أظهر بروتوكول اجتماع عقدته لجنة رقابة الدولة في الكنيست في آذار/مارس 2017، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وصف هجوماً تخطط له حركة "حماس" من قطاع غزة، ثبت في الوقت الحالي أنه كان بمثابة وصف دقيق للهجوم المروّع الذي وقع يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكنه في الوقت عينه، قال إن سياسات حكومته ردعت الحركة.
وقال نتنياهو خلال الاجتماع الذي عقدته لجنة رقابة الدولة البرلمانية في ذلك الوقت لمناقشة تقرير صادر عن مراقب الدولة الإسرائيلية بشأن عملية "الجرف الصامد" العسكرية، التي شنّها الجيش الإسرائيلي ضد حركة "حماس" سنة 2014: "إن ’حماس’ لديها خطة عملياتية لهجوم متعدد المحاور، بما في ذلك إطلاق آلاف الصواريخ على المدن الإسرائيلية، وغارات كوماندوس بحرية، وطائرات شراعية معلقة، وتوغلات من عشرات الأنفاق، بعضها يقع في الأراضي الإسرائيلية".
وخلال المناقشة المشحونة التي استمرت 3 ساعات ونصف الساعة، أشار نتنياهو أيضاً إلى أن "حماس" تقوم بتدريب قوات خاصة من أجل قتل واختطاف الإسرائيليين، وقال: "لقد قدّروا أنهم إذا تمكنوا من مفاجأتنا، فيمكنهم وضع الخطة موضع التنفيذ".
ويُعتبر هذا السيناريو، الذي وصفه رئيس الحكومة، شبيهاً بالأحداث التي وقعت بعد أكثر من 6 أعوام، يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما تسلل الآلاف من مسلحي "حماس" عبر منطقة الحدود مع إسرائيل في قطاع غزة، عن طريق البر والجو والبحر، وقاموا بقتل نحو 1200 شخص واختطاف أكثر من 240 آخرين، معظمهم من المدنيين، تحت غطاء سيل من الصواريخ التي تم إطلاقها على البلدات والمدن الإسرائيلية في الجنوب.
ومما قاله نتنياهو في الاجتماع الذي عُقد في سنة 2017، إن قيادة "حماس" بدأت بالتخطيط لهجوم واسع النطاق قبل أعوام. وأضاف: "كان في إمكان هذه الحركة في أي لحظة وضع خطة الهجوم موضع التنفيذ، لكن نحن لا نتحكم في قرارات خصمنا، وفي الحدّ الأقصى، يمكننا التأثير في قدرته على تنفيذها". وفي حين ادّعى رئيس الحكومة أن "حماس" مرتدعة، أوضح أنه ليس لديه أي أوهام بأنها ستتخلى عن خطتها هذه.
وأضاف نتنياهو: "عندما فكرت في تسلُّل آلاف المسلحين أو أكثر، والاستيلاء على بلدة واحتجاز رهائن، كنت متأكداً من أن ذلك من شأنه أن يشكل ضربة معنوية، وأنا أكدت هذا أمام الجهات المسؤولة. لقد حاولنا تجنُّب الحرب بأي طريقة ممكنة. ومع هذا، لا بد من الإقرار بأننا نواجه عدواً قاسياً و"متوحشاً"، وبأن تجنُّب التصعيد ضد عدو كهذا ليس بالأمر السهل. هناك 30.000 عنصر من ’حماس’ في غزة، يتمنون تدميرنا، ويستعدون طوال الوقت، ويبنون الوسائل التي يمكنهم قتلنا بها، والتسلل ومهاجمتنا. وهؤلاء أشخاص ملتزمون بإبادة إسرائيل، ويعيشون من أجل هذا الهدف".
وتطرّق نتنياهو إلى دوره في سياسة الاحتواء، فقال: "إن أحد أسباب ردع ’حماس’ هو أن لديّ سياسة، وأنا لست على استعداد لتحمُّل حتى رذاذ العنف، وهناك دائماً ردة فعل قوية من جانبنا، عادةً ما تكون سريعة جداً على أي رذاذ من هذا القبيل".
وتمحور تقرير مراقب الدولة الذي ناقشته اللجنة في سنة 2017 حول إدارة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية - الأمنية ["الكابينيت"] من طرف نتنياهو ووزير الدفاع، آنذاك، موشيه يعلون، وأشار إلى أن هذا المجلس الوزاري فشل في تحديد أهداف استراتيجية ملموسة للجيش في عملية "الجرف الصامد" العسكرية. كما أشار التقرير إلى وجود فجوات استخباراتية وأخطاء تكتيكية في عمل الجيش الإسرائيلي الذي كان الجنرال بني غانتس قائداً له، ولا سيما عدم جهوزيته لمواجهة تهديد أنفاق "حماس".
ورفض نتنياهو هذه الانتقادات جملةً وتفصيلاً، وقال إنه بذل كل ما في وسعه لإبقاء الصراع تحت السيطرة، وأنه عاقب "حماس" على قتالها إسرائيل. وقال خلال الاجتماع: "لم نكن نريد حرباً في صيف 2014، وحاولنا منعها"، وأكد أنه في ظل ما أقدمت عليه حركة "حماس"، كانت تلك العملية العسكرية حتمية.
والآن أيضاً، يتجنب نتنياهو تحمُّل أي مسؤولية عن الإخفاقات التي سبقت هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، على الرغم من أن العديد من قادة الأجهزة الأمنية أعلنوا أنهم يتحملون المسؤولية عنها. ويشير نتنياهو إلى أنه لا بد من إجراء تحقيق لتقصّي وقائع ما حدث، لكن لا ينبغي إجراء التحقيق إلا بعد انتهاء الحرب.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أنه خلال المناقشة في سنة 2017، دخل أعضاء الكنيست من الائتلاف، مراراً وتكراراً، في صدام مع أعضاء كنيست من المعارضة، وفي بعض الأحيان، مع أهالي جنود قتلى حضروا الاجتماع، بمن فيهم ليئا غولدين، والدة الجندي هدار غولدين الذي قُتل في تلك العملية، ولا تزال "حماس" تحتجز جثته وجثة الجندي أورون شاؤول في غزة.
وتعيد هذه المشاهد التذكير بصدامات مماثلة بين أعضاء الكنيست وذوي المخطوفين الإسرائيليين في الأشهر الأخيرة بشأن السياسة التي تتبعها الحكومة والاتفاقات الخاصة بعودة الرهائن الذين اختطفتهم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ويُعتقد أن 129 شخصاً إسرائيلياً اختُطفوا يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ما زالوا محتجزين في غزة، وليسوا جميعهم في قيد الحياة، بعد أن تم إطلاق سراح 105 مخطوفين خلال هدنة استمرت أسبوعاً في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.