انهيار مفهوم المركز الثنائي: السياسة تواجه تغيّراً جذرياً
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • فقد العمل السياسي الإسرائيلي، منذ سنة 2009، بوصلته الأيديولوجية، وصار مركّزاً على نتنياهو. العمل السياسي الإسرائيلي أصبح كناية عن سياسة تركز على نتنياهو. وتحوّلت سياسات الأحزاب، جميعها تقريباً، إلى الاقتصار على ثنائية "فقط بيبي لرئاسة الحكومة"، أو "فقط أي شخص آخر رئيساً للحكومة غير نتنياهو". إن جميع التكتلات السياسية ارتكزت، منذ ذلك الحين، على أساس الموقف من بنيامين نتنياهو، في حين دارت جميع الحملات الانتخابية حول هذا الموضوع، لا غير.
  • تحوّلت الأحزاب التي فضّلت رؤيا "دولة اليهود" على رؤيا "أرض إسرائيل الكاملة"، جميعها، إلى سياسات تركّز على نتنياهو، ولا مثال أوضح من التيار السياسي الذي يطلق على نفسه اسم "المعسكر الرسمي" لضرب مثال للأمر. في هذا المعسكر، يمكننا من جهة، أن نجد غادي أيزنكوت، الذي يصرّح بأن علينا الانفصال عن الفلسطينيين، وأن علينا تعزيز السلطة الفلسطينية، ومن جهة أُخرى، نرى في هذا الحزب أعضاء يقدسون قيمة "أرض إسرائيل الكاملة"، وضمنهم جدعون ساعر وزئيف إلكين، اللذان كانا ينتسبان إلى التيار المتطرف في الليكود. أما قمة هذه الخلطة الأيديولوجية العجيبة، فتتمثل في ماتان كاهانا، الذي ينتسب إلى التيار النازي في حزب "يمينا".
  • العمل السياسي الذي يصب اهتمامه على نتنياهو وصل إلى ذروته، عندما أُلّفت "حكومة التغيير" برئاسة نفتالي بينِت، وهو بينت نفسه الذي وصف حزبَي "العمل" و"ميرتس" [اليساريين] بالـ "فاشيين" قبل ذلك بوقت قصير [ثم قام بضمّهما إلى تشكيلته الحكومية بعد ذلك]. وهو بينت نفسه الذي شغل منصب رئاسة مجلس يهودا والسامرة وغزة [المجلس الأعلى للمستوطنين]، وهو الشخص نفسه الذي اقترح، قبل وقت قصير من تأليف "حكومة التغيير" هذه، ضمّ معظم أراضي الضفة الغربية، بجميع مَن يسكنها من الفلسطينيين، إلى "دولة إسرائيل".
  • الشخصية الثانية الأهم في حزب يمينا، هي أييلت شاكيد، التي وعدت بأن تقف بقوة ضد المحكمة العليا، رغماً عن أنف المعسكر "الليبرالي" [شريكها المستقبلي في حكومة التغيير]. أمّا مَن شغل منصب وزير المالية في حكومة التغيير فهو أفيغدور ليبرمان، الذي أسبغ عليه اليسار الإسرائيلي توصيفات "فاشي" و "المبشر بالترانسفير"، وهو الرجل نفسه الذي قالت عنه زهافا غالؤون [رئيسة حزب ميرتس] بأنه "واحد من الساسة الأكثر فساداً في ’دولة إسرائيل‘"، ودعت المستشار القضائي للحكومة إلى المباشرة بتحقيق جنائي ضده [ليتحالف، تالياً، في إطار حكومة التغيير].
  • لقد نجحت هذه الخلطة السياسية العجيبة في التوحد على أساس ذاك المبدأ الـ "أيديولوجي" المدان: يجب أن يكون رئيس الحكومة أي شخص بخلاف نتنياهو. ولهذا الغرض، قامت جميع أحزاب "التغيير" بإهمال جميع مبادئها الأيديولوجية (باستثناء الأحزاب التي لم يكن لديها أصلاً مبادىء).
  • في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، انهارت فرضية "التعايش مع حركة حماس"، وهي الفرضية التي أيّدتها، بالمناسبة، أحزاب اليسار واليمين الإسرائيلي جميعها. لكن ثنائية "لا أحد يجب أن يشغل منصب رئاسة الحكومة سوى نتنياهو"، و"يجب أن يستلم رئاسة الحكومة أي شخص ما عدا نتنياهو"، التي عشنا معها أكثر من عقد من الزمن، انهارت وتحطمت على أرض الواقع السياسي الجديد. لقد بات من الواضح للجميع (باستثناء نتنياهو ربما)، في ظل المنظومة السياسية، أن نتنياهو لن يتمكن من الصمود بعد ذلك الإخفاق الذريع في "مجزرة" عيد "سمحات توراة". يتحمل نتنياهو مسؤولية مزدوجة عن ذلك الإخفاق: فهو يتحمل، أولاً، مسؤولية وزارية، بصفته رئيس الحكومة في وقت "المجزرة"؛ ثانياً، هو يتحمل المسؤولية عن الفرضية التي رأت في حركة "حماس" مكسباً، وفي السلطة الفلسطينية عبئاً، وهي الفرضية التي كان هو مسؤولاً عنها طوال فترة حكمه.
  • ادّعى دافيد بن غوريون أن الصهيونية تقف أمام خيارين: إمّا دولة ذات أغلبية عربية في "أرض إسرائيل الكبرى"، وإمّا دولة ذات أغلبية يهودية، في جزء من "أرض إسرائيل". وكما هو معروف، لقد اختار بن غوريون دولة يهودية ديمقراطية، بدلاً من حلم "أرض إسرائيل الكبرى"، وحوّلت رؤياه هذه الحلم الصهيوني إلى واقع. والآن، بعد انهيار الفرضية المتركزة حول نتنياهو، فإن المواجهة السياسية في إسرائيل يجب أن ترتكز على التوتر القائم بين "الدولة اليهودية الديمقراطية"، وبين "أرض إسرائيل الكاملة"، وهي الفرضية السياسية القديمة والصحيحة نفسها، التي كانت قائمة حتى سنة 2009، والتي يجب العودة إلى تبنّيها.
  • هناك مَن تمكن الآن، في المنظومة السياسية القائمة، من إدراك ذلك كلّه، لكن هؤلاء موجودون في معسكر "أرض إسرائيل الكاملة". فجدعون ساعر، مثلاً، انتقل من كراهيته المرضية الاستحواذية تجاه نتنياهو، إلى التخلي عن الإصلاح القضائي الممتاز الذي اقترحه في إطار "خطة ساعر لإصلاح النظام القضائي"، والتي شارك تحت رايتها في تشكيل حكومة مع حزبَي "ميرتس" و"القائمة العربية الموحدة"، لمصلحة تجدُّد تلك الصداقة الرائعة مع رئيس الحكومة. لقد عاد ساعر ليشغل منصب المستشار المفضل لنتنياهو. هذه أيضاً حال ليبرمان، الذي ركّز جهوده في السنوات الماضية [خلال فترة ولاية "حكومة التغيير"] على الصراع مع فئة المتدينين الحريديم، أكثر من قتاله ضد الفلسطينيين، وها هو الآن يُخرج من الدُّرج القديم، جميع مواقفه السياسية والأمنية المتطرفة التي كان يتبناها قبل انضمامه إلى معسكر التغيير.
  • لقد عاد معسكر "أرض إسرائيل الكاملة" إلى ترويج مواقفه الحقيقية: العودة إلى السيطرة على قطاع غزة؛ تقويض السلطة الفلسطينية؛ ضم الضفة الغربية؛ السيطرة على حياة 5 ملايين فلسطيني، وإنشاء دولة أبارتهايد ثنائية القومية تمتد ما بين البحر والنهر. ولم يأتِ من فراغ أن نتنياهو والتيار اليميني يخوضان الآن حملة تقول إن السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" مصنوعتان من الطينة ذاتها (ومن اللائق، هنا، أن نذكّر بأن نتنياهو اقترح قبل ثلاثة أشهر فقط، تعزيز السلطة الفلسطينية).
  • خلال الحرب، بات الليكود يعود إلى قناعاته الأيديولوجية القديمة والسيئة، بالتدريج، لكننا أصبحنا في المقلب الآخر، سياسياً، نشهد خواءً أيديولوجياً هائلاً. إن القضية الفلسطينية، سواء في الحكومة، أو مجلس الكابينيت، تدار على أساس الدولة الثنائية القومية التي يريدها نتنياهو وسموتريتش، من دون أن ينبس بني غانتس وأيزنكوت ببنت شفة. بل إن رئيس المعارضة يائير لبيد لا يقوم بطرح أي بدائل سياسية واضحة من السياسات الحكومية في هذا المضمار.

علينا التحدث بلغة بن غوريون

  • ها قد وصلت السياسة التي تصبّ تركيزها على نتنياهو إلى نهاية مسارها التاريخي، وها هي المسألة السياسية القديمة والصحيحة تعود إلى مركز الصدارة، حتى لو لم يدرك ذلك معسكر إسرائيل الديمقراطية ذات الأغلبية اليهودية. هذه هي المسألة الوجودية. وكل مَن يوهم نفسه بأنه يمكننا التحكم في حياة 5 ملايين فلسطيني من دون أن نمنحهم الحقوق، يعيش في الوهم. ففور رحيل أبو مازن، من المتوقع جداً أن تنهض قيادة فلسطينية جديدة تطرح على إسرائيل مطلب "One man, one vote"، وهو مطلب سيحظى بدعم واسع في أرجاء العالم.
  • بناءً على ما تقدم، فإنني أفترض أن علينا، خلال الدورة الانتخابية المقبلة، التي أتوقع أن تكون في سنة 2024، العودة إلى رفع الشعارات القديمة: سيتحدث الليكود ومَن يدور في فلكه عن الضمّ الفعلي لقطاع غزة والضفة الغربية، بمن يعيشون فيهما من فلسطينيين، أما المعسكر المضاد، فسيكون عليه العودة إلى التحدث بلغة بن غوريون، عن الخيار الذي تواجهه إسرائيل والذي يحتّم عليها الاختيار بين دولة ثنائية القومية وبين دولة ديمقراطية لليهود. لكن غانتس وأيزنكوت ولبيد، يختارون الآن دفن راية الدولة اليهودية الديمقراطية عميقاً تحت الرمال. فإذا واصل هؤلاء الثلاثة التصرف على هذا النحو، فلن يمكننا عندئذ اعتبارهم سوى نسخة أُخرى من حزب الليكود.