بين جبهتَي الجنوب والشمال تتطور جبهة ثالثة مثيرة للقلق الشديد في الضفة الغربية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتبادُل إطلاق النار على الحدود الشمالية، يحظيان بأكبر قدر من الاهتمام العام والرسمي. لكن بين الشمال والجنوب، تدور حرب أُخرى، صحيح أنها محدودة النطاق، لكنها تنطوي على إمكان اشتعال وتداعيات لا تقل خطراً: منذ بداية الحرب، قُتل في الضفة الغربية عشرات الأشخاص.
- وفق وزارة الصحة في رام الله، منذ بداية الحرب، قُتل 210 أشخاص، وجُرح أكثر من 2800، وسقط هذه الليلة قتيلان آخران في الضفة الغربية. في إسرائيل، يقولون إن العدد الأكبر من القتلى "من المطلوبين المتورطين بالإرهاب"، لكن المجتمع الفلسطيني لا يفرّق بينهم، ويعتبر كل حادثة قتل خطوة إضافية نحو التصعيد في شتى أنحاء الضفة. وحتى قبل الحرب، وقعت حوادث في شمال الضفة في نابلس وجنين، ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، لا توجد مدينة، أو مخيم لاجئين، لم يشهدا مواجهات واشتباكات.
- بالإضافة إلى ازدياد عدد القتلى والجرحى، نشهد ارتفاعاً دراماتيكياً في عدد المعتقلين، بما في ذلك القدس الشرقية التي وصل عدد المعتقلين فيها إلى 3000 معتقل. وتشير إدارة الأسرى الفلسطينيين إلى أن هذا العدد الكبير خلال فترة زمنية قصيرة، لم تشهد مثيلاً له منذ الانتفاضة الثانية. لقد وُجهت أوامر اعتقال إداري ضد أغلبية المعتقلين، من دون أن يكون هناك نية لتحويلهم إلى المحاكمة.
- يجب أن نضيف إلى ذلك، الهجمات اليومية التي يقوم بها المستوطنون الذين يفرضون وقائع على الأرض، ويضايقون الفلسطينيين على الطرقات وفي الأراضي الزراعية، بدعم من المستوى السياسي. وبخلاف غزة ولبنان، حيث تواجه إسرائيل عدوّين محدّدين، هما "حماس" وحزب الله، فإن الصورة في الضفة أكثر تعقيداً بكثير.
- تقوم إسرائيل بعمليات إحباط واعتقالات في عمق المدن الفلسطينية، وفي مخيمات اللاجئين، تشمل إدخال وسائل قتالية جديدة، مثل إطلاق النار من الجو، والقتال ضد مسلحين موجودين وسط السكان المدنيين، يحظون بتقدير كبير منهم على صعيد الوعي، وخصوصاً وسط جيل الشباب.
- وفي الواقع، إن جزءاً من القتلى والمطلوبين ينتمي إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويتماهى مع "فتح"، الحركة السياسية التي تنتمي إليها أغلبية القيادة في السلطة الفلسطينية، التي كانت الأغلبية في إسرائيل تعتبرها، حتى قبل الحرب، لاعباً لا أهمية له، وفجأة، بدأوا يذكرونها كبديل افتراضي في اليوم التالي للحرب.
- لا تملك إسرائيل خطة لليوم التالي للحرب في غزة، وباستثناء "تدمير حماس"، هي لا تعرف مَن سيحكم القطاع. لكن يجب أن نتذكر أن الوضع في الضفة لا يقل خطورةً وتعقيداً. في إسرائيل، يستطيعون الاستمرار في سحق القطاع، تحت شعار "ملاحقة "حماس"، وحراثة الضفة، تحت شعار "محاربة الإرهاب"، لكن في هذه الأثناء، يجب أن نفهم أنه باستخدام القوة ومزيد من القوة، لن يبقى أفق لأي طرف. بسقوط كل قتيل، سينمو جيل شاب من الفلسطينيين الذين يعتبرون أنفسهم مقاتلين، دفاعاً عن الحرية، وسينضمون إلى الصراع ضد إسرائيل.
- أي حسم، أو تقليص لأموال الضرائب التي تستخدمها إسرائيل كحركة عقابية، سيدق مسماراً جديداً في نعش السلطة. أي مصادرة للأراضي من أجل بناء بؤرة استيطانية، وكل إغلاق، أو حصار، وكل تقليص لمجال الحياة المدنية، سيغلق نافذة الأمل بالتغيير. بعد شهر ونصف على الحرب، يجب على أحد ما في إسرائيل أن يدرك أن مزيداً من الهجمات والقوة، سيؤدي فقط إلى زيادة الغضب والإحباط وسط جيل آخر من الفلسطينيين.
- في إسرائيل، يكثرون من الحديث عن 7 تشرين الأول/أكتوبر، كصدمة ستؤدي إلى تغيير جوهري اجتماعي وسياسي، والسؤال ما هو التغيير الذي يريدونه في إسرائيل؟ إن المجتمع الذي يتطلع إلى تغيير من أجل الأفضل، يجب عليه النهوض من أزمته والتفكير في الواقع. حتى بعد تدمير "حماس" وشلّ السلطة الفلسطينية، الشعب الفلسطيني لن يتبخر- لا في قطاع غزة، ولا في الضفة الغربية.