مراجعة للمشاريع الإقليمية بشأن مسألة "اليوم التالي" في قطاع غزة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • يقترح مختلف الأطراف الإقليمية والدولية حلولاً سياسية وأمنية لقطاع غزة بشأن اليوم التالي للحرب. وحتى الآن، تركزَ نشاط معظم هذه الأطراف، وعلى رأسها الدول العربية، على مسألة تقديم المساعدات الإنسانية وتنسيق المحاولات الهادفة إلى إدانة إسرائيل، وخصوصاً عن طريق الهيئات العربية والأمم المتحدة. وتنشط مصر وقطر، بصورة خاصة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة في كثير من الأحيان، من أجل التوسط في صفقات عملية لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم "حماس"، والدفع في اتجاه وقف إطلاق النار.
  • وإلى جانب المبادرات المحددة لهذه الدول، هناك اهتمام متزايد بالحلول السياسية الشاملة، إلى جانب مقترحات لإنهاء القتال وإنشاء نظام بديل لنظام "حماس" في غزة، وفي بعض الأحيان، تشمل المقترحات دمج "حماس" في حكومة مستقبلية. وهناك بعض المقترحات التي لم يتم طرحها بصورة رسمية حتى الآن (تم تسريبها إلى وسائل الإعلام)، تبدو أكثر تطوراً وتفصيلاً من تلك التي بادرت إسرائيل إلى اقتراحها حتى الآن، وهي مبادرات إقليمية مقترحة من جانب كل من مصر، والسعودية (يمكن أن تكون بالتنسيق مع الإمارات)، إلى جانب خطوط عريضة ممكنة مصدرها قطر. وتندمج هذه المبادرات مع المبادرات التي تطرحها كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة.
  • وفي النقاش الذي جرى داخل اللجنة الخارجية والأمن في الكنيست، قال نتنياهو إن كلاً من السعودية والإمارات سيساهم في إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب. أمّا رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، فقد كتب في مقال نُشر في موقع إيلاف السعودي أن هناك مكاناً لشركاء إسرائيل الإقليميين في "إعادة بناء القطاع من أجل إنشاء واقع جديد." وقد أضاف هنغبي أن ذلك يتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً من أجل المحافظة على النظام العام وفرض القانون في القطاع. وفي هذا السياق، أفادت تقارير أنه استُشِف خلال حوارات أجرتها الولايات المتحدة مع قوى إقليمية ودولية أن هذه القوى ليست متحمسة لإرسال قوات شرطة أو جيش إلى القطاع في إطار قوة حفظ سلام دولية، لكنها لا تستبعد تماماً إمكان حدوث هذا الأمر شرط تحقيق شروط متعددة، ضمنها إطلاق عملية سلمية تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية. كما أفادت تقارير بأن كلاً من السعودية والإمارات وافق على تقديم المساعدة الاقتصادية من أجل إعادة إعمار القطاع بعد تدميره بصورة غير مسبوقة خلال الحرب، ومع ذلك، فإن الدولتَين تشترطان على إسرائيل عدة أمور، منها منح السلطة الفلسطينية، أو جهات تمثلها، السيطرة في غزة، والسعي لحل الدولتين، وأيضاً إعادة النظر في مبادرة السلام العربية.
  • وتختلف المبادرات، ليس فقط من حيث مصادرها والأجندة التي توجهها، بل أيضاً في أهدافها؛ فبعضها يختص بالمسائل الفورية والمحددة، أي تحرير المختطفين الإسرائيليين والتسويات الإنسانية المتعددة في القطاع، بينما المبادرات الأُخرى تتوجه أكثر نحو المستقبل، وتقترح تسويات في إطار "اليوم التالي". وسيركز هذا المقال على المبادرات التي تختص بالمدى البعيد، وسيدرسها، ويبحث عن الفرص الكامنة فيها، ويشير إلى مصالح الدول التي تطرحها، كما سيقوم بتحليل مدى ملاءمتها لمصالح دولة إسرائيل.

السعودية

  • تولي إسرائيل أهمية كبيرة لمشاركة كل من السعودية والإمارات في إعادة إعمار القطاع اقتصادياً ومادياً، وهذا واضح في الخطة التي استعرضها وزير الدفاع أمام الوزراء، لكن مشاركة هاتين الدولتين في إطار هذا المخطط، ضمن إطار قوة متعددة الجنسيات، لن تكون متمثلة في فرض النظام وفي الحكم في غزة. ورداًّ على تصريحات نتنياهو بأن إعادة إعمار غزة سيتم تمويله من جانب دول الخليج، فقد سارعت سفيرة الإمارات في الأمم المتحدة إلى توضيح أن بلدها سيقوم بالأمر فقط في حال تم طرح خريطة طريق "جدّية" مع مواعيد زمنية وأهداف واضحة لإقامة دولة فلسطينية. وبغرض إظهار جدية نياتها في الاستثمار في غزة، أنشأت الإمارات محطات لتحلية المياه على الحدود الغزّية المصرية، وأرسلت معدات إنسانية، وأنشأت مشفى داخل أراضي القطاع. إن النشاط الإنساني الواسع النطاق للإمارات، وخصوصاً في إطار الأمم المتحدة، إلى جانب المحافظة المستمرة والحازمة على العلاقات مع إسرائيل، ربما يشير إلى استعداد الإمارات لأداء دور رئيسي في "اليوم التالي" في قطاع غزة، على الرغم من أنه لم يتم إعلان ذلك بصورة علنية، عبر مبادرة إماراتية.
  • وفي مقابل ذلك، يبدو أن هناك قدراً كبيراً من الانشغال من جانب وسائل الإعلام الرسمية في السعودية، حتى بالمرحلة الانتقالية الواقعة بين إنهاء الحرب وترسيخ سلطة بديلة في القطاع. وفي مخطط مقترح بشأن "اليوم التالي"، وضعه مركز أبحاث سعودي، وهو (Gulf Research Centre)، اقتُرح نفي القيادة الأمنية والعسكرية لحركة "حماس" إلى الجزائر كي تتمكن قوة أُخرى من الحلول محلها، ربما في مقابل إطلاق سراح المختطفين، كما اقتُرح أن يتم نشر قوة سلام عربية في القطاع بعد خروج الجيش الإسرائيلي، بحيث تكون هذه القوة مسؤولة عن إدارة الحياة المدنية بموجب تفويض من الأمم المتحدة، وبعد ذلك، يتم إنشاء مجلس انتقالي مشترك يكون مسؤولاً عن إعادة إعمار القطاع، إلى أن يتم إجراء انتخابات، ولا يستبعد هذا المخطط مشاركة ممثلين لكل من "حماس" والجهاد الإسلامي في الهيئة الحاكمة.
  • هذا وقد نفى كاتب "المخطط السعودي"، الذي تم تقديمه إلى وزارة الخارجية الفرنسية، أن يكون مقترحه يعكس الموقف السعودي الرسمي، ومع ذلك، يبدو أن هذا المخطط يشير إلى رغبة سعودية في رؤية إنهاء حكم "حماس" للقطاع من أجل توجيه ضربة إلى أيديولوجيا الإخوان المسلمين، والتي تنظر إليها الرياض بصفتها تهديداً، إلى جانب إضعاف الحلف الإقليمي الإيراني. ويبدو هذا الموقف مشابهاً للتصور الإسرائيلي، إلى جانب وجود اختلاف مرده رغبة السعودية في تعزيز الجهات المعتدلة، من وجهة النظر السعودية، وعلى رأسها السلطة، ولو بقيادة جديدة.
  • أمّا الولايات المتحدة، فهي من جانبها معنية بربط التطبيع بين إسرائيل والسعودية بترتيبات "اليوم التالي". وبحسب تقارير إعلامية، فقد تم اقتراح أن تشارك السعودية مع دول أُخرى في إعادة إعمار القطاع بالتعاون مع "سلطة فلسطينية مجددة"، بمعنى اشتراط المساعدة العربية في إعادة إعمار القطاع وترسيخ سلطة بديلة لـ "حماس" للتطبيع بين القدس والرياض. وفي مقابل التطبيع، أو التكامل بلغة السعوديين، فإن السعوديين (والأميركيين الآن أيضاً) يطلبون أن يُعرض عليهم مخطط لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وفي محادثات التطبيع التي سبقت 7 تشرين الأول/أكتوبر، تحدث السعوديون عن أفق سياسي، لكن بصورة أكثر ضبابية. أمّا الآن، وعلى خلفية تصاعد الموجة المناهضة لإسرائيل إقليمياً، فقد صارت الرياض أكثر التزاماً بفكرة الدولة الفلسطينية، بحسب ما يُستشف من الصحافة السعودية. كما أن تصريحات السفيرة السعودية في واشنطن، ريما بنت بندر، في منتدى دافوس، تعكس دعم "دمج" إسرائيل في الإقليم، في مقابل استعداد إسرائيل لإقامة دولة فلسطينية. وفي مناسبة أُخرى، حينما تم توجيه سؤال إلى وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر دافوس بشأن استعداد السعودية للاعتراف بإسرائيل في إطار صفقة كهذه، أجاب قائلاً: "طبعاً."
  • وتشير وسائل الإعلام الخليجية أيضاً إلى وجود أطراف ليست لديها رغبة بارزة في التدخّل في ما يحدث في القطاع، وتخشى من الأثمان الباهظة التي من شأن الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، دفعها هناك، سواء من الناحية الاقتصادية أو من ناحية السمعة. وتتنوع مخاوف الدول الخليجية؛ فمن هذه المخاوف اتهامها بالتعاون مع إسرائيل ودخول غزة تحت الرماح الإسرائيلية والتنكر للفلسطينيين، والاستثمار في بنى تحتية ومرافق من شأنها أن تذهب هباء في الحرب المقبلة، والمخاطر الأمنية التي تتهدد أي قوات يتم إرسالها طالما لم تنته الحرب بعد. فما الذي يمكن التوافق عليه إذاً؟ ترى الدول العربية أن إسرائيل لا يمكنها البقاء في القطاع كقوة محتلة، وهناك حاجة إلى إيجاد حل لحالة الفراغ السلطوي والفوضى التي ستشكل دفيئة للإرهاب والتطرف. ولذا، فإن الحل بالنسبة إلى هذه الدول هو فرض السلطة الفلسطينية لسيطرتها، ولربما يحدث ذلك بشراكة معينة من جانب "حماس"، وهذه النقاط تمثل التمايز بين الموقف الخليجي والموقف الإسرائيلي الرسمي.
  • صحيح أن تمويل السعودية والإمارات لإعادة إعمار القطاع مهم، لكنه ليس كافياً في نظر إسرائيل، فالمطلوب من دول الخليج أن تؤدي دوراً سياسياً فعالاً في دعم القيادة الفلسطينية الجديدة التي ستحل محل "حماس"، وأن تقصي قطر ونفوذها السلبي جانباً، وتسهّل على إسرائيل السيطرة على الأمن في القطاع، وتعطي الشرعية العربية وتُوَفِّرَها لمنظومة السلطة البديلة التي ستحكم القطاع. ومن شأن مصر، والسعودية، والإمارات، أن تجد في الأمر فرصة لتوسيع تأثيرها في غزة بصورة خاصة، والساحة الفلسطينية بصورة عامة، إلاّ إنها مردوعة عن الانخراط في نشاط كهذا من دون توفُر أفق سياسي، إذ إن هذا سيُنظر إليه، من جهة الشعوب العربية، بصفته تعاوناً مع الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وهو ما سيجعل استثمارات هذه الدول تذهب هباء في حرب أُخرى مستقبلية في القطاع.

 

 

قطر

  • ترتبط هذه الإمارة الصغيرة والثرية بعلاقات وثيقة مع قيادة "حماس"، أكثر من أي دولة أُخرى، وقد شاركت في التوسط لإطلاق سراح مختطفين إسرائيليين وأجانب من أسر "حماس"، إلى جانب مبادرات إنسانية متعددة، الغرض منها إنهاء القتال. وبسبب وزنها السياسي الكبير وعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، فليس هناك مفر من أن يكون لقطر أيضاً دور في القطاع في "اليوم التالي". وحتى الآن، لم تنشر الدوحة أي مبادرة رسمية في هذا السياق، إلاّ إن كلاً من التلميحات من مسؤولي قطر وخطابها الإعلامي عبر قناة الجزيرة يشير إلى تفضيلات الإمارة السياسية.
  • وكون قطر هي الدولة المؤيدة والممولة الرئيسية لسلطة "حماس"، فإنها تملك مصلحة (حتى لو لم تكن علنية) في المحافظة على قوة التنظيم قدر الإمكان، ويبدو أن الدوحة لا ترغب في تعزيز قوة السلطة الفلسطينية في القطاع، بناء على إدراكها أن هذا سيأتي على حساب "حماس"، وإمكان "اختفاء" "حماس" بصفتها "العنوان" السلطوي الرئيسي في القطاع سيضر، بصورة جسيمة، بقدرة قطر على التأثير في ما يحدث في القطاع وفي الشارع الفلسطيني، وتحسين مكانتها الإقليمية والدولية، وبالتالي تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة. ويشار إلى أن قطر لا تطلب من إسرائيل دفع ثمن سياسي؛ فهي الوحيدة من الدول العربية التي لا تطلب إطلاق عملية سلمية كشرط لمساهمتها في المساعدة الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب.
  • ولدى إسرائيل، في المقابل، مصلحة في توقف قطر عن دعم "حماس". وصحيح أنه ما من مانع بشأن اندماج قطر في فريق عمل عربي - دولي، إذا ما أُقيم، ويكون مسؤولاً بصورة موقتة عن القطاع، لكن يجب التأكد من عدم السماح لقطر بقيادة هذا الفريق. وفي الوقت ذاته، فإن هناك خطراً ناجماً عن كون قطر ليست لديها مطالب من إسرائيل، فإنها يمكن أن تجذب بعض التيارات السياسية في إسرائيل غير المتحمسة لاستئناف العملية السلمية. وفي ظل التوجه البراغماتي القطري ورغبة الإمارة في المحافظة على تأثيرها في الشارع الفلسطيني، ربما يكون سيناريو كهذا ممكن التحقق، إلاّ في حال نجحت إسرائيل في تحويل التحالف بين قطر و"حماس" إلى عبء دبلوماسي على قطر، وترسيخ قوة منافسة لحركة "حماس". إن فتح طريق أمام جهات عربية متعددة للوصول إلى القطاع ينطوي على امتيازات عديدة، منها كسر الاحتكار القطري للقطاع، لكن للأمر مساوئه أيضاً، في حال تطورت المنافسة العربية الداخلية على التأثير في القطاع.

مصر

  • بحسب تقارير انتشرت في الصحافة العربية، بدأت مصر الترويج مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية لإطار مبادرات تؤدي إلى انتهاء القتال في غزة. وبحسب مصادر مصرية، فإن هناك حديثاً يدور بشأن مقترحات أولية لا تزال في طور الصوغ، من شأنها لاحقاً أن تنضج لتتحول إلى مبادرة شاملة تأخذ في الاعتبار تحفظات الأطراف المتعددة. وأوضح محمد إبراهيم، نائب رئيس المعهد المصري للأبحاث الاستراتيجية (ECSS)، أن هذه المقترحات ليست "مقدسة"، بحيث يجب على الأطراف قبولها حرفياً، لكنها مجرد أساس يخضع للتفاوض، بصفتها "ضوءاً في آخر النفق" على طريق إنهاء الحرب.
  • أمّا عن تفاصيل المقترحات المصرية، فقد أشارت صحيفة "الشرق" السعودية إلى مبادرة مكونة من 3 مراحل: تتمثل الأولى في مبادرة تشمل وقفاً إنسانياً لإطلاق النار يستمر لمدة 10 أيام، يتم خلالها إطلاق جميع المدنيين الإسرائيليين في مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ويُتاح فيها التنقل بين جنوب القطاع وشماله. وتشمل المرحلة الثانية الإفراج عن المجندات في مقابل عدد يُتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، كما تشمل أيضاً تبادلاً لجميع الجثامين. أمّا الثالثة، فيتم فيها إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين المختطفين في مقابل عدد يُتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، بينما ينسحب الجيش من القطاع، وتوقف "حماس" نشاطاتها ضد إسرائيل. ويشترط الانتقال من مرحلة إلى أُخرى استكمال المرحلة السابقة.
  • وهناك تقارير متضاربة بشأن إمكان انطواء هذا المخطط على حوار وطني فلسطيني يهدف إلى إقامة حكومة تكنوقراط تهتم بإعادة إعمار القطاع والاستعداد لانتخابات عامة. وبحسب أسبوعية "المجلة" السعودية الصادرة في لندن، فإن المبادرة المصرية تشمل إقامة حكومة تكنوقراط في كل من القطاع والضفة الغربية، وهذا يعني تخلّي "حماس" عن سلطتها بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار. أمّا المفاوضات المقترحة في هذا الشأن، فستقام في مصر، مع تدخُّل ممثلين من قطر والولايات المتحدة، وستوفر الدول الثلاث رعاية للعملية، وتراقبها، وتنسق من أجل إنشاء حكومة فلسطينية محايدة بعد إعلان وقف إطلاق النار.
  • إن المبادرة المصرية، عبر الخطوط العريضة المذكورة في التسريبات، تخدم سلسلة من المصالح المصرية: منع التدهور نحو حرب إقليمية تهدد مصالح مصر، وإنهاء سريع قدر الإمكان للحرب التي أدت إلى خسائر تقدَّر بعشرات النسب المئوية من عائدات قناة السويس والسياحة، واللتين تُعدان مصادر رئيسية للعملة الصعبة في مصر، فضلاً عن منع موجات الهجرة الجماعية لسكان غزة إلى الحدود المصرية، إمّا طوعاً وإمّا بتشجيع مباشر من إسرائيل. وهذا بالإضافة إلى وضع مصر كعنصر رئيسي في عمليات الوساطة والمساعدات الإنسانية وإعادة إعمار غزة، مع تسخير الجهات الفاعلة إقليمياً ودولياً في هذه العملية، وتمهيد الطريق لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وتشكيل أفق سياسي لتجديد العملية السلمية.
  • ومن وجهة نظر إسرائيلية، فإن ميزة المبادرة المصرية تتمثل في إيجاد إطار آمن للإفراج عن الرهائن. وبحسب بعض التقارير، فإن المبادرة تتسق أيضاً مع المطامح الإسرائيلية الهادفة إلى تشكيل حكومة انتقالية - تكنوقراطية في غزة لا تشمل "حماس" أو السلطة الفلسطينية، في مراحلها الأولى على الأقل. ومن ناحية أُخرى، فإنه يبدو أن المبادرة المصرية لا تنطوي على مقاربة للمصالح الإسرائيلية الأُخرى (احتفاظ الجيش الإسرائيلي بالمسؤولية الأمنية عن القطاع، والتقويض التام لحركة "حماس" كقوة حاكمة وعسكرية على المديَيْن المتوسط والطويل، وإبعاد التأثير القطري، ونزع سلاح القطاع).
  • وإلى جانب ذلك، فإن هناك خلافاً مباشراً بين إسرائيل ومصر فيما يتعلق بتشديد الرقابة على محور فيلادلفي، والتي هي ضرورية لإحباط التعاظم العسكري المتجدد لحركة "حماس" وباقي منظمات "الإرهاب" في القطاع عبر تهريب السلاح. وإن تصريح نتنياهو بشأن السيطرة الإسرائيلية على المحور قد قوبل بنقد لاذع من جانب المصريين، فحواه أن إعادة احتلال تلك المنطقة سيُعد ضرباً للملحق العسكري لمعاهدة السلام، والتي في إطار تعديلها، سنة 2005، تم نشر قوات حرس حدود مصرية على امتداد الحدود. وبحسب عدة مصادر، فقد قامت مصر حتى الآن برفض طلبات إسرائيلية لنصب مجسات إنذار في المحور من أجل العثور على أنفاق التهريب.

نشوء الخلافات

  • يُظهر فحص المبادرات التي جرى إعلانها حتى الآن التباينات التالية:
  • مستقبل "حماس" كعنصر سياسي: أعطت المبادرات العربية المتعددة "حماس" دوراً، ليس كحاكم حصري، إنما كجزء من الحكومة المستقبلية التي ستقوم في قطاع غزة. ووفقاً لتصريحات مسؤولين إسرائيليين، فإن إمكاناً كهذا مرفوض من جانب إسرائيل. كما تتعارض وجهة النظر هذه مع الموقف الأميركي، الذي يعتبر أن "حماس" ليست عنصراً شرعياً يملك حق السيطرة على القطاع. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التباينات بين المبادرات العربية نفسها تَبْرُزُ من دون علاقة بالموقف الإسرائيلي أو الأميركي، فمسألة دور "حماس" في "اليوم التالي" للحرب، على سبيل المثال، تُبْرِز الخلافات في الرأي ضمن النطاق العربي، وخصوصاً بين الإمارات والسعودية من جهة، ومصر وقطر من جهة أُخرى؛ فقطر تعارض موقف الإدارة الأميركية التي تشدد على ضرورة استبدال "حماس" بـ"سلطة فلسطينية معدّلة".
  • عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع: تعارض حكومة إسرائيل أن يكون للسلطة دور في قطاع غزة بصورة عامة، وخصوصاً إذا لم تقم بإصلاحات عميقة في صفوفها. وهذا على الرغم من أن كل المبادرات التي طرحت حتى الآن، باستثناء مبادرة قطر، تمنح السلطة الفلسطينية دوراً مركزياً في مستقبل القطاع. إن موقف إسرائيل الرسمي يصر على أنها لا تنوي السيطرة على القطاع، وطبعاً، يعارض بشدة سيطرة "حماس" على المنطقة، بينما موقفها من "اليوم التالي" لا يزال غامضاً، وليس واضحاً معنى الكلام بشأن "أطراف محلية" تدير "الحياة اليومية"، وتملأ الفراغ الذي ستتركه "حماس". وهذه الرسائل الغامضة تتعارض مع موقف الولايات المتحدة الذي يشدد على ضرورة الدفع قُدماً بحل الدولتين، مع الرغبة في الدفع قُدماً بـ "سلطة فلسطينية معدّلة".
  • تدخُّل الدول العربية في القطاع: إن دور الدول العربية في قطاع غزة في "اليوم التالي" لا يزال غامضاً، سواء بصورة مقصودة أو لعدم كشف الاتفاقات أو الخلافات. وبناء على ذلك، فإن هناك فجوة بين التطلعات الإسرائيلية لتدخُّل فعّال من جانب هذه الدول في الإدارة السياسية للقطاع والمحافظة على الأمن الداخلي هناك، وبين الموقف الفعلي لهذه الدول. فالدول الخليجية ليست متحمسة للقيام بدور كهذا خوفاً من الضرر السياسي والدعائي الذي يمكن أن يلحق بها، ومن دون مقابل سياسي إسرائيلي. وفي هذه الحالة، من المرجح أن تؤدي هذه الدول دوراً اقتصادياً، ودوراً في إعادة الإعمار كنوع من الدعم عن بُعد، وليس دوراً أمنياً مهماً. ومن المتوقع أن ترفض مصر إرسال قواتها إلى القطاع خوفاً من إمكانات التورط في مواجهات مع "حماس".
  • ترتيبات أمنية: ومن الممكن نشوء خلاف مركزي آخر لا يتعلق فقط بالاختلاف في وجهات النظر، بل أيضاً له علاقة بالنظرة الأمنية المختلفة لإسرائيل والولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، تطالب الإدارة الأميركية ببقاء المساحة الجغرافية للقطاع كما هي اليوم، وتعارض أي تغييرات تقوم بها إسرائيل على الأرض، منها إقامة نوع من "حزام" أمني بعمق كيلومتر، ويمتد على طول الحدود مع إسرائيل. وهناك مشكلة أمنية أُخرى لها علاقة بمحور فيلادلفي، إذ إن المطلوب من مصر أن تبدي مرونة من أجل السماح بحل يأخذ في الاعتبار الحاجات الأمنية الحيوية لإسرائيل.
  • إعادة إعمار القطاع: تُعتبر مسألة إعادة إعمار قطاع غزة مسألة حساسة، ولها تداعيات في هوية السلطة المستقبلية في القطاع. والعنوان الأساسي للتمويل هو المجتمع الدولي، وخصوصاً دول الخليج (مع أو من دون قطر)، وجزء من هذه الدول لديها أجندات تنافسية.

مجالات الاتفاق

  • تستند المعلومات بشأن المبادرات المتعددة من الدول العربية جزئياً على تسريبات مقصودة هدفها اختبار الجدوى، ومقارنة هذه المبادرات بالموقف الإسرائيلي تتيح مجالاً لا بأس به للاتفاق:
  • مشاركة فلسطينية في إدارة القطاع: من الممكن قيام اتفاق على سيطرة سلطة فلسطينية "معدّلة" مع زعامة مختلفة. ومن الممكن أن تنضم إسرائيل في هذا السياق إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والدول العربية من أجل فرض الإصلاحات على السلطة الفلسطينية، وقيام زعامة بدلاً من زعامة أبو مازن، وهذا ما تحدث عنه تساحي هنغبي في موقع "إيلاف"، حين قال إن إسرائيل تدرك رغبة المجتمع الدولي في إشراك السلطة الفلسطينية في مستقبل القطاع، وإن مشاركة كهذه ممكنة بعد إجراء الإصلاحات في السلطة في مجال التعليم، ووقف التحريض ضد إسرائيل. وإن نطاق التوافق بين إسرائيل والدول العربية ممكن لأن هذه الدول ضاقت ذرعاً بالقيادة الحالية للسلطة... وهناك مخرج ممكن آخر؛ هو تشكيل حكومة "تكنوقراط" من أشخاص على صلة بالقطاع، وليسوا من المتماهين علناً مع السلطة الفلسطينية وزعامتها الحالية، كسلام فياض.
  • إضعاف "حماس": يمكن أن تبدو هذه المبادرات مفيدة إذا سمحت بخروج "كريم" بالحد الأدنى لـ"حماس" من جهة، ومن جهة ثانية، تحقق الأهداف الرئيسية لإسرائيل في الحرب؛ وفي طليعتها تحرير المخطوفين، وتحييد القدرات العسكرية والسلطوية لـ"حماس"، وتأمين ترتيبات أمنية تتعلق بغزة قابلة للعيش بالنسبة إلى إسرائيل على المدى المتوسط والبعيد.
  • وتحرير المخطوفين في مقابل نفي زعامة "حماس"، كما تقترح المبادرة السعودية، يمكن أن يشكل حلاً، لكن ليس من الواضح ما إذا كان حلاً واقعياً في ضوء معارضة قيادة "حماس" في غزة. وحل إيجاد حكومة وحدة فلسطينية تكون فيها "حماس" طرفاً سياسياً ضعيفاً ومنزوع السلاح وخاضعاً للسلطة الفلسطينية يمكن أن تشكل حلاً آخر، ولو موقتاً. وهذه الخطة التي من الصعب أن تقبل بها إسرائيل يمكن أن تشكل أساساً لمشاركة دول المنطقة والعالم من أجل إرساء واقع استراتيجي جديد في قطاع غزة.
  • دور الدول العربية في غزة: ثمة مجال آخر للتوافق عبر الاستعداد العربي للقيام بدور فعّال في الأمور التي ستجري في القطاع في "اليوم التالي". وتضع الدول العربية شروطاً على أي تدخُّل ممكن من جانبها، لكنها تدرك أن الاستجابة لطلب الولايات المتحدة يمكن أن يعطي فوائد استراتيجية، كإضعاف إيران وأذرعها، وتوسيع نفوذها في القطاع والساحة الفلسطينية والمجال العربي، بالإضافة إلى تحريك عملية سياسية إسرائيلية - فلسطينية. ومن أجل تشكيل حوافز لتدخُّل عربي أكثر فعالية في غزة، فإن المطلوب تقديم مقابل أميركي ودولي لهذه الدول العربية.
  • استئناف عمليات التطبيع: هناك موافقة سعودية على ربط إعادة تحريك عملية التطبيع مع إسرائيل بتدخُّل أكبر من جانبها في قطاع غزة في "اليوم التالي". والموافقة السعودية على استئناف الاتصالات بشأن التطبيع تنطوي على إمكان وجود عملية سياسية يمكن أن تعزز السلطة الفلسطينية على حساب "حماس"، وهذا هو شرط قبول الولايات المتحدة الأميركية المطالب السعودية (الحصول على قدرة نووية مدنية، واتفاق دفاعي، وعتاد عسكري متطور) وموافقة إسرائيلية على تحريك العملية السياسية، وهذه المطالبة السعودية ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر إلحاحاً بعد الحرب، مع تعزُّز المواقف المؤيدة للفلسطينيين في المنطقة.

الخلاصة

  • إن ضرورة بلورة وتقديم وجهة نظر استراتيجية بشأن "اليوم التالي" ليست مقبولة عند الجميع في إسرائيل، كما أن مصطلح "اليوم التالي" نفسه الذي يُطرح في الخطاب السياسي والإعلامي المرافق للخطوة العسكرية له معانٍ متعددة بالنسبة إلى كثيرين في إسرائيل وخارجها، والمبادرات الدولية المطروحة علناً حتى الآن تبرز المكانة الرئيسية للدول العربية في تقديم الدعم إلى الحلول المتعددة، بل وفي مجال المشاركة في تطبيقها. وعلاوة على ذلك، فإن المبادرات العربية (وخصوصاً السعودية والمصرية) هي الأكثر احتواء للتفاصيل حتى الآن، بما يتجاوز المبادئ الأساسية المذكورة في المبادرات الدولية المطروحة. والتمحيص في المبادرات التي نُشرت علناً حتى الآن، على الرغم من كونها جزئية، كشف عن وجود فجوات هائلة بينها، إلى جانب قواسم مشتركة ممكنة بين إسرائيل والدول العربية والولايات المتحدة، وعلى رأسها سلطة فلسطينية "معدّلة" في قطاع غزة، وهذا يشير إلى أن على إسرائيل محاولة استغلال القواسم المشتركة مع دول الإقليم والجهات الدولية الضالعة من أجل القضاء على سلطة "حماس". وينطوي تعاون الأطراف الدولية والإقليمية أيضاً على إمكانات ضمان تعزيز المصالح الأمنية الإسرائيلية.
  • وعلى الرغم من العمل الشامل الذي تقوم به هيئات إسرائيلية مهنية، ومنها معهد دراسات الأمن القومي، فإن إسرائيل امتنعت حتى الآن من نشر علني لردودها على المبادرات الإقليمية، أو على الأقل نشر أفكار خاصة بها بشأن "اليوم التالي"، سواء لأسباب سياسية داخلية وائتلافية، أو بسبب الرغبة في الاحتفاظ بأوراق اللعب غير مكشوفة، أو بسبب المصاعب الحقيقية في بلورة حلول قابلة للتطبيق، وعلى الرغم من ذلك، فإن جهات إسرائيلية، وعلى رأسها نتنياهو، ووزير الدفاع، قد تطرقت إلى المكانة الأساسية التي سيُطلب من دول عربية محددة شغلها في تشكيل الواقع المستقبلي في القطاع. ومع ذلك، فإن ردم الفجوات يمكن أن يتمثل في تبنّي خطوة متدرجة، يُسمح في إطارها بدخول السلطة الفلسطينية المعدّلة إلى غزة بدلاً من "حماس"، وهي خطوة لن تكون فورية، إنما ستكون خاضعة لشروط، وستكون نتيجة عملية صادقة وإصلاحات مطلوبة من السلطة، ويمثل الأمر تحقيقاً للهدف الأمني على المديَين المتوسط والبعيد. وستوافق إسرائيل على الهدف النهائي، لكن تطبيقه سيكون خاضعاً لتحقق الأوضاع الملائمة على الأرض. وفي المقابل، سيتم من جديد إطلاق عملية التطبيع مع السعودية.
  • إن السعوديين يتركون الباب موارباً لمعاهدة التطبيع، أو "الاندماج" بحسب وصفهم. ولقد ظلت المصالح والدوافع السعودية والأميركية على حالها، بل وقد تعززت، كما أن إنهاء حكم "حماس" في غزة سيوفر فرصة لتجديد العملية السياسية، مع اشتراطها مشاركة نشيطة من جانب السعودية، ومصر، ودول عربية إضافية، من أجل توفير الدعم الاقتصادي للسلطة، وتدريب قواتها، والمساعدة في إجراء انتخابات، من دون إدارة الحياة اليومية في القطاع، وفرض القانون والنظام فيه. إن وجود اتفاقية تطبيع إسرائيلية - سعودية سيكون رداً لائقاً على ما سعت "حماس" وإيران لوقفه عبر الهجوم، وإن اتفاقية كهذه ستوفر مكاسب اقتصادية لإسرائيل، وتحسن شرعيتها أمام العالمَين العربي والإسلامي، وتعزز مكانة الولايات المتحدة في الإقليم، والعَظَمَة السياسية والأمنية السعودية، أمام إيران. كما سيتم النظر إلى إسرائيل بصفتها هي من تفتح الباب أمام السلام، وتجني أرباحاً كثيرة من الإدارة الأميركية، وتستعين بالحيز العربي والمجتمع الدولي المساند في مرحلة اليوم التالي.

توصيات

  • يتعين على إسرائيل الأمور التالية:

1. صوغ وتقديم وجهة نظر استراتيجية بشأن مسألة "اليوم التالي"، مع التركيز على القواسم المشتركة المتفق عليها مع الدول العربية.

2. الاعتراف بالفجوة القائمة بين رغبتها في رؤية الدول العربية تتولى المسؤولية المباشرة عن إدارة القطاع والمحافظة على القانون فيه في اليوم التالي من جهة، ومواقف هذه الدول عملياً، والتي تتحفظ على الأمر، من جهة أُخرى.

3. استقطاب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى موقفها من أجل ضمان استجابة لائقة لمصالحها الأمنية، وضمان إضعاف "حماس"، وتسخير دول المنطقة لأداء أدوار بناءة.

4.  التأكد من اشتراط دور قطر في القطاع في "اليوم التالي"، بتغيير السياسة القطرية تجاه "حماس"، في حال ظلت "حماس" في القطاع كتنظيم سياسي، ودمج قطر في منظومة دولية عربية داخل القطاع.

5. المشاركة في إنشاء الأفق السياسي المنشود، فلسطينياً، والدمج المتدرج والمشروط لسلطة فلسطينية معدّلة في قطاع غزة، بالترافق مع تعزيز عمليات التطبيع مع السعودية.