بالنسبة إلى إسرائيل، الاتفاق المتوقع مع لبنان هو أيضاً رهان على منطق نصرالله
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الجدول الزمني لاتفاق محتمل بين إسرائيل ولبنان بشأن الحدود البحرية بين الدولتين يتقلص. "إنيرجين"، الشركة البريطانية صاحبة امتياز إجراء الحفريات في حقل "كاريش"، تطالب ببدء الحفريات في منتصف تشرين الأول/أكتوبر (بدأت تجهز لبدء عملية ضخ عكسي من الشاطئ إلى المنصة، قبل البدء بالضخ إلى الشاطئ). أما المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، فمن المفترض أن يقدم للطرفين مقترحه النهائي مكتوباً في الأيام المقبلة، بعد أن طرح أمامهما الأفكار الأساسية شفوياً قبل عدة أسابيع.
- ومن المتوقع أن يجتمع المجلس الوزاري المصغر لبحث التسوية المقترحة يوم الخميس المقبل (ومن الممكن أن يكون قبل يوم الغفران). الجو العام هو تفاؤل حذر، على عكس المخاوف التي وصلت إلى ذروتها هذا الصيف، حين أسقطت إسرائيل أربع طائرات مسيّرة أطلقها "حزب الله" باتجاه "كاريش". الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لا يزال يهدد، ولكن بصورة أقل. هناك مَن يرى في تصريحاته إشارات مشجعة على قبول التسوية، إذا ما تم التوصل إليها، مع محاولاته أن ينسب إلى نفسه إنجازات لبنان في المفاوضات.
- بحسب ما نُشر في "هآرتس"، فإن الاقتراح الأميركي يستند إلى الخط 23، الموجود إلى أقصى شمال الصيغة التي طرحها اللبنانيون قبل عدة أعوام. "كاريش" يقع إلى جنوب غربي هذا الخط، بما معناه أنه سيبقى تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. الحقل الموجود في الشمال الشرقي، قانا، سيعطى إلى اللبنانيين. ومن الممكن أن تحصل إسرائيل على تعويضات مقابل استعمال لبنان جزءاً صغيراً من الحقل الموجود في منطقتها.
- مؤخراً، طرح الأميركيون اقتراحاً إضافياً، مقبولاً من الإسرائيليين: بما أن المشكلة الأساسية تتعلق بخط الحدود الساحلي بحد ذاته، فإن الاتفاق لن يحسم هذه القضية، وسيتركها مفتوحة. عملياً، ترسيم الخط سيبدأ على بُعد عشرات الأمتار غربي الشاطئ. إسرائيل هنا تتنازل بشكل تكتيكي محسوب، وتتوقع الحصول على أرباح استراتيجية: التقاسم سيسمح أخيراً للبنان بالبدء باستغلال الغاز لديه. الاقتصاد اللبناني بحاجة إلى هذه الجرعة من التشجيع-ويطمحون في القدس إلى أن يشكل وجود منصتين، الواحدة مقابل الأُخرى، أداة ردع متبادَل في الجبهة الشمالية لأعوام.
- هذا الرهان لا يخلو من المخاطرة، لسببين. الأول، ترك الساحل من دون حسم واضح من شأنه السماح لحزب الله باستغلال الخلاف، بهدف التصعيد مستقبلاً (الشيء ذاته بالنسبة إلى 13 نقطة نزاع لا تزال مفتوحة على طول الحدود البرية، بالإضافة إلى الخلاف على مزارع شبعا). وثانياً، نظرية الردع المتبادَل تستند إلى الافتراض أن اللبنانيين، ومن ضمنهم حزب الله، سيصدقون أن إسرائيل سترد بقصف منصة الغاز الخاصة بلبنان، في حال حاول حزب الله استهداف أحد حقول الغاز الخاصة بها. لكن الدولة لا تتساوى مع "تنظيم إرهابي"، وستضطر إسرائيل إلى أخذ الموقف الدولي بعين الاعتبار قبل أن ترد. وبكلمات أُخرى، يجب أن يقتنع حزب الله بأن إسرائيل جاهزة للعمل بطريقة "صاحب المنزل جنّ جنونه"، لتكون معادلة الردع موثوقاً فيها.
- خلال المحادثات مع الأميركيين مؤخراً، تم طرح قضية الكوابح التي من شأنها تقوية الاتفاق-الضمانات الدولية. الوسيط الأساسي بين الطرفين هي إدارة بايدن، لكن إذا كان ممكناً جلب المزيد من الدول أو الجهات الدولية لتكون ضامنة، فهذا سيقوّي احتمالات صمود الاتفاق أمام فترات التصعيد والتوتر التي من الممكن أن تنشب مستقبلاً.
- الحكومة واعية أيضاً باحتمالات أن تحاول المعارضة تشويش المصادقة على الاتفاق. زعيم الليكود بنيامين نتنياهو هاجم رئيس الحكومة يائير لبيد، بسبب تنازلات غير مسؤولة ينوي الأخير القيام بها، بحسب نتنياهو، لمصلحة حزب الله في قضية الغاز. في أوساط نتنياهو بدأوا يتحدثون عن إقامة مجموعات احتجاج بشأن هذا الموضوع أمام بيت لبيد في تل أبيب. ومن المتوقع أيضاً أن يتم تقديم التماسات إلى المحكمة العليا، للمطالبة بطرح الاتفاق على الاستفتاء العام.
علاقات عامة قاتلة
- خلال نشرات الأخبار المسائية أول أمس، نشر الناطق الرسمي باسم الجيش فيديو يتضمن مقطعاً من جلسة التقييم التي عقدها قائد هيئة الأركان أفيف كوخافي في اليوم نفسه مع ضباط كبار في ختام زيارة إلى قيادة المنطقة الوسطى. يظهر فيه قائد هيئة الأركان وهو يقول لضباطه إنه على استعداد لاستثمار كل ما يمكن، بهدف وقف موجة "الإرهاب" في الضفة الغربية. وإذا كان هناك حاجة، فسيتم إرسال وحدات إضافية نظامية ووحدات احتياط، وسيتم تقليص التدريبات في ذراع البر. مهما كان الثمن.
- صحيح، يبذل الجيش جهوداً كبيرة في الفترة الحالية، ناجحة في معظمها، لمنع العمليات في شوارع الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر. لكن نشْر الفيديو هو جزء من طريقة عمل تحولت إلى مقبولة في الآونة الأخيرة، وتسللت إلى الجيش من الساحة السياسية. المصورون في هذه الحالة عسكريون، يدخلون إلى الغرفة، وفي هذه اللحظة يقوم المسؤول الأكبر الموجود بإلقاء خطاب أمام الكاميرات، بينما المسؤولون من رتب أقل فيكونون للزينة. أما الرسالة فإنها بسيطة: حتى في الأوقات العاصفة أمنياً، هناك يد واثقة تمسك بالقيادة. هناك مَن يمكن الاعتماد عليه. وفي هذا السياق، فإن فيديوهات كوخافي لا تختلف عن فيديوهات لبيد، أو نتنياهو، أو وزير الدفاع غانتس.
- وإلى جانب الفيديو، كان هناك مَن حرص على ابلاغ المراسلين الإعلاميين بالمستجدات. فقيل إن قائد هيئة الأركان منح قيادة المنطقة الوسطى "الضوء الأخضر للقيام باغتيالات في الضفة". وعند الحاجة العملياتية، صادق كوخافي للمرة الأولى على استعمال المسيّرات الهجومية، بهدف اغتيال مطلوبين فلسطينيين في الضفة عن بُعد. يقولون في مكتب الناطق الرسمي إن المعلومات لم تكن من طرفهم، وهي غير دقيقة: استعمال المسيّرات ممكن عند الحاجة إلى إحباط تهديد، بما معناه-وقف مصدر إطلاق نار. لا يوجد هنا سياسة اغتيالات جديدة.
- تحول استعمال المسيّرات في الآونة الأخيرة إلى قضية سياسية حامية نسبياً، بعد حادثتين قُتل فيهما ضابط في الجيش وجندي من وحدة "مكافحة الإرهاب" خلال تبادُل إطلاق نار مع خلايا فلسطينية. في اليمين انتبهوا إلى أن هذه الأرض خصبة لنقاش شعبوي يسمح بإلحاق الضرر بهدفين سهلين بنجاعة-الحكومة، التي تترك سلامة المقاتلين، في رأيهم، والمستوى العسكري الرفيع الذي، في رأيهم، لا يصمد في مواجهة املاءات السياسيين. عملياً، الجيش توقف عن القصف الجوي في الضفة خلال الانتفاضة الثانية. هنا وهناك، تم استعمال مروحيات قتالية، وفي بعض الأحيان طائرات عسكرية، في محاولة لاغتيال مطلوبين. حتى اللحظة، لم تُستخدَم مسيّرات هجومية في الضفة، وتم استعمالها بالأساس في غزة.
- المنطق العملياتي وراء هذه السياسة كان بسيطاً. الاعتقال أفضل من الاغتيال، لأنه يسمح بالتحقيق مع المشتبه به والحصول منه على معلومات استخباراتية عن عمليات مستقبلية. الاغتيال عن بُعد صالح فقط في المناطق التي لا يستطيع الجيش العمل فيها بحُرية، وسيكون عليه المخاطرة جدياً بقوات كبيرة، بهدف اعتقال مشتبه بهم.
- في سنة 2005، ومع خمود الانتفاضة، أنهى غادي أيزنكوت ولايته كقائد لفرقة يهودا والسامرة. وفي وثيقة انهاء مهمته، وصف الوضع بصورة واضحة: استخدام بندقية إم-16 أفضل من استخدام طائرة إف-16. قدرة الجيش والشاباك على مفاجأة المطلوب في منزله، داخل مخيم اللاجئين في جنين أو القصبة في نابلس، تؤسس للردع الإسرائيلي تجاه "الإرهاب". من اللحظة التي استعادت فيها إسرائيل السيطرة الأمنية العملية على الأرض، لا توجد حاجة بعد إلى الاغتيالات من الجو. هذا يمكن اختياره فقط كخيار أخير، بغياب خيارات أُخرى.
- ما تغيّر مؤخراً كما يبدو، أكثر من التغيير على الأرض، يتعلق برؤية قائد هيئة الأركان. كوخافي سيُنهي ولايته بعد ثلاثة أشهر بالضبط، في الأول من كانون الثاني/يناير. ويعمل الآن على تعريف إرثه، وفي هذه الظروف يتخذ خطوات ذات شكل سياسي، كسفره إلى بولندا وفرنسا، حيث شدد على الحاجة إلى قتال إيران وحزب الله. هذه التسريبات التي لم يتضح مصدرها، يمكن التعامل معها على أنها ضرب للحكومة من اليمين. المراسلون لا يقولونها بوضوح، لكن المشاهدين والقراء سيفهمون لوحدهم المقصود: قائد هيئة الأركان مقاتل، والمستوى السياسي أقل منه.
- أمر مشابه حدث قبل عدة أشهر، حين نشرت القناة 13 أن كوخافي طالب، خلال ولاية نتنياهو الأخيرة، بميزانيات لتقوية الإمكانات العسكرية ضد إيران، وكان الرد سلبياً. وصف الحقائق صحيح، لكنه جزئي. قائد هيئة الأركان طلب مسبقاً من رئيس الحكومة السابق "صندوقاً خارجياً"، بما معناه زيادة خاصة على الميزانية بعدة مليارات من الشواكل. نتنياهو رفض، وصحيح أنه لم يعمل من اجل المحافظة على إمكانية الهجوم (على عكس ما صرّح به علنياً)، لكن كان لديه حينها مشكلات أُخرى فوق رأسه، وفي طليعتها الأزمة الاقتصادية التي رافقت الكورونا.
- استعمال المسيّرات في الضفة هو أمر موضع خلاف داخل الجيش. هناك ضباط يرون أنه توجد حاجة إلى قصف من الجو هناك. آخرون، يتخوفون من أن تأتي النتيجة عكسية: بالتدريج، ستبدأ إسرائيل بالتردد في إدخال القوات إلى عمق الضفة، وسيتحول كل دخول إلى مخيم لاجئين إلى حملة استخباراتية خاصة، بما معناه-بصورة عكسية، ستحصل التنظيمات الفلسطينية على حرية عمل كبيرة.
- وهناك أيضاً، طبعاً، سؤال الصلاحية. أشك في كون قائد هيئة الأركان مخولاً أصلاً اتخاذ هكذا قرار وحده، بشأن استعمال مسيّرات في الضفة. هذه مسألة سياسية وهي بيد الحكومة. إذا كان يجلس في مكتب الوزير شخص غير غانتس، شخص يقدّر ويحب كوخافي أقل منه، من المتوقع أن رئيس الأركان كان سيسمع منه أمس. لا أعرف مصدر المعلومات، لكن التقارير عن استعمال المسيّرات، على الأقل بالطريقة التي تم طرحها في القنوات الإعلامية، يبدو كتصريح من دون رصيد ولا صلاحية. في بداية ولايته، وعد كوخافي بتوضيح ما أُطلق عليه اسم "الجيش القاتل"، لكن يبدو هنا أن الحديث يدور عن علاقات عامة قاتلة.
تصويت مشروط
- أقوال قائد هيئة الأركان جاءت في ظل واقع مشتعل في الضفة، حيث تم تسجيل رقم قياسي موقتاً كما يبدو، مع قتل أربعة مسلحين فلسطينيين أول أمس صباحاً، خلال معركة مع قوات الجيش و"حرس الحدود" في مخيم جنين للاجئين. الجيش يستمر في نشاطه العنيف شمال الضفة، والدخول إلى داخل المدن والمخيمات هناك، يتحول في أكثر من مرة إلى تبادُل إطلاق نار واسع. الحكومة، وبصورة واضحة، لا تبحث عن حملة عسكرية واسعة في جنين قبل الانتخابات، لكن استمرار الأحداث يمكن أن يجرها إلى هناك. وفي الخلفية، من المهم الانتباه إلى التوتر المتصاعد في القدس تزامناً مع الأعياد ومع دخول اليهود إلى الحرم القدسي. "حماس" من غزة، تصب الزيت على النار بصورة مستمرة، على أمل اشتعالها أكثر، وإدخال إسرائيل والسلطة في أزمات.
- من الممكن أن يكون لهذه التطورات تأثيرها في السياسة الداخلية في إسرائيل. من الواضح جداً أن عملية عسكرية أكثر حدة في الضفة، وارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين، من الممكن أن تؤدي إلى تراجع نسبة التصويت لدى العرب في إسرائيل. هذه حقيقة معروفة لكل مَن يتابع ما يحدث في إسرائيل والضفة-من "حماس" والسلطة الفلسطينية، مروراً بالليكود، ووصولاً إلى "يش عتيد" والمعسكر الرسمي.