فصول من كتاب دليل اسرائيل
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- منذ الهجمة التي شنتها حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بقيت العلاقة بين اليهود والعرب في إسرائيل هادئة. ولم تتحقق حتى الآن المخاوف التي اعترت كثيرين، من ضمنهم كبار في المنظومتَين السياسية والأمنية، من مواجهات عنيفة من جانب المواطنين العرب ضد الدولة والمواطنين اليهود، على غرار أحداث أيار/مايو 2021. لقد قام زعماء أغلبية الجمهور العربي باستنكار الهجمة "الإرهابية"، وعبّروا بالقول والفعل عن شراكة المصير مع الأغلبية اليهودية. كما قام زعماء يهود بكيل المديح للعرب واليهود على الاستقرار وضبط النفس، ومظاهر التطوع، وروتين الحياة اليومية خلال الحرب. مع ذلك، وفي ظل الوضع الآيل للانفجار في أي لحظة، هناك مخاطر قد تمسّ بنسيج الحياة الحساس هنا.
- فيما يلي ملخص للوضع بشأن العلاقة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية، بالاستناد إلى عدة مصادر، من ضمنها استطلاعات أجراها معهد INSS ومؤسسات أُخرى، منذ نشوب الحرب:
- يبدو أن الخوف من اندلاع العنف المتبادل آخذ في التقلص، حتى لو كان هذا الخوف واضحاً على الأرض، وخصوصاً في أوساط اليهود: ففي استطلاع رأي أجراه مركز "أكورد" بعد أسبوعين من هجوم "حماس"، فإن نحو 90% من الجمهور اليهودي ونحو 70% من الجمهور العربي، قدّروا أن عنفاً خطِراً بين اليهود والعرب سيندلع خلال أيام قليلة. وتبدد هذا الخوف. وفي استطلاعَي تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر اللذين أجراهما معهد INSS، اتضح أن 71 % من العرب المستطلَعة آراؤهم لا يخشون من التعرض للأذى من اليهود، في مقابل 51-54 % من نظرائهم اليهود الذين أجابوا بأنهم يخافون من مضايقات العرب. وبمعنى آخر، فإن هناك نسبة أكبر من اليهود ممن يخافون من هجمات من العرب. أما استطلاع برنامج أدناور، فأظهر أن نحو 60% من العرب يخافون من مضايقات اليهود، وأفاد 11% بأنهم تعرضوا للأذى.
- هناك اتجاه واضح من التماهي من المواطنين العرب مع الدولة والمواطنين اليهود. وفي خلفية الأمر، هناك عرب قُتلوا واختُطفوا في هجوم "حماس"، في حين أصيب وقُتل آخرون نتيجة القصف الصاروخي، من ضمنهم أطفال بدو، كما أُنقذ العشرات من اليهود على يد عرب. وبحسب استطلاع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، فإن 66% من المواطنين المسلمين و84% من المسيحيين والدروز يشعرون بأنهم جزء من الدولة ويتأثرون بمشاكلها. في حين كشف استطلاع أجراه برنامج أدناور أن المسألة الوطنية الفلسطينية تُعتبر مسألة ثانوية بالنسبة إلى 54% من المواطنين العرب، مقارنةً بمسألة مكافحة العنف والإجرام، التي تُعتبر الموضوع الأهم. في حين أن متابعة المسائل اليومية تحتل موقع الصدارة على جدول أعمالهم. كما كشف هذا الاستطلاع أن 33% من العرب المستطلَعة آراؤهم، يعتقدون أن الجنسية الإسرائيلية هي المكون الأهم في تعريف هويتهم الشخصية، في حين أجاب نحو 32% بأن الهوية القومية العربية هي الأهم بالنسبة إليهم. بمعنى أن هناك مساواة في أوساط العرب بين الهوية المدنية الإسرائيلية وبين الهوية القومية العربية، التي تضم في إطارها الشعور الوطني، والثقافة، والتراث، واللغة.
- هناك توجُّه إلى التماهي مع الدولة ومساندتها في الحرب ضد "حماس". إذ أظهرت استطلاعات INSS في شهرَي تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر أن 34 و30% من العرب، على التوالي، يؤيدون أهداف الحرب التي تشنها إسرائيل من أجل القضاء على "حماس" في غزة. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تساوي نحو ثلث المستطلعة آراؤهم فقط، فإن هذه النسبة بحد ذاتها تُعتبر مرتفعة، في ظل الظروف، فبالإضافة إلى ثلث آخر أجاب بأنه "لا يعرف"، يمكن الافتراض أن بعض هؤلاء يميل إلى الامتناع من تقديم الدعم الواضح لأهداف الحرب، بسبب حساسية الموضوع. استناداً إلى هذا الافتراض، ربما يشير الأمر إلى دعم أكبر وأكثر استثنائيةً لأهداف الحرب. أما استطلاع أدناور فكشف أن نحو 85% ينظرون بإيجابية إلى مبادرات مواطنين عرب لتقديم العون لسكان "غلاف غزة" المتضررين خلال الهجوم. في حين كانت استجابة نحو 54% إيجابية فيما يتعلق بمبادرات المواطنين العرب للمساعدة في جهود الهسبراة الإسرائيلية في أرجاء العالم.
- في المقابل، واضحة هي السيرورات الكبرى التي قد تمس بالاستقرار، والتي تعرض، بمرور الوقت، العلاقات الحساسة بين العرب واليهود في البلد، ومن ضمن هذه السيرورات:
تجدُّد موجة الإجرام الخطِرة
- الجريمة والعنف يُضعفان المجتمع العربي إلى حد كبير. ويؤدي الضعف الاجتماعي والاقتصادي، في موازاة مشاعر الخوف والإحباط، إلى تعزيز الإجرام والعنف. إن هذه الحلقة المفرغة تمثل تهديداً محتملاً للأمن الوطني الإسرائيلي. ومن شأنها أن تمتد، بطرق عنيفة، إلى ما يتجاوز المجتمع العربي نفسه. أما الموارد الكبيرة التي تملكها منظمات الإجرام، فمن شأنها أن تمثل خطراً حقيقياً، بالذات في الوقت الذي تكون الجهات الإنفاذية محدودة الموارد في قدرتها على مواجهة هذا التحدي.
- هذا هو الموضوع الذي يُقلق المجتمع العربي بشدة. بعد انخفاض بلغت نسبته أكثر من خمسين % في جرائم القتل.
- منذ اندلاع الحرب، برزت قفزة حادة أُخرى في النسب المرتفعة للجرائم التي سُجلت في سنة 2023. وهكذا، تضاعف عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي، بل أكثر من ذلك، مقارنةً بعددهم في سنة 2022. في هذه المرحلة، لا توجد بوادر تشير إلى تبنّي الدولة استراتيجيا جديدة من أجل مواجهة العنف، أو أي تحركات فعلية للحد من هذه الظاهرة الخطِرة، التي تخلق إحباطاً في المجتمع العربي، وشعوراً عميقاً بأن الدولة لا تفعل ما يكفي من أجل القضاء على الجريمة.
تردّي الحالة الاقتصادية
- أظهرت استطلاعات معهد INSS وبرنامج أدناور أن نحو ثلثي المستطلعة آراؤهم من العرب بلّغوا عن تدهور أحوالهم الاقتصادية في أعقاب الحرب. في حين أظهر استطلاع القوى العاملة الذي أجراه مركز الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن نحو 30% من الرجال العرب العاملين، والذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و64 عاماً، غابوا عن أماكن عملهم لأسباب تتعلق بالحرب. إن الحرب، وفقاً لأي سيناريو محتمل، من شأنها أن تمس بصورة هائلة، وفي المدى البعيد، بالاقتصاد الإسرائيلي، وبناءً عليه أيضاً، بالمجتمع العربي الضعيف أصلاً. لقد تم تسجيل نسب بطالة عالية منذ مرحلة ما قبل الحرب، مقارنةً بنسب البطالة في أوساط المجتمع اليهودي، وبالذات في أوساط الشبان. لقد تجمّد قطاع البناء الذي يشغله كثيرون من العمال العرب، في أعقاب إغلاق كثير من مواقع البناء، خوفاً من العنف.
- إلى جانب ذلك، فإن معظم المصالح التجارية في الوسط العربي صغيرة وتعاني جرّاء مشاكل في الحصول على ضمانات ائتمانية من القطاع المصرفي. لقد كانت هذه المصالح أول المتضررين نتيجة تقليص النشاط الاقتصادي في إبّان الحرب، ولم تحظَ سوى بمساعدة محدودة من الدولة. ومع ارتفاع معدلات البطالة، وعدم توفُّر دخل ثابت، من المتوقع أن تزداد المصاعب الاقتصادية، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج عديدة، من ضمنها لجوء الشباب إلى التجند كأذرع لمنظمات الإجرام، فضلاً عن توسُّع نشاط القروض في السوق السوداء. وهذا كله يؤدي إلى تعزيز منظمات الإجرام في المجتمع العربي.
تشديد القيود على حرية التعبير
- تشير استطلاعات معهد INSS إلى أن 57% من المستطلعة آراؤهم في تشرين الثاني/نوفمبر، و67% من هؤلاء في كانون الأول/ديسمبر، يفترضون أن الدولة تنتهك حقهم في التعبير تحت ستار الحرب. وكشف استطلاع برنامج أدناور أن نحو 50% من العرب يفضلون الامتناع من التعبير عن آرائهم بشأن الحرب، وإبداء تعاطُفهم، علناً، مع الفلسطينيين في قطاع غزة، خوفاً من العقوبات.
- إن الحق في التعبير هو أساس النظام الديمقراطي، على الرغم من أن هذا الحق ليس مطلقاً، وخصوصاً في أوقات الطوارئ، إذ يمكن فرض قيود على هذا الحق، وبصورة خاصة في مجال منع التحريض وتشجيع "الإرهاب"، من أجل الحفاظ على أمن الدولة. إلا إن هناك، بين هذه الضرورات القاطعة، درجات كثيرة من النشاطات التي يجب السماح بإقامتها، ديمقراطياً. هناك حاجة أيضاً إلى فرض القيود على حرية التعبير بصورة قائمة على المساواة، والامتناع من الإفراط في إنفاذ القانون، وهو ما يؤدي إلى إجراء التحقيقات الجنائية والاعتقالات، والتي من شأنها أن تؤدي إلى إحباط، وإلى اندلاع الاحتجاجات. في هذا الصدد، يتعين على جهات إنفاذ القانون أن تكون مهنية، وأن تتعامل مع كل قضية بصورة منفردة. كما يجب السماح بالتجمهرات القانونية، بصورة تناسبية، لا تتضارب مع حالة الطوارئ القائمة.
الاستفزازات والمضايقات من جانب العناصر القومية المتطرفة
- يتحفّظ المجتمع العربي بشدة، في أغلبيته، عن الأيديولوجيات المتطرفة. إن الاستنكار الواضح والقطعي من جانب المجتمع العربي لهجوم "حماس الإرهابي"، يشير إلى كون العرب أقلية قومية مخلصة للدولة، تسعى للاندماج فيها. ومع ذلك، هناك فئات راديكالية لها حضور في أوساط الشبان، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. ومع استطالة أمد الحرب، هناك تخوف من أن تؤدي أحداث استثنائية إلى نشوب أعمال واسعة من الإخلال بالنظام العام. قد تؤدي التظاهرات المحتملة إلى نشوب اشتباكات، قد تشارك فيها عناصر راديكالية، تسعى لترويج أجندتها الأيديولوجية، إلى جانب مشاركة الشبان من ذوي الخلفيات الجنائية.
- يتعين على سلطات الدولة التعامل مع المجتمع العربي على أنه أقلية مخلصة، لا بصفته عدواً داخلياً، إن الانتهاكات المحتملة للنظام العام تتطلب استجابة شرطية مدنية.
- يجب أن يؤخذ في الحسبان أيضاً، في ظل الأجواء المتوترة في البلد، أن تقوم عناصر من اليمين [الصهيوني] المتطرف، ذات التوجه المعادي للعرب بوضوح، بتنفيذ القانون بنفسها، ومواجهة مجموعات عربية، بادعاءات حماية اليهود. إن التسلح الواسع خلال الأشهر الأخيرة قد يغذي العنف الخطِر بين اليهود والعرب. يتمثل دور الشرطة وجهات إنفاذ القانون، في هذا الصدد، في كبح الفئات المتطرفة من الجانبين، والحؤول بينها وبين جرّ المجتمع إلى أعمال الشغب.
توصيات سياسية
- من الضروري العمل، الآن، في اتجاهين متوازيَين: الحفاظ على الاستقرار السائد وتشجيعه، وفي الوقت نفسه، الاستعداد لمنع نشوب أعمال عنف محتملة بين الطرفين. على هذا النحو:
- في المديَين القريب والمتوسط: من الضروري تنفيذ الخطط الخمسية التي جرى إقرارها، فيما يتعلق بالمجتمع العربي، مع التركيز على توفير المساعدات المالية للسلطات المحلية، والمصالح التجارية، والمحتاجين؛ يجب تكثيف الحرب ضد العنف المتفشي؛ يجب لجم الجهات المتطرفة، من الجانبين.
- يجب الاستفادة من حالة الحرب، من أجل تعزيز العلاقة بين الدولة والمجتمع العربي. إن غرفة الطوارئ التي أنشأتها وزارة المساواة الاجتماعية في كفر قاسم، بالتعاون مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية وبلدية كفر قاسم، من أجل تقديم المعلومات والمساعدة للسلطات المحلية والجمعيات، تشكّل مثالاً يُحتذى به في هذا الصدد.
- وفي نظرة مستقبلية: يتوجب على قادة الدولة أن يدركوا حقيقة أن العرب هم أقلية موالية للدولة، وعليهم أن يغرسوا في نفوس الجمهور اليهودي الاعتراف بأن هذه الأقلية تعتبر نفسها جزءاً من المجتمع الإسرائيلي، وتسعى جاهدةً للاندماج فيه. وبناءً عليه، يحق لها التمتع بحقوق مدنية متساوية.