الإغاثة الإنسانية المرسلة إلى غزة تثبت أن الأميركيين لا يعبثون.
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

__

 

  • ها هو الأسبوع الذي تصادف فيه ذكرى مرور خمسة أشهر على الحرب، يبدأ بتصعيد إضافي على جبهة القدس واشنطن؛ إذ قام الأميركيون، تحت تأثير الحادثة الاستثنائية التي قُتل فيها عشرات الفلسطينيين (مع وجود ادعاءات بأن أعداد القتلى في تلك الحادثة أكبر)، بإسقاط مساعدات إنسانية. وقد عيل صبر الإدارة تجاه حكومة نتنياهو بأي حال، وباتت قدرة الإدارة على تحمُل الحكومة الإسرائيلية أقل كثيراً مما سبق. وكان ردّ بايدن على ما حدث، كلامياً، في تصريحه: "على إسرائيل أن تقوم بأكثر مما تقوم به بكثير"، وفعلياً، عبْر إسقاط المساعدات بالتعاون مع الأردنيين، وهذا كله يشير إلى أن البيت الأبيض قد ضاق ذرعاً بتضييع الحكومة الإسرائيلية الوقت، وخصوصاً في الوقت الذي بات بايدن فيه يشعر بأن فرصة تمديد ولايته لمرة ثانية يمكن أن تضيع من يده. ومع ذلك، فإنه لا يوجد الآن خطر من أن تقرر الولايات المتحدة وقف تجديد مخزون الذخائر الإسرائيلي، مع التشديد على كلمة "الآن".
  • وقد قضى المستويان، السياسي والعسكري، الإسرائيليان أسابيع طويلة في محاولة حل المعادلة المعقدة المتمثلة في المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع؛ فمن جهة، ظل هناك نحو 300,000 غزي يجب العثور على طريقة للتعامل معهم، وفق ما التزمته إسرائيل أمام الأميركيين وباقي الدول الداعمة لها في الغرب. ومن جهة أُخرى، فإن الحالة المدنية في شمال القطاع هي ورقة مهمة في المفاوضات مع "حماس" في مسألة استعادة المختطفين، وإسرائيل غير مستعدة للتخلي عن هذه الورقة "مجاناً". وفوق كل شيء، فإن شمال القطاع يُعد منطقة قتال مفتقرة إلى آليات فرض القانون والنظام، وفي هذه المنطقة، وحده القوي وحامل السلاح والقابض على كيس الطحين يمكنه أن يصمد. ومعنى ذلك أنه إذا كانت إسرائيل تريد الآن تنظيم تحويل المساعدات إلى الشمال، فإن هذه المساعدات يتم "نهبها" من جانب العصابات المسلحة، وأشخاص لا يحبون الوقوف في الطابور لاستلام المساعدات.
  • لقد سمحت إسرائيل، منذ بداية الحرب، بدخول 14,000 شاحنة تحمل الغذاء، والماء، والأدوية، ومعدات الإيواء. وفي الشهر الماضي وحده، دخلت أكثر من 3000 شاحنة، كما أن منسق أعمال الحكومة في المناطق، الجنرال غسان عليان، قد أدخل، بالتنسيق مع الدول والمنظمات الدولية، 6 مستشفيات ميدانية تمثّل بدائل للمشافي التي تحولت إلى مقرات لقيادة "حماس" في غزة. لكن الأمم المتحدة ترفض، منذ نحو شهر، نقل معدات إنسانية إلى شمال القطاع خشية عمليات النهب العنيفة، وهكذا، فقد قامت باستبدال سائقي شاحناتها بسائقي شاحنات محليين وافقوا على تنفيذ المهمة المعقدة، لكن هذا لم يحل المشكلة.
  • وفي محاولة لإيجاد حلول إبداعية لهذه المشكلة، قام الجيش بتوسيع نطاق عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية التي تقوم بها الجيوش الأجنبية. وعلى الرغم من أن هذه المساعدات لا تمثل سوى قطرة في محيط الحاجة إلى المساعدات، فإن المستويَين، السياسي والعسكري، يفضلان أن تعرض شاشات التلفزة الأميركية صور إنزال المساعدات جواً بدلاً من صور الأطفال الجوعى، وهم يعرفون كم يمكن لصور كهذه أن تؤثر في الرأي العام.
  • إذا كانت الأزمة الحالية، كما أسلفنا، بعيدة عن نهايتها، فهي تعلّمنا أمراً آخر يمكن أن يفيدنا في المستقبل؛ وهو أن المساعدات الإنسانية ليست جائزة ترضية أو تعبيراً عن رهافة الحس، إنما هي حاجة استراتيجية ضامنة لتحقيق أهداف الحرب. وهنا، فالمفترض أن اللعبة المزدوجة التي يقوم بعض أعضاء الحكومة ضد المتظاهرين الذين يسدون الطريق أمام المساعدات ليست في مصلحة إسرائيل، وهذا بكل تأكيد لا يعبّر عن وجود قيادة حكيمة.
  • وبالتوازي من ذلك، يواصل الجيش استعداداته لدخول رفح، لكنه يطلب من المستوى السياسي بذل جهد سياسي تكميلي، يتطلب تنازلات سياسية. وتفيد التقديرات حتى هذه اللحظة بأن لحظة إطلاق العملية في رفح لا تزال بعيدة، بسبب الضغط الأميركي، لكن مقاتلي الجيش في غزة لا يملكون ترف انتظار التئام مجلس الكابينيت كي يناقش اليوم التالي للحرب، والقرار الذي سيُتخذ فيه سيؤثر في الخطوة المقبلة في الحرب وفي المعارك التي تُخاض في الميدان، وهي معارك صعبة في المناطق المكتظة، والدليل على ذلك حادثة خان يونس الخطِرة التي سقط فيها 3 جنود وجُرح 14 بعد استدراجهم إلى منزل مفخخ.
  • وفي جبهة أُخرى، وهي الجبهة السورية، يقوم الجيش بمطاردة "المستشارين" الإيرانيين، وتنفيذ نشاط ممنهج وناجح للقضاء على أعداد متزايدة من ضباط الحرس الثوري. وتقول جهات غربية إن هذه الجهود بدأت تثمر، وقد أسفرت عن إبعاد الضباط من سورية. وفي يوم الجمعة الماضي، وردت تقارير عن مقتل 3 ضباط منهم، وإصابة 7 في هجوم منسوب إلى إسرائيل في مدينة بانياس الواقعة غربي سورية. ويستوجب هجوم كهذا الذي حدث في شقة سرية تقع على مسافة مئات الكيلومترات من الحدود، الحصول على معلومات استخبارية دقيقة، كما تحمل عمليات كهذه رسالة واضحة إلى الإيرانيين وأنصارهم بشأن مدى قابليتهم للاختراق.
  • في لبنان أيضاً، تم تنفيذ عملية تصفية لثلاثة ناشطين إيرانيين، في غارة على سيارة في الناقورة، وينتمي "المخربون" الذين تمت تصفيتهم إلى فرقة مرتبطة بإيران، وتعمل لمصلحة حزب الله، وتشمل عملياتها إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل. وفي ذلك القطاع الجغرافي، يسجل الجيش أيضاً نجاحاته التكتيكية؛ إذ قتل خلال ثلاثة أيام 7 من ناشطي حزب الله، في عمليات رد اعتبار سريعة. وعلى الرغم من ذلك، فإن المقياس الوحيد الذي يمكن أن نكيل به ما يحدث في الشمال يتمثل في استعادة الأمان إلى الحد الذي يتيح عودة السكان إلى منازلهم، وهذا لن يكون أمراً سهلاً.