هناك حل واحد لإنهاء الحرب، لكن نتنياهو لديه خطط أُخرى
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد 4 أسابيع من الحرب الصعبة، وفي الوقت الذي يحاصر الجيش غزة، ويفكك البنى التابعة لـ"حماس" بفاعلية، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تنجح في الاتفاق على سياستها إزاء اليوم التالي للحرب. لهذا الأمر أهمية قصوى، ذلك بأن خطوات الحرب تشتق من الهدف الاستراتيجي لها. الجيش لا يعمل في الفراغ، وعملياته يجب أن تكون مدعومة، حتى أنها تقوّي السياسات لليوم التالي للحرب. لا اتفاق بشأن هذه السياسات، ولذلك، فإن المعركة الأساسية تجري في القدس، وليس في غزة.
- أمام حكومة إسرائيل 3 خيارات، بعد أن قررت تفكيك "حماس" وقوتها العسكرية:
- إسرائيل تسيطر بنفسها على إدارة القطاع، والحفاظ على الأمن والقانون، وتفعّل منظومة التعليم والصحة، وتكون مسؤولة عن إعادة إعمار البنى التحتية المهدمة.
- تكتفي إسرائيل بإبادة القدرات العسكرية لـ"حماس"، وتسمح لها بأن تكون جهة ضعيفة، يمكنها أن تستمر كسلطة مدنية.
- تنهي إسرائيل حُكم "حماس" في غزة، وتبعد قياداتها الكبيرة، ثم تقوم بنقل إدارة السكان إلى جهة أُخرى. الحل يمكن أن يكون في قوة متعددة الجنسيات، تدمج السلطة الفلسطينية في إدارة القضايا المدنية.
- لا يوجد داعمون مسؤولون في إسرائيل للخيار الأول، باستثناء مجموعة صغيرة من المسيانيين، ولذلك، فإن المعركة تدور بين خيارين. الخيار الثاني، وهو استمرار سياسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال الـ14 عاماً الماضية، والتي تعززت بعد الحكومة الحالية. نتنياهو عمل على إحباط حل الدولتين، وأضعف السلطة الفلسطينية بشكل مقصود، فلم يمرر لها أموال المقاصة التي من حقها، وادعى أنها ليست شريكاً في المفاوضات. وفي الوقت نفسه، سمح بدخول الأموال لقيادات "حماس"، وقام ببناء قوة مواجِهة لقوة أبو مازن، حتى إنه منحهم ضمانات مختلفة في الترتيبات التي كانت تجري في نهاية كل جولة قتالية. ولو كان الأمر بيد نتنياهو وحده، لاستمر في سياساته اليوم أيضاً: كان سيتم ضرب "حماس" بقوة، لكنها كانت ستستطيع الاستمرار في تفعيل الحكم المدني في غزة، حتى لو كان الثمن جولة قتالية كل بضعة أعوام. الأساس، هو عدم تقوية السلطة الفلسطينية، وعدم مأسستها كقيادة في الضفة وغزة، من أجل الحفاظ على مقولة أنه لا يوجد عنوان واحد للمفاوضات - بشكل يمنع إقامة دولة فلسطينية.
- إلا إن نتنياهو وحكومة إسرائيل ليسا الوحيدَين في هذه المعركة. الولايات المتحدة انضمت إلى المعركة، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وهي تتدخل في إدارة القتال لتحاول منح الجيش الوقت اللازم، ولتؤثر في اليوم التالي للحرب.
- هذا ما يأخذنا إلى الخيار الثالث، الذي يدفع الرئيس بايدن نتنياهو إليه منذ 4 أسابيع تقريباً. الولايات المتحدة تدعم إسقاط النظام الحالي في غزة فعلاً، ولا تكتفي فقط بالتصريحات بشأن تفكيك "حماس"، والتي تُسمع منذ سنة 2009، المرة تلو الأُخرى، من دون رصيد. وبحسب هذا الخيار، يجب منح إدارة القطاع لجهة أُخرى، لأنه لن يكون هناك "حماس". الجهة الأكثر ملاءمة لهذه المهمة هي السلطة الفلسطينية، وبايدن طلب فعلاً أن يرى كيف سيتم دمجها في اليوم التالي. لكن من الواضح أن السلطة أضعف من أن تدير القطاع بعد 16 عاماً من سلطة "حماس"، وبعد حرب خلّفت أزمة إنسانية حادة. السلطة أيضاً لا يمكن أن يتم التعامل معها على أنها عادت إلى غزة بقوة الجيش. لذلك، يجب أن تكون هناك مرحلة انتقالية تعمل فيها قوات متعددة الجنسيات، وبتدخُّل من مصر والأردن، لفرض القانون والنظام في القطاع، في الوقت الذي تتحمل السلطة المسؤولية عن القضايا المدنية. وبعد مضي وقت، تقوّي السلطة قدراتها، وعبر مسار تدريجي، تتحمل مزيداً ومزيداً من المسؤوليات. هذا الخيار، حين تعود غزة لتكون تحت سيطرة رام الله، يحول السلطة إلى شريكة في حل الدولتين. هذا هو السبب الأساسي الذي يجعل حكومة إسرائيل تعارض هذا الخيار، حتى لو كان مدعوماً من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والمعسكر العربي المعتدل، ومن أغلبية المجتمع الإسرائيلي، وأغلبية قليلة في المجتمع الفلسطيني.
- منذ بداية الحرب، تعلن إسرائيل أن هدف الحرب هو إنهاء حُكم "حماس" وإعادة المخطوفين، إلا إن الولايات المتحدة تطالب بفهم كيفية تخطيط الحكومة للقيام بذلك بعد نهاية المعركة العسكرية. بدأ هذا بأسلوب مؤدب، عندما سأل الرئيس بايدن نتنياهو عن خطته لليوم التالي، وارتفع درجة أُخرى عندما انضم وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى جلسات المجلس الحربي، حتى إنه صادق على مسودة البيان الختامي للجلسة التي شارك فيها. والآن، انتهى الأدب. الولايات المتحدة لا تطلب من نتنياهو، ولا تقترح عليه البحث، بل تحدد له وللمجلس الحربي الخطوات الإنسانية التي يجب عليهما المصادقة عليها، ومتى ستكون الهدنة، وكيف يمكن تقليل الضرر بالمدنيين. ولا تزال تنتظر إجابات عن اليوم التالي.
- نتنياهو الذي أدار العام الماضي بشكل سيئ جداً، يفهم التعلق المطلق بالولايات المتحدة، ويميل إلى قبول مطالبها. التحدي الأكبر أمامه لا يزال إدارة جلسات الحكومة بشكل يسمح لبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير بإسماع مواقفهما، من دون أن يكون لهما أي تأثير في القرارات. لذلك، شكّل المجلس الحربي، حيث لا وجود لهما، ولا يُسمع صوت أيّ منهما. إلا إن ممثلي اليمين المتطرف لا يقبلون الوضع بخضوع، ويحاولون مقاومة الاستراتيجيا التي يتم صوغها لليوم التالي. سموتريتش لا يخفف معارضته إقامة دولة فلسطينية، حتى إنه قال مؤخراً إن الجيش سيبقى في غزة أعواماً طويلة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى بن غفير، وأيضاً الوزيرة أوريت ستروك التي تريد العودة والاستيطان في القطاع. ثلاثتهم يفهمون معنى إعادة السلطة إلى الصورة. إن لم تعد "حماس" موجودة في غزة، والسلطة تسيطر على المناطق الفلسطينية كلها، فهناك مَن يمكن التحاور معه. وفي نظرهم، هذا هو الخطر الكبير.
- في الحكومة وزراء يعتقدون أن إبادة "حماس" هي مهمة عسكرية فقط. هم مخطئون. "حماس" هي فكرة وأيديولوجيا. "حماس" هي حركة اجتماعية وسياسية، وتسكن في قلوب الناس. لا يوجد صاروخ ضد الفكرة. من أجل قتل فكرة "حماس"، يجب بناء بديل آخر والسماح له بالنمو. سابقاً، كان هذا البديل هو السلطة التي طرحت على الفلسطينيين دولة، عبر المفاوضات، وبالاتفاق مع إسرائيل. سياسات نتنياهو أعدمت هذا البديل، وحولت "حماس" إلى لاعب قوي. تفكيك "حماس" الآن، يحتاج إلى معدات اقتصادية وقانونية ودبلوماسية وإعلامية، وأيضاً عسكرية. الجيش يستطيع تفكيك كل منصات إطلاق الصواريخ، وإصابة مواقع القيادة، وقتل الأشخاص. إلا إن إضعاف "حماس" سياسياً وقطع مسار الأموال الخاصة بها - فهي ليست خطوة عسكرية.
- الولايات المتحدة وقفت بشكل فوري وواضح إلى جانب إسرائيل يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتدفع ثمناً اقتصادياً وسياسياً كي تسمح للجيش بحرية العمل المطلوبة. هذا بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة نشرت قواتها في الشرق الأوسط لردع أعداء إسرائيل والدفاع عن جنودها الموجودين في المنطقة. الرئيس بايدن يدفع ثمناً في أوساط ناخبيه في الحزب الديمقراطي، هذا في الوقت الذي يتنقل الوزير بلينكن بين دول الشرق الأوسط، محاولاً التوصل إلى تفاهمات داخل المعسكر العربي المعتدل بشأن خطوات إسرائيل في غزة. على الحكومة أن تقدّر هذه الخطوات، وألا تستخف بأهميتها. وعليها أيضاً أن تبدأ بإعطاء إجابات عن الأسئلة الأساسية في هذه المعركة. فمنذ 4 أسابيع، والولايات المتحدة تريد أن تفخّم السياسة الإسرائيلية ما بعد القتال، وحكومة إسرائيل تستصعب التوصل إلى اتفاق بشأن اليوم التالي. في حال لم تجِب إسرائيل عن أسئلة الولايات المتحدة خلال وقت معقول، بشكل يتماشى مع سياسات واشنطن، فإن صبر البيت الأبيض يمكن أن ينفذ. في هذه الحالة، سيكون على إسرائيل الخروج بقدراتها الذاتية من الوحل الذي دخلت فيه. الآن، الأميركيون يمنحون الخلافات مع إسرائيل بعداً علنياً. ففي أعقاب مقابلة أجراها نتنياهو مع قناة ABC وأوضح فيها أن "إسرائيل ستسيطر أمنياً على قطاع غزة لوقت غير محدود"، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن "غزة هي أراضٍ فلسطينية، وستبقى أراضي فلسطينية". صحيح أن بايدن سيعمل على المصادقة على حزمة مساعدات بقيمة 14 مليار دولار، ولن يتراجع، إلاّ إن الدعم السياسي وحفظ الشرعية للعمليات الإسرائيلية يمكن أن يتراجع ويختفي.
- نتنياهو يفهم هذا كله، إلا إن ائتلافه لا يزال يقف في طريقه. حالياً، يستمع رئيس الحكومة إلى أميركا، وليس اعتباطاً. فأكثر من المساعدة، لديه أسباب جيدة:
- الجميع كان يعلم
- نتنياهو كان يعلم، والحكومة كانت تعلم، والكابينيت كان يعلم أيضاً، ولجنة الأمن والخارجية كانت تعلم. جميعهم كانوا على عِلم بأنه من المتوقع اندلاع معركة ضد "حماس"، أو حزب الله قريباً، وأن الطرفين في حالة تنسيق فيما بينهما. وزير الدفاع يوآف غالانت أعلن، مرات عدة، أن الاستمرار في المسار التشريعي يدفع إسرائيل إلى "خطر واضح وفوري وحقيقي على أمن الدولة". ونتنياهو لم يقم بأي خطوة لتقليل الخطر، إنما اختار الدفع بالقوانين على الرغم من التحذيرات. الأميركيون الذين يعرفون المواد الاستخباراتية التي تم عرضها على نتنياهو، كان صعباً عليهم التصديق أنه يفضّل تماسُك الائتلاف على حساب أمن الدولة. صحيح أن أحداً لم يتوقع معركة يُقتل فيها 1400 إسرائيلي. نتنياهو أيضاً قدّر أن الحديث سيكون عن جولة إضافية مع "حماس" بثمن 100 من القتلى الإسرائيليين و1500 قتيل فلسطيني، وبتكلفة 2-3 مليارات شيكل. هل هذا الثمن معقول؟ نتنياهو لا يستطيع أن يقول للأميركيين "لم أكن أعلم".
- العلاقات مع الولايات المتحدة عشية الحرب
- العلاقات بين رئيس الحكومة والإدارة في واشنطن كانت الأسوأ تاريخياً. حكومة نتنياهو المتطرفة وخرق الوعود التي قطعها للرئيس، المرة تلو الأُخرى، كانت بمثابة استهتار في نظر البيت الأبيض، ولم تتم دعوة نتنياهو إلى لقاء بايدن على الرغم من المطالب المتتالية. الوزراء في حكومة إسرائيل اتهموا الرئيس الأميركي بأنه يدعم الاحتجاجات ضد الانقلاب الدستوري، ووزير الخارجية سخر من نائبة الرئيس، هذا بالإضافة إلى وزير آخر أوصى الأميركيين بالانشغال في قضاياهم. العلاقات كانت سيئة لدرجة أنها أثّرت أيضاً في مخزون سلاح الجو والجيش برمته. دولة إسرائيل مضت بعيون مفتوحة إلى معركة عسكرية، وهي غير جاهزة، ومن دون مساعدة أميركية فورية، من الصعب عليها إدارة الحرب. هناك أهمية عظيمة للعلاقات مع الولايات المتحدة من أجل حفظ الشرعية الدولية للعمل في غزة. وللحفاظ على هذا الدعم، نتنياهو يصغي إلى بايدن وبلينكن، وليس إلى سموتريتش وبن غفير.
- صفر تجهيزات
- على الرغم من أن الجميع كان يعلم، فإنه لم يكن هناك أي تجهيزات، تحضيراً للمعركة المتوقعة في مواجهة "حماس" وحزب الله. لم يتم تحضير الاقتصاد لساعات الطوارئ، ولم يتم تجهيز إجلاء عشرات آلاف الإسرائيليين عن منازلهم، كما لم يجرِ تجهيز النظام الصحي، ولا تحضير منظومة التعليم، هذا بالإضافة إلى أن المواصلات لم تتجهز للعمل في ساعات الطوارئ. والأسوأ هو حقيقة أنه لم يكن هناك أي تحضير اقتصادي. تم توزيع ميزانية الدولة بشكل فاسد، والموارد جرى توجيهها إلى أهداف غير لائقة، في الوقت الذي كانت تُسمع تحذيرات الحرب في آذان الوزراء. صحيح أن نتنياهو تمنى أن ينتهي كل شيء في جولة قصيرة في مقابل "حماس"، أو حزب الله، أو كليهما، لكن الحكومة لم تتجهز لهذا أيضاً. حزب الله الذي يخوض معركة مكبوحة حالياً تحت سقف الحرب، نجح في إجلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من البلدات الشمالية، ودفع إلى تجنيد جماعي لمئات آلاف المواطنين، وهو ما شلّ جزءاً كبيراً من اقتصاد الدولة، وهذا كله عبر أحداث موضعية ومحددة فقط. مَن توقّع أنه بهدف كبح حزب الله، سنحتاج إلى نشر حاملات طائرات أميركية على شواطئ إسرائيل، وتصريحات من رئيس الولايات المتحدة ووزير خارجيته؟ صحيح، الأميركيون يريدون في الأساس كبح إيران، إلاّ إن هذا الوضع في الجبهة الشمالية جعل نتنياهو مرغماً على الإصغاء إلى بايدن.
- مصالح الولايات المتحدة
- وقوف بايدن الفوري والواضح إلى جانب إسرائيل يجعله يدفع ثمناً سياسياً في أوساط ناخبيه في الحزب الديمقراطي. صحيح أنه لا يزال أمامنا عام كامل للانتخابات، لكن بايدن لا يتجاهل هذه القضية. هذا بالإضافة إلى أنه يجب التذكير بأنه يلتزم المصالح الأميركية أولاً. هذا هو الوقت الذي تتابع فيه الولايات المتحدة، بقلق، المحور الذي يتم صوغه بين روسيا وإيران وسورية، في الوقت الذي تدعمهم الصين، حتى إنها تزيد في تدخّلها في الشرق الأوسط. الرئيس الصيني قام بزيارة ناجحة إلى السعودية، وأن الصين كانت الوسيط في تجديد العلاقات بين السعودية وإيران. وبالنسبة إلى بايدن، من المهم جداً الحفاظ على السعودية في الموقع الصحيح، وهو يقوم بتعزيز محور يتضمن إسرائيل والسعودية ودول الخليج (اتفاقيات أبراهام) تحت المظلة الأميركية. بايدن غير معني بمواجهة إقليمية تمنع الصفقة مع السعودية، ويتوقع من نتنياهو أن يساعده في إدارة واعية للحرب مع "حماس"، وفي الجهود لمنع توسّع المعركة في الشمال.
- تحرير المخطوفين
- تحرير المخطوفين مهمة لها أهمية قيمية عليا، وهي تكثيف التزام الدولة تجاه مواطنيها. وليس اعتباطاً، تم وضع تحرير المخطوفين كأحد أهداف الحرب. الحديث يدور حول مهمة مركّبة لكل حكومة، ولا شك في أن هذه الحكومة فاقدة للخبرة والكفاءات والعلاقات الدولية والعمق المطلوب للتعامل مع مهمة مركّبة إلى هذا الحد. هناك أصوات في الحكومة تشكك في أن مهمة تحرير المخطوفين على رأس سلّم الأولويات، وهناك مَن سأل: هل دماؤهم أهم من دماء جنود الجيش؟ الافتراض أنه يمكن تحرير جميع المخطوفين في مقابل جميع الأسرى غير صحيح. حتى لو وافقت إسرائيل على تحرير جميع الأسرى الأمنيين، وضمنهم هؤلاء الذين اعتُقلوا يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، "بعد أن قتلوا مدنيين، واغتصبوا وذبحوا أشخاصاً في أسرّتهم"، فلن يكون هذا كافياً لتحرير جميع المخطوفين، ولن يكون هناك صفقة تترك بيد إسرائيل حرية ملاحقة قيادات "حماس". ببساطة، لن يوافقوا على صفقة كهذه. ولذلك، يجب بحث حلول كتلك التي تم التوصل إليها في سنة 1982، عندما سُمح لعرفات و"فتح" بالخروج من بيروت، أو كما جرى في سنة 2002، عندما تحصنت مجموعة من "الإرهابيين" في كنيسة الميلاد، وتم طردها إلى غزة، أو الخارج، ولم يعد أعضاؤها إلى بيوتهم. يجب أن يتم دمج مصر وقطر ودول أُخرى في حل قضية المخطوفين. هذا أكبر من حكومة نتنياهو. سيكون للولايات المتحدة وظيفة مركزية بالتعامل مع قضية المخطوفين، أكثر مما لديها الآن، وستتعزز كلما اقتربنا من التوصل إلى حل.
- سياسات الحكومة
- حتى قبل الحرب، عبّرت الولايات المتحدة عن قلق عميق من تركيبة الحكومة الحالية. فمن وجهة نظر أميركية، نجحت أقلية صغيرة في إسرائيل في السيطرة على الحكومة عبر ممثليها المسيانيين، وفي فرض سياسات استفزازية ترفع حدة الاحتكاك بالفلسطينيين وتؤجج الميدان. تصريحات بن غفير وتوجيهاته بخصوص الأسرى، بالإضافة إلى زيارات المسجد الأقصى وتشجيع "شبيبة التلال" على مواجهة الفلسطينيين، وكذلك الخيمة في حوارة والعودة إلى "حومش" والحديث عن العودة إلى غزة، أمور كلها تضع المصالح الأميركية في المنطقة أمام الخطر، وضمنها "حل الدولتين". تم الاهتمام كثيراً بخطة سموتريتش الذي يريد نقل مليون إسرائيلي إلى الضفة الغربية لإحباط حل الدولتين. وهو ما يخطط له عبر تشجيع اقتصادي - لذلك طلب أن يكون وزيراً للمالية؛ هذا إلى جانب أوامر بتوسيع الاستيطان - لذلك، جرى تعيينه وزيراً لشؤون الضفة في وزارة الأمن. سياسة الحكومة تتناقض مع سياسة الولايات المتحدة، والآن، على نتنياهو الاختيار بين "قوة يهودية"، أو قوة أميركية. نتنياهو اختار.
- يبدو أن الأمل الكبير يولد من قاع البئر: وقف سياسة الكذب بشأن تفكيك "حماس" والحفاظ عليها كسلطة تقزّم السلطة، وتمنع التقدم في مسار سياسي. يمكن أن تكون هذه هي نهاية الـ14 عاماً من سياسة الجولات التي أدت إلى آلاف القتلى وتبذير المليارات، من أجل العودة إلى الوضع كما كان عليه قبل الجولة. يجب أن ينتهي هذا، ومن هنا تنبع أهمية اليوم التالي.
- خيار الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب حكومة إسرائيل من دون تحفّظ، تفهّمته مصر والأردن بسبب رفضهما المذبحة التي نفّذتها "حماس"، لكن مع تقدّم المعركة، اندلعت هناك احتجاجات ضد العدوان الإسرائيلي على غزة. للأردن ومصر دور مركزي في استقرار الواقع في اليوم التالي، ولذلك، توجّه بلينكن إلى الأردن بعد لقاء نتنياهو يوم الجمعة الماضي. وفي عمّان، واجه بلينكن طلباً واضحاً من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بـ"وقف الجنون". وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي كان موجوداً في اللقاء، طالب بـ"وقف فوري لإطلاق النار من دون شروط مسبقة". بلينكن رفض هذه المطالب وتمسّك بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لكنه أيضاً شدد على أن الأمر يجب أن يتم عبر "تقليل الضرر بالمواطنين". الضغوط العربية يمكن أن تؤثر في موقف الولايات المتحدة، وهي تتوقع من إسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار مصر والأردن في اليوم التالي، وتحافظ على المعسكر العربي المعتدل.
- لذلك، توضح الولايات المتحدة أن الحرب لا يمكن أن تستمر إلا إذا سمحت إسرائيل بهدنات إنسانية وإدخال غذاء ودواء إلى القطاع، بالإضافة إلى تقليل الضرر بالمدنيين، وصوغ خطة مقبولة للّحظة التي تتوقف فيها المدافع. وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، الذي يمتد من إرسال القوات إلى المساعدات بالمليارات، ليس مضموناً إلى الأبد. سيكون من الجيد أن يقوم نتنياهو بقيادة حكومته للاتفاق سريعاً بشأن اليوم التالي.
الكلمات المفتاحية