للمرة الأولى منذ 7 سنوات حصل الجمهور الإسرائيلي في الأسبوع الماضي على حسم واضح يمكن رؤيته في عدد المقاعد التي حصل عليها التكتل الذي يترأسه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وفور تشكيل الحكومة الجديدة سيكون عليها مواجهة عدد من التحديات.
من بين القرارات الأولى التي سيضطر نتنياهو إلى اتخاذها بعد حصول الحكومة على الثقة هل سيلتزم باتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. في وقت سابق قال نتنياهو إنه لن يلتزم بالاتفاق الذي اسماه "اتفاق خنوع"، لكنه من بعدها اصبحت تصريحاته أقل حدة، وقال إنه سيلتزم بالاتفاق الموقع مع لبنان كما التزم باتفاقات أوسلو.
التحدي الثاني هو أن نتنياهو مضطر أن يثبت للمجتمع الدولي بأن هذه الحكومة ليست حكومة يمينية متطرفة وأنها لن تخرج عن قواعد اللعبة الديمقراطية. وكما سبق وذكر نتنياهو في خطاب الفوز أنه سيسعى إلى توسيع نطاق اتفاقات أبراهام، وأن الهدف رقم واحد بالنسبة إليه هو اتفاق التطبيع مع السعودية. مع ذلك من المتوقع أن يواجه مشكلة كبيرة مع الدول العربية وبالتأكيد مع السعودية إذا رأت هذه الدول محاولات من جانب حكومته لتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي، الذي يشكل خطاً أحمر بالنسبة إلى العالم العربي. وفي حال حدوث ذلك فإننا ليس فقط لن نرى توسيعاً لاتفاقات أبراهام بل يمكن أن نشهد استدعاء الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل لسفرائها. ومع ذلك فإن زعماء الخليج يثقون بنتنياهو ويعتبرونه شخصاً مسؤولاً وأنه لن يسمح للعناصر المتطرفة في حكومته برفع رأسها.
ومن أجل تهدئة المجتمع الدولي وإثبات أن إسرائيل ما تزال دولة ديمقراطية ليبرالية - يدرس نتنياهو تعيين أمير أوحنا – الشخصية ذات الميول المثلية علناً- في منصب وزير الخارجية أو رئيساً للكنيست. وهو يتحدث في أحاديث مغلقة عن احتمال تعيين امرأة في أحد هذين المنصبين.
سيكون نتنياهو بحاجة إلى التنسيق مع إدارة بايدن في عدد من الموضوعات - وفي طليعتها التهديد الإيراني وقضية البناء في المستوطنات. وسيواصل نتنياهو انتهاج خط الحكومة المنتهية ولايتها بشأن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، لكنه سيكون مضطراً إلى التنسيق مع الأميركيين بشأن ماذا يجري لو تحولت إيران إلى دولة على عتبة النووي.
النقطة الحساسة الثانية بالنسبة إلى الأميركيين البناء في المستوطنات. سيتعرض نتنياهو إلى ضغوط كبيرة من اليمين في هذا الموضوع، لأنه أخيراً هناك حكومة يمينية لا تعتمد على أطراف من الوسط واليسار. الأميركيون لن يتساهلوا بشأن كل ما يمكن أن يمس فرص قيام دولة فلسطينية مثل البناء الكثيف في المستوطنات، والمس بالأقلية، أو الإضرار بالأبرياء وعنف المستوطنين.
لكن الأمر لن يتوقف عند ذلك فالمشكلة الفلسطينية واسعة النطاق ورئيس الحكومة العتيدة سيضطر إلى أن يقرر هل سيواصل سياسة الحكومة الحالية بشأن تعزيز قوة الاقتصاد الفلسطيني وتقديم تسهيلات إلى السكان في الضفة الغربية وغزة. من المعقول ألاّ يعود نتنياهو إلى سياسة حقائب الدولارات التي توقفت في أيام رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت. ويأتي نتنياهو في مرحلة حساسة حيث الضفة تغلي، وعدد الهجمات الفلسطينية في ارتفاع مقلق.
كما سيكون على نتنياهو أن يقرر كيف سيتصرف إزاء الحرب في أوكرانيا. في حملته الانتخابية أعلن أنه سيبحث إمكانية تزويد أوكرانيا بالسلاح إذا أصبح رئيساً للحكومة. ومن المعقول أنه قال ذلك من أجل الحصول على صوت اليهود من أصل أوكراني في الانتخابات الإسرائيلية. إذ من المعلوم أن تزويد أوكرانيا بالسلاح سيؤدي إلى مواجهة مع روسيا. وكان نتنياهو قد تحدث عن إمكانية قيامه بالتوسط بين روسيا وأوكرانيا. ومن المهم ألاّ ننسى أن روسيا تطالب بإغلاق مكاتب الوكالة اليهودية في أراضيها، وإسرائيل بحاجة إلى الحوار مع بوتين.
يبقى التحدي الأكبر للحكومة الجديدة كسر موجة "الإرهاب". أكثر من 240 حادثة إطلاق نار ضد الجيش الإسرائيلي وقعت في الضفة الغربية خلال 3 آب/أغسطس الماضي. إقدام النشطاء الفلسطينيين المسلحين على إطلاق النار على الجنود الإسرائيليين في كل مرة يدخلون فيها إلى المخيمات أو إلى المدن الكبرى انتقل إلى أماكن أُخرى مثل الخليل. يضاف إلى ذلك الكميات الكبيرة من السلاح الموجود بين أيدي الفلسطينيين الذين ينتظرون اللحظة الملائمة لإشعال المنطقة.
في كل ما يتعلق بغزة من الصعب أن تغير الحكومة الجديدة السياسة التي انتهجتها الحكومة المنتهية ولايتها بعد أن أثبتت نفسها بصورة نسبية خلال ربع العقد الأخير الذي شهد جولات من التصعيد. تقوم سياسة "العصا والجزرة" في هذه الأثناء بدورها في الجنوب منذ عملية "حارس الأسوار" بالإضافة إلى الضربات التي تكبدها الجهاد الإسلامي والتسهيلات المقدمة إلى سكان غزة التي ترفع من ثمن الخسارة.
فيما يتعلق بالجبهة الشمالية فإن سياسة الهجمات السرية على شحنات سلاح حزب الله وضد التمركز الإيراني في سورية ستتواصل لكنها ستواجه تحديات أكبر. روسيا ما تزال موجودة في سورية ويمكن أن تستخدم هذه الساحة من أجل فرض قيود على حرية عمل وعلى تفوق سلاح الجو الإسرائيلي إذا زودت إسرائيل الجيش الأوكراني بالسلاح الدفاعي مثل منظومات الدفاع الجوي أو بسلاح هجومي.
ومن أهم المشكلات الاقتصادية التي ستواجهها الحكومة الجديدة إيجاد حل لأزمة السكن وغلاء الأسعار، ومواجهة الاضطرابات في الاقتصاد العالمي وتداعياتها على إسرائيل.