن الشعور بالثقة هذا هو الذي كان في مركز تهديدات نصر الله عشية توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان (تموز/يوليو - أيلول/سبتمبر 2022)، حين أشار إلى أن حزب الله سيهاجم إسرائيل إذا بدأت باستخراج الغاز من حقل "كاريش" قبل ضمان حقوق لبنان. ولدى نصر الله أيضاً شعور بالنصر، إذ إن تهديداته وحدها، ومن دون الحاجة إلى تفعيل قوة، أرغمت حكومة إسرائيل على توقيع الاتفاق بحسب مطالب لبنان. ويضاف إلى هذا التقدم الذي أحرزه التنظيم في بناء قوة دفاع جوي في لبنان، بمساعدة إيرانية، أدت إلى تخفيض نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في السماء اللبنانية، وعزّز ثقته بنفسه وبقدرته على ردع إسرائيل والتعامل معها في حال حدوث مواجهة عسكرية مستقبلية.
- يبدو أن الشعور بالثقة المبالغ فيه لدى نصر الله كان أيضاً في مركز قرار زيادة عديد رجال حزب الله على الحدود المتاخمة لإسرائيل خلال الفترة الماضية - حتى لو كانوا بلباس مدني - وإقامة عدد كبير من أبراج المراقبة الجديدة التابعة لحزب الله بغطاء تنظيم مدني "أخضر بلا حدود".
- وفي الآونة الأخيرة، ازدادت الاحتكاكات بجنود الجيش الموجودين على طول الحدود (في أعمال استكمال بناء الجدار؛ وتحديد الحدود). وفي 5 آذار/ مارس، منعت قوات اليونيفيل مواجهة بين الطرفين، بعد أن ادّعى الطرف اللبناني أن جنود الجيش، الذين كانوا في مهمات روتينية، خرقوا الخط الأزرق، ودخلوا إلى الأراضي اللبنانية في بلدة عيتا الشعب؛ وفي 7 آذار/ مارس، نُشر خبر عن حادثة مشابهة، تم خلالها الاستيلاء على مخزن سلاح تابع لجندي في الجيش بعد تجمُّع عدة لبنانيين حول الجنود الذين كانوا في مهمات هندسية هناك. هذا المخزن عُرض لاحقاً على تلفزيون "المنار" كغنيمة من الجيش. وفي تطرُّقه إلى الموضوع، قال نصر الله يوم 6 آذار/ مارس، إن إسرائيل تحاول إزاحة الخط الأزرق عدة أمتار، ولبنان لن يتنازل عن ذرّة تراب من أراضيه. وفي المقابل، يدفع حزب الله بحملة في وسائل التواصل الاجتماعي، تعظّم من قدرات مقاتليه الذين لديهم القدرة على الدخول إلى إسرائيل والسيطرة على مناطق فيها.
- أقوال نصر الله، الذي تتعامل معه إيران على أنه خبير في الشؤون الإسرائيلية، تعكس مرة أُخرى متابعته الدقيقة لِما يحدث داخل إسرائيل، وذلك من خلال ما يُنشر في الإعلام الإسرائيلي، ويعزز تقديراته بشأن وضعها المتزعزع. استنتاجه أن الأزمة الداخلية الحالية في إسرائيل تُضعفها جداً، يرفع شعور ثقته بنفسه، وبقدرته على ردع الجيش والتعامل معه بنجاح. وعلى الرغم من ذلك، فإن تحليل نصر الله لضُعف إسرائيل لا يعكس بالضرورة الواقع فعلاً، والحديث يدور حول ثقة كاذبة بالنفس، ولا تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى الحقيقية بين حزب الله والجيش، وكذلك درجة تماسُك المجتمع الإسرائيلي عندما يقف أمام تهديدات أمنية خارجية.
- وعلى الرغم من ذلك كله، واستمرار الاحتجاجات الداخلية في إسرائيل، فإن التقديرات تشير إلى أن حزب الله غير معنيّ بمواجهة عسكرية في الوقت الحالي أيضاً. فبالإضافة إلى الاعتراف بالمخاطر التي ستلحق بلبنان والتنظيم ذاته في حال حدوث مواجهة واسعة مع الجيش، فإن التنظيم يتأثر أيضاً بالوضع الداخلي للبنان المنهار الذي يعاني جرّاء أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه، وجرّاء أزمة سياسية صعبة وصعوبات في فرض السيادة. ومن المهم الإشارة إلى أنه منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي جرت في أيار/مايو 2022، وخلال الشهرين الأخيرين، تراجعت مكانة حزب الله في لبنان. صحيح أن الحزب لا يزال يتمتع بحق الفيتو على القرارات في الدولة، لكنه يجد صعوبة في فرض موقفه على منافسيه السياسيين بشأن قضايا تأليف الحكومة وتعيين رئيس جديد، وهو ما يتجلى منذ تشرين الأول/أكتوبر 2022. كل محاولات نصر الله الوصول إلى اتفاق واسع لاختيار الرئيس سليمان فرنجية، الداعم لسورية والمقرب من حزب الله، فشلت حتى الآن فشلاً ذريعاً. نصر الله قلِق من ذلك، لكنه لا يزال معنياً بالامتناع من استعمال القوة التي لديه، بهدف الدفع بحلّ سياسي في أزمات لبنان الداخلية.
- في هذا الظرف، يلتزم نصر الله بالاستراتيجيا التي وجّهته خلال الأعوام السابقة في مقابل إسرائيل - مأسسة معادلة ردع بين حزب الله والجيش الإسرائيلي؛ إذ يستخدم جميع ما يقوم به التنظيم وأقواله لتعزيز مكانته كـ"حارس لبنان" في أوساط الجمهور اللبناني، وكذلك، وفي الأساس، لردع إسرائيل عن تغيير قواعد اللعبة في مواجهته في البر والجو والبحر. صحيح أن نصر الله غير معنيّ في هذه المرحلة بمواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل، لكنه يستفزها على طول الحدود، ويبدو أنه يبادر إلى عمليات في داخل إسرائيل، ويمكن أن يكون ذلك بمشاركة فلسطينيين. هذا يمكن أن يؤدي إلى احتكاك عسكري، وحتى إلى تصعيد بسبب سوء تقدير من أحد الطرفين.