وقف القتال في مقابل إعادة الرهائن في قيد الحياة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • القتال في غزة، في البدء في شمال القطاع، والآن، في قلب المنظومة العسكرية لـ"حماس" في خان يونس، صعب واستثنائي. هذه محاولة لإيجاد التوازن الصحيح بين الإنجاز العسكري المطلوب، اغتيال مقاتلي "حماس" وهدم البنى العسكرية والمدنية للتنظيم، وفي المقابل جهود قصوى لتقليل عدد القتلى في صفوفنا، وتقليل عدد الضحايا الذي لا يمكن تفاديه من أوساط سكان غزة، الذين لا دخل لهم بـ"الإرهاب".
  • بعد شهرين من القتال، يمكن القول إن هذا الجهد العسكري يتم بشجاعة لافتة من جيل جديد من الضباط والمقاتلين. وبالتدريج، أحياناً ببطء مقصود، تتقدم الوحدات المقاتلة، وتكشف عن أنفاق مخفية، وتفكك مراكز قتالية موجودة داخل مساجد ومدارس، وتُضعف قدرة صمود "حماس".
  • كان هناك مَن تخوّف (وأنا منهم) من عدم جاهزية القوات البرية الإسرائيلية، وذلك بسبب الفشل سابقاً، بدءاً من حرب لبنان الثانية، وصولاً إلى الأحداث في قطاع غزة خلال السنوات الماضية. الآن، يمكن القول إن الجيش، تحت قيادة رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، يعمل بمهنية وتنسيق استثنائي بين القوات البرية وذراع الجو، ويرافقه دمج استخبارات استثنائي أيضاً خلال القتال، ويمرر للقوات المناورة، ويساعد على الحسم في مناطق القتال.
  • الحرب ضد تنظيم "إرهابي" يبني مراكز قيادته داخل الأماكن السكنية هي الأصعب، ومركّبة، وللأسف، أيضاً دامية أكثر بسبب المواجهة المباشرة بين القوات البرية، أو المعارك الجوية بين الطائرات.
  • التوقعات التي وزعتها حكومة الخراب الخاصة بنا بشأن أهداف الحرب مبالَغ فيها، وليست حقيقية، ولا يمكن تحقيقها منذ البداية. نتنياهو وزع هذه الأهداف بوجه عابس وعيون براقة وأياد تتحرك بوتيرة ممثل مسرحي، بعد وقت قصير من صدمة 7 تشرين الأول/أكتوبر - حينها، كان يبدو كمن انهار عالمه. توزيع هذه التوقعات والأهداف كان لأسباب كاذبة. طبعاً، جميعنا نريد تفكيك "حماس"، لا يوجد أي شخص واعٍ بيننا لا يتمنى اختفاء "حماس"، ويتخيل في لحظات الغضب أن يرى غزة كلها مجرد موجة من الدمار.
  • لو كان نتنياهو واعياً عندما وزع في المرة الأولى هذه الالتزامات والوعود المراهقة، وكررها، المرة تلو الأُخرى، في كل مؤتمر صحافي، لكان عليه أن يعلم بأن تحقيقها فعلاً غير ممكن. لكنه منذ اللحظة الأولى، لم ينشغل بالحرب مع شعب إسرائيل، إنما انشغل بحربه الخاصة. الحرب الشخصية والسياسية الخاصة به وبعائلته. هذه الوعود والآمال كان الهدف منها تحضير الأرضية لاتهام جميع المستويات التي تحته، بعدم قدرتها على تحقيق الأهداف.
  • أنا بيبي - كنت أريد. وهم (وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، وقيادات الجيش والمقاتلون)، الذين أشار بعض المقربين من نتنياهو إلى أنهم شركاء في مؤامرة خيانة مع "حماس"، جاءتنا بكارثة 7 تشرين الأول/ أكتوبر - هم المتهمون. أنا - بيبي البطل- كنت مستعداً للوقوف على رأس الاغتيال النهائي. هذا كذب، وتمويه، وتضليل، ومسرحية. بيبي بصورته الحقيقية، في أفضل لحظات كذبه.
  • اليوم، من الواضح للكثيرين أنه وعلى الرغم من أن الجيش يقاتل بعناد وشجاعة وحذر مطلوب، ويتلقى خسائر مؤلمة - فلا يبدو أنه يوجد أي احتمال لتحقيق الآمال التي ابتدعها نتنياهو. لن يتم تفكيك "حماس".
  • غزة تنهار. الآلاف من سكانها يدفعون الثمن من حياتهم، للأسف. الآلاف من مقاتلي "حماس" تم اغتيالهم، لسعادتنا. إلا إن القضاء على "حماس" لن يتحقق. وبغض النظر عمّا إذا كان سيتم إيجاد يحيى السنوار، أو أنه سيتمتع بالحياة فترة قصيرة في المخبأ حتى اغتياله، هو ومحمد الضيف وشركاؤهما في القيادة، فإن "حماس" ستبقى. ستستمر في البقاء ضعيفة، مضروبة، تنزف، لكنها ستبقى موجودة في هامش غزة.
  • وفي حال كان هذا هو التقدير الحقيقي، فعلينا أن نتجهز لتغيير الاتجاه. أنا أعلم بأن هذا غير شعبوي. لكن في أجواء التحريض والاستعلاء التي تميز بها رئيس الحكومة والأعضاء فيها - لا يجب الارتداع عن قول الأمور غير المفهومة ضمناً، ويجب قولها لأنها ضرورية، ومن منطلق مسؤولية وطنية.
  • الآن، على دولة إسرائيل الاختيار بين وقف القتال مع صفقة يمكنها إعادة الرهائن إلى بيوتهم، على أمل أن يكونوا أحياء، في أغلبيتهم، وبين وقف القتال من دون صفقة، ومن دون رهائن، ومن دون أن نرى أي إنجاز، وهو ما سيرافقه فقدان كامل لبقايا الدعم الذي لا يزال موجوداً في الرأي العام الدولي لحقّ دولة إسرائيل في البقاء من دون تهديد "الإرهاب والمنظمات القاتلة". أفضل أصدقائنا هم الذين سيفرضون علينا وقف القتال، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. هؤلاء الأصدقاء لا يمكنهم الاستمرار في تحمُّل الثمن الذي يدفعونه إزاء الرأي العام الداخلي لديهم بسبب عدم الحسم العسكري واستمرار القتال الذي ترافقه أثمان إنسانية، لن يكونوا مستعدين لتحمُّلها.
  • هذان المساران الواقعيان هما الوحيدان أمامنا. الاستمرار في القتال سيجعلنا نحقق إنجازات موضعية مهمة. سنستطيع اغتيال مزيد من الحمساويين، ونكشف عن مزيد من الأنفاق، ونقتل مزيد من قيادات التنظيم الذين سنكشف عنهم. اغتيال التنظيم لن يحدث. موت الرهائن لا سمح الله، يمكن أن يحدث.
  • على الرغم من شجاعة المقاتلين والضباط وقياداتنا العسكرية، فإن إسرائيل إذا أنهت القتال بعد الضحايا الكثر الذين سقطوا، مع مجموعة من الرهائن الميتين - فلن نستطيع مسامحة أنفسنا كشعب، أو كمجتمع. وإن وصلنا إلى تلك النقطة - فإن طرد الكذاب النصاب من رئاسة الحكومة لن يعوّض الفشل الأخلاقي الذي سيرافقنا كدولة.
  • حان وقت الحسم. وقف القتال - مع رهائن في قيد الحياة؛ أو فرض وقف القتال علينا- مع رهائن أموات.