الجيش الإسرائيلي يحقق إنجازات في الميدان، لكن الطريق أمامه لا تزال طويلة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • مرّ ما يزيد عن الأسبوع بقليل منذ بدء الهجوم البري الذي نفّذه الجيش الإسرائيلي ودخوله إلى أعماق مدينة غزة في القطاع. يمكن في هذه المرحلة الإشارة إلى أن شيطنة مقاتلي حركة "حماس"، ومن جهة أُخرى، التخويف من عدم أهلية الجيش الإسرائيلي، وعدم امتلاكه القدرة على المناورة، قد ثبت عدم صحتها، وأنها لا تعدو كونها أقوالاً تخويفية صادرة عن الجنرال بريك [الذي حذّر منذ وقت طويل من عدم جاهزية سلاح البر] الساعي دائما لتصدُّر عناوين الصحف، كما ثبت أن مشورته المقدمة إلى رئيس الحكومة لم تكن تنطوي على مسؤولية، وساهمت في تغذية واقع الرعب وانعدام القدرة على القيادة.

 

  • ها قد تبيّن أن حركة "حماس" ليست هي الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية. صحيح أن مقاتلي الحركة حضّروا الميدان بعناية فائقة منذ عقد أو أكثر من الزمن، وصحيح أنهم نجحوا في مباغتتنا بالهجمة التي تُعد نتائجها من ضمن أسوأ ما عرفناه، وخصوصاً في ظل إخفاقنا في مسألة انعدام جاهزيتنا. لكن، في اللحظة التي عاد الجيش الإسرائيلي إلى نفسه، وبدأ بالعمل بصورة منظمة وحازمة، سواء في الدفاع وصد الهجوم، أو في الهجوم والتوغل إلى قلب قطاع غزة، عادت الأمور إلى نصابها.

 

لقد أدركت "حماس" أخيراً الورطة التي أوقعت نفسها فيها

  • يستفيد الجيش الإسرائيلي بصورة كبيرة من المعلومات الاستخباراتية الممتازة، وقدرته على إطلاق نيران دقيقة، وتكنولوجيا المعلومات المعقدة، والتكامل المتناغم في القتال: وهي قدرات بُنيت طوال السنوات الماضية، بالذات من أجل تحقيق التفوق والقدرة على الإبادة في الحالات المعقدة التي تشبه الوضع القائم. إن نسبة الإضرار بـ "المخربين"، بعد الثمن الهائل الذي تكبّدناه في الضربة الأولى، غير قابل للمقارنة، وعزيمة الجنود والضباط تطاول السماء، إن قائد المنطقة ورئيس هيئة الأركان يخوضان الحرب، ولديهما الأرجحية، أما وزير الدفاع يوآف غالانت، فهو يوفر الأمان الكبير للقيادة الأمنية، في حين أن الوزير غانتس يوفر قدرات قيادية عالية واطمئناناً في عمل جميع المنظومات.
  • أما دفاعات "حماس"، من ناحية أُخرى، فهي تصاب بضعف متزايد. بمجرد أن ساءت الأمور، وتوقف مقاتلو الحركة عن العمل بموجب خطتهم الهادفة إلى ضرب مناورة الجيش الإسرائيلي الذي غيّر هدفه وجميع مخططاته وفقاً لهذا التغيير، وفي كل يوم يمر على الأرض، وعلى الرغم من قيام هؤلاء بالإغارة لفترات زمنية قصيرة من أجل الاشتباك، فإنهم يختارون تقليص اشتباكهم مع الجيش الإسرائيلي، وينتقلون إلى وضع الحفاظ على البقاء والاختباء. ذلك بأنهم أدركوا أخيراً أن وجودهم على الأرض بات محدوداً زمنياً، وبدأت نشوة السنوار بالتلاشي أمام المأزق الواضح الذي جلبه الرجل لنفسه.
  • تكتيكياً، استندت حركة "حماس" إلى 4 مستويات قتالية: مستوى المنطقة المبنية العلوية والأفقية،  ومناطق تدمير خُطط لها مسبقاً، والبعد التحت أرضي الذي يمكنهم المناورة فيه من دون أن يتعرضوا للقصف من الجو. في اللحظة التي استكمل الجيش الإسرائيلي إزالة  المستوى المبني، وبدأت المناورة من خارج القطاع نحو قلبه، تزعزعت تكتيكات "حماس" الدفاعية. صحيح أن حطام المباني يراكم المصاعب أمام المناورة الإسرائيلية، لكنها تسهّل جداً عملية الإبادة الأفقية، ومن الجو.

 

ما الذي سيحصل تالياً في الميدان؟

  • تهدف الحرب الآن إلى الحؤول دون تنفيذ المناورة التحت أرضية. يقوم الجيش بتنفيذ ذلك من خلال إغلاق وتفجير فوهات الأنفاق، لكن، في لحظة القضاء على الشرايين الرئيسية للأنفاق التحت أرضية، سينتهي بسرعة البعد الأخير الذي يتيح لقوة "حماس" العسكرية القدرة على البقاء، باستثناء ما هو موجود في المستشفيات التي يجب تدميرها، مع ما تحويه تحتها، مع كل التعقيد الكامن في هذا الأمر.
  • هنا تتمثل مشكلتنا الأساسية في الوقت، فالتدمير الكامل للبنى التحتية في غزة الكبرى، ومعالجة مسألة جنوبي القطاع، يتطلبان وقتاً كثيراً، ويجب علينا أن ندرك أننا لا نملك الوقت المطلوب من أجل القضاء على البنى التحتية كلها. من يمسك بمفتاح الوقت هي الولايات المتحدة، وهناك شكوك كبيرة فيما إذا كان بايدن سيقبل الدخول في كانون الثاني/يناير المقبل إلى حملته الانتخابية، وعلى كتفيه صورة كارثة إنسانية في قطاع غزة، وهي منذ الآن، تؤدي إلى تدني شعبيته. على الجيش الإسرائيلي إعادة التفكير في مخططاته، وإعادة تحديد أولوياته.

 

التزام أخلاقي: يحظر الخروج من القطاع من دون المخطوفين

  • الظل الثقيل الذي يخيم فوق هذه الحرب بأسرها، هو ظل الخوف على مصائر المخطوفين، أولئك الذين أخفقنا في حمايتهم، والذين خُطفوا أمام ناظرينا. إن كان هناك أمر يجب أن نكون واضحين فيه، فهو أن الجيش الإسرائيلي لن يخرج، تحت أي ظرف، من دون أن يكون المخطوفون معه. وقد سُئلتُ في السابق عمّا إذا كان هذا شعاراً فارغاً، فأجبت بإصرار أن الأمر ليس كذلك. بعد سلسلة الإخفاقات المتعلقة بالردع، والدفاع، والحؤول دون تنفيذ المجزرة، والإخفاق الذي أتاح خطف المواطنين الـ 240، لا توجد أي طريقة، في الوقت الذي يقوم الجيش الإسرائيلي باحتلال قطاع غزة ويصل إلى أي نقطة فيه، أن يعود من دون المخطوفين. ومع كل ما تحويه أهمية القضاء على حركة "حماس" بصورة جذرية، فإن هذا أمر لا يقارَن بالواجب الأخلاقي الأعلى المتمثل في استعادة الأطفال والنساء والعجائز والجنود إلى بيوتهم، بغض النظر عن الوقت الذي سيستغرقه ذلك. إننا لن نكون قادرين على العيش مع عارنا، وأن نرفع رؤوسنا مجدداً، من دون استعادتهم.

 

الحل المتعلق بـ "اليوم التالي للحرب"

  • إن مفتاح الاستمرار والحصول على الوقت الإضافي العملياتي اللازم، يتمثل في بناء حزام أمني داخل قطاع غزة، على امتداد الحدود، وبتر القطاع إلى عدة شرائح. يتمثل الأمر في إقامة حزام أمني يمكن للجيش الإسرائيلي البقاء فيه طوال السنوات المقبلة، وأن يواصل من هناك أيضاً إبادة مَن تبقى من حركة "حماس" ، ممن يطلّون برؤوسهم في القطاع، وأن يوفر الأمان للبلدات الإسرائيلية. أنا لا أستطيع أن أتصور سكان بلدات "غلاف غزة" عائدين من مخيماتهم الموقتة إلى منازلهم، وهو هدف قومي بحد ذاته، من دون أن يتمكن هؤلاء من رؤية تغيير كبير في استعدادات الجيش الإسرائيلي، وفي الحماية المتوفرة لهم. والحزام الأمني هو التغيير المنشود.
  • في اليوم التالي للحرب، ربما لن يكون هناك عنوان نسلّمه القطاع. البدائل هنا ليست كثيرة، وهو ما قد يعني أن المسؤولية قد تُلقى على عاتق إسرائيل، أو أن السلطة الفلسطينية، بمساعدة من الأميركيين والمصريين، ستتولى هي المسؤولية. للأسف، الحكومة الراهنة، ستضطر إلى أن تعاود مجدداً العثور على طريقها بين الشعارات التي أطلقتها، وبين ما يتيحه الواقع، ولعلها تحسن صنعاً إذا ما سارعت إلى ذلك، لأن حالة القطاع في اليوم التالي للحرب ستكون سيئة، وإن سقطت المسؤولية على أكتافنا، فسيكون الحال سيئاً جداً.