الولايات المتحدة صعّدت وتيرة تحرُّكها من أجل لجم الصين، وتتوقع من أصدقائها، وفي طليعتهم إسرائيل، التجند لمساعدتها في هذه المعركة
المصدر
  • كُتب الكثير عن أن الصراع مع الصين دفع الولايات المتحدة إلى التخلي عن منطقة الشرق الأوسط، كما أن تقليص الاتكال الأميركي على النفط المستخرَج من المنطقة قد سرّع هذه الوجهة. والآن، نحن في نقطة انعطاف ـ التدخل الصيني المتزايد في المنطقة يحتّم على الولايات المتحدة تعزيز مكانتها. وأكثر من هذا، ثمة دور مركزي لمنطقة الشرق الأوسط ولإسرائيل، من المنظور الأميركي، في المعركة التكنولوجية في مقابل الصين.
  • لقد حلّت الـ Tech War مكان الـ Trade Warمنذ زمن. وقد أدركت شركة "أبل" ذاتها أن الصين لا يمكن أن تشكل قاعدتها الحصرية لتركيب جهاز الآيفون، فشرعت في نقل منظومات التركيب إلى الهند. كما بحثت شركة "إنتل" إمكانية إنشاء مصنع جديد لإنتاج الشرائح الإلكترونية في الصين، لكنها سرعان ما عدلت عن الفكرة. قبل بضعة أسابيع، وقّع الرئيس جو بايدن قانوناً يقضي بضخّ 280 مليار دولار، للدفع قدماً بصناعات الشرائح الإلكترونية والأبحاث للتطوير التكنولوجي في الولايات المتحدة. وسيجري تخصيص الجزء الأكبر من الموارد لضمان التفوق الأميركي في مجالات الذكاء الاصطناعي، الروبوتية، والحوسبة الكمومية، وشبكات اتصالات الجيلين الخامس والسادس.
  • هذه هي أيضاً الخلفية لسلسلة الإجراءات التي أعلنتها الولايات المتحدة، سوياً مع حلفائها، بالتزامن مع زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط. لم يرِد في البيانات الرسمية أيّ ذكر للصين، لكنها كانت حاضرة جداً. لقد عززت الصين حضورها الاستراتيجي في الشرق الأوسط بواسطة استثمار مئات مليارات الدولارات في البنى التحتية التقليدية (الموانئ، على سبيل المثال)، وفي البنى التحتية المعلوماتية والتكنولوجية، بدءاً بالبنى التحتية الاتصالاتية، مروراً بكوابل الاتصال تحت المائية، وانتهاءً بمشاريع "المدينة الذكية" وغيرها. ولم يكن هذا غائباً عن أعين الولايات المتحدة.
  • ولئن كانت الولايات المتحدة اكتفت في السابق بممارسة الضغط على الدول الحليفة معها، وبينها إسرائيل، لتجنُّب الاستثمارات الصينية، إلا أنها اليوم تصعّد وتيرة تحرُّكها من أجل لجم الصين، وتتوقع من أصدقائها التجند لمساعدتها في المعركة ضد الصين. وفي هذا الإطار، على سبيل المثال، أعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة إطلاق مشروع مشترك لتطوير تقنيات اتصال من الجيلين الخامس والسادس، يهدف إلى إضعاف هيمنة شركة هواوي الصينية.
  • كما طولبت إسرائيل أيضاً بالتجند. عشية زيارة بايدن، أعلنت إسرائيل والولايات المتحدة إطلاق حوار استراتيجي بشأن التكنولوجيا، للدفع نحو تعاون ثنائي بين البلدين في مجاليْ البحث والتطوير التكنولوجيين على أعلى المستويات. الولايات المتحدة تريد أن تتجند إسرائيل للمساعدة في المنافسة مع الصين. وسيدور الحوار حول "إدارة المخاطر في منظومات الابتكار والتجديد"ـ وهي صيغة دبلوماسية لمنع تسرُّب التكنولوجيا الإسرائيلية إلى الصين.
  • ويضع البيان المشترك أيضاً الأسس المناسبة لإمكانية أن تكون إسرائيل مطالَبة بفرض قيود تصديرية على الصين. لكن هذا لا يعني أن هنالك "ثمناً" فقط، بل فرصة أيضاً لتعميق التدخل والاستثمارات الأميركية في الابتكارات الإسرائيلية.
  • لن يفتّ هذا في عضد الصين. فقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط حلبة مهمة جداً بالنسبة إلى بكين، أكثر من النفط بكثير. وقد تابعت الصين زيارة بايدن إلى المنطقة، ووجهت رسالة حادة ومباشرة إلى إسرائيل بعدم السماح بضغوط أميركية ترمي إلى المسّ بالعلاقات الصينية - الإسرائيلية. وينبغي الانتباه إلى أن هذا يحدث بعد التحسن الذي طرأ على الموقف الصيني تجاه إسرائيل، بفضل "اتفاقيات أبراهام".
  • ثمة أهمية كبيرة للعلاقات الجيدة مع بكين، بالنسبة إلى إسرائيل، وبصورة خاصة على خلفية ازدياد الفهم الإسرائيلي للحاجة إلى إدارة المخاطر في العلاقات المتبادلة مع الصين. لا شك في أن الخصومة الصينية ـ الأميركية ستضع المزيد من المعضلات أمام صنّاع القرار في القدس. كما ستواجه الدول، التي أصبحت شريكة لإسرائيل في الشرق الأوسط مؤخراً، تحديات مماثلة. وسيكون من الحري بها أن تتحاور بشأن هذا أيضاً.