الاغتيال في نابلس وأسلوب عمل القوى الأمنية الجديد في الضفة الغربية
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

 

  • إذا كان صحيحاَ أن إسرائيل هي التي تقف وراء اغتيال تامر الكيلاني ليل السبت-الأحد في نابلس، فإن هذا يدل على الطريقة المغايرة والذكية التي اختارتها إسرائيل لمعالجة بؤر "الإرهاب" والتحريض شمالي الضفة. وثمة تخوف في إسرائيل، بدأ يتحقق كما رأينا أمس، من أن يشكل التحريض الذي تقوم به مجموعة "عرين الأسود" في نابلس وفي أزقة مخيم اللاجئين في جنين، والهجمات التي تنفذها هذه المجموعة، مصدرَي إلهام ومحاكاة في سائر مناطق الضفة الغربية والقدس. يبدو واضحاً أن "الإرهاب" الجماهيري (رشق الحجارة والزجاجات الحارقة) بدأ يتصاعد قبل ثمانية أشهر ولم يخمد، وما دام مصدر التأجيج نشطاً سيستمر في التصاعد. لذا اتخذ المجلس الوزاري المصغر هذا الأسبوع قراراً عاجلاً للتعامل مع مجموعة "عرين الأسود" في نابلس ومع المسلحين الذين ينفذون هجمات، والذين يأتون من مخيم اللاجئين في جنين.
  • في نهاية الأسبوع بدأ الشاباك والجيش والشرطة بترجمة توجيهات رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير الدفاع بني غانتس إلى خطة عملانية استناداً إلى الخبرة التي تراكمت خلال عملية "كاسر الأمواج"، وبالتحديد خلال عملية تصعيد التيك توك الحالية. ويمكن الافتراض أن اغتيال الكيلاني هو جزء من التكتيك العملاني الجديد المستخدم بعد التوجيهات التي أقرها المجلس الوزاري المصغر بهدف إخماد موجة "الإرهاب" بالقوة، وتنفيذ ذلك بطريقة تحول دون نشوب ثورة (انتفاضة) شعبية شاملة في الضفة الغربية.
  • لقد طُلب من القوى الأمنية العمل بطريقة خلاّقة لكن في ظل القيود التالية:
  • أولاً، الحد قدر الإمكان من عدد القتلى الفلسطينيين الذين لا يشكلون خطراً مباشراً على مقاتلي الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود الذين ينشطون في قلب التجمعات السكانية؛ ثانياً، إتاحة الفرصة أمام السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لأن تستعيد قوتها وتعيد فرض سلطة القانون التي ضعفت كثيراً في العامين الأخيرين؛ ثالثاً، عدم الدخول في عملية واسعة النطاق في كل أنحاء الضفة الغريبة، كي يتم الفصل بين السكان غير المتورطين وبين "الإرهابيين"، وكي لا تجري الانتخابات في إسرائيل في ذروة مواجهات عسكرية تتسبب بوقوع العديد من الضحايا وبتأجيج المشاعر.
  • يبدو واضحاً الجهد المبذول من أجل تقليص عدد الضحايا؛ كل فلسطيني يقُتل، سواء أكان مسلحاً أو وُجد بالصدفة وسط تبادل لإطلاق النار، تُصنع منه أسطورة شهيد بطل، تؤججها وسائل التواصل الاجتماعي وتنشرها وسط مئات آلاف الشبان الغاضبين. وتتحول الجنازات إلى حدث جماهيري، إلى جانب الضجيج الذي يرافقها في وسائل التواصل الاجتماعي، لتشكل حافزاً قوياً للبعض لتنفيذ هجمات مماثلة تمنح مَن يقومون بها شهرة واعترافاً.
  • تشتد الحاجة إلى تعزيز قوة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لأن إسرائيل لا تشعر بالقلق من موجة "الإرهاب" التي يقوم بها "المارقون" في نابلس وجنين فحسب، بل أيضاً من خطر استمرار هذا المسار الذي يؤدي إلى إضعاف السلطة في رام الله وانهيارها لاحقاً. في مثل هذه الحالة، يمكن أن تسيطر "حماس" على الضفة الغربية أيضاً، وسيضطر الجيش الإسرائيلي إلى العودة إلى هناك كي يكون المسؤول الأوحد عن المناطق، وستضطر دولة إسرائيل إلى تحمل كامل العبء الأمني والاقتصادي والإداري المتعلق بالسيطرة المباشرة على 2.6 مليون فلسطيني.
  • مؤخراً تعمّق ضعف السلطة الفلسطينية وأجهزتها في ضوء الصراعات على خلافة الرئيس الفلسطيني، والتي كان يجب أن تبدأ بعد مغادرة أبو مازن الساحة السياسية، لكنها بدأت الآن. كذلك ضعفت الأجهزة الأمنية بعد أوامر أبو مازن، قبل عامين، بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. صحيح أنه تراجع عن قراره هذا، لكن الفراغ الذي نشأ في هذه الأثناء، وخصوصاً في نابلس ومخيم اللاجئين في جنين، استقطب عناصر مسلحة لا تأتمر بأوامر السلطة وتدخل في مواجهات مع قوات الأمن الإسرائيلية.
  • يعتقد كل من الشاباك وشعبة الاستخبارات في الجيش ومنسق النشاطات في المناطق غسان عليّان أنه ما زال للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية القدرة على فرض إرادتها في نابلس وكبح مجموعة "عرين الأسود"، لذلك امتنع الجيش عن قصد من إدخال قوة كبيرة إلى نابلس. ففي إمكان الجيش تحييد هذه المجموعة المؤلفة من بضعة عشرات من "المخربين"، وحتى القضاء عليها بواسطة عملية كبيرة ولمرة واحدة، لكن إسرائيل تفضل أن تقوم السلطة بذلك بأسلوبها الذي يجمع بين الإقناع والإغراء (من خلال الانضمام إلى الأجهزة الأمنية والحصول على راتب)، وأحياناً باستخدام القوة بصورة وحشية.
  • وهذا الاعتقاد ليس ناجماً عن الرغبة في تفادي وقوع خسائر بين قواتنا فحسب، بل أيضاَ من أجل إعطاء السلطة الفرصة لاستعادة سيطرتها على نابلس عاصمة شمال الضفة الغربية. ولهذا امتنع الجيش من الدخول إلى المدينة بقوات كبيرة، واكتفى بمحاصرتها من الخارج، لأن العمليات داخل المدينة تنفذها الأجهزة الأمنية للسلطة، وقد أدى اتباع هذا الأسلوب إلى خفض عدد الهجمات التي مصدرها نابلس.
  • لكن مجموعة "عرين الأسود" ما زالت تشكل خطراً، وبعض عناصرها أخطر من غيرهم، بينهم تامر الكيلاني الذي قتل هذه الليلة. ويمكن الافتراض أن إسرائيل توجهت في هذا الشأن إلى السلطة وطلبت منها تحييده لأنه يشكل قنبلة موقوتة، كما يمكن الافتراض أن الطلب قوبل بالرفض، ويمكننا أن نفهم السبب؛ لا يريد الفلسطينيون التورط في ردات فعل عنيفة، مثل التظاهرات وأعمال الشغب التي اندلعت في نابلس قبل قرابة شهر بعد اعتقال الأجهزة الأمنية مصعب إشتيه، العضو البارز في مجموعة "عرين الأسود".

فيما يتعلق بجنين، حيث خسرت السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية التابعة لها قدرتها على فرض النظام بصورة تامة، يواصل الجيش والشاباك العمل وفق الأسلوب السابق مع تجنب أعمال القتل قدر المستطاع. إذ يبدو أنه في الإمكان إضعاف رغبة المسلحين في الدخول في مواجهات من خلال وسائل أقل عنفاً من رصاصة في الرأس، فإصابة الساق كافية في العديد من الحوادث.