آن الأوان لأن تبدأ إسرائيل بالإصغاء مثلما تتحدث
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بالنسبة إلى مَن ينظر من الخارج، يبدو أن الخلافات السياسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل تدفع إلى البلبلة، حتى إنها متناقضة: إدارة بايدن عبّرت عن دعم غير مسبوق لإسرائيل - تزويد بالسلاح بشكل مستمر، ودعم سياسي متواصل - حتى في ظل المعارضة المتصاعدة لهذا الدعم داخل الحزب الديمقراطي، وفي الجامعات والجاليات العربية - الأميركية. وفي الوقت نفسه، هناك تصعيد في الرد الإسرائيلي على المطالب الأميركية بتقليص حجم الهجوم على غزة والسماح بدخول مساعدات إنسانية. ففي تصريح إشكالي، قيل "نحن لسنا جمهورية موز"؛ وبعد أن امتنعت الولايات المتحدة من استخدام "الفيتو"، رفضت إسرائيل إرسال وفدها إلى واشنطن لإجراء حوارات بشأن رفح، على الرغم من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أكد لبايدن أنه سيرسل الوفد.
  • تفسير قرار منع إرسال الوفد لم يكن منطقياً: نتنياهو اعتبر قرار الولايات المتحدة "تراجعاً" عن مواقف الإدارة السابقة. أولاً، من غير المقبول، وأيضاً من المخجل أن يقوم قائد أجنبي بوصف السياسة الأميركية بهذا الشكل. الولايات المتحدة تصوغ سياساتها بنفسها، بعد أخذ آراء الأصدقاء والحلفاء بعين الاعتبار. دعمها المتواصل لإسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كافٍ لدفع رئيس الحكومة إلى التوقف ومراجعة حساباته، قبل أن يوجه انتقادات كهذه بشأن الامتناع الأميركي.
  • ثانياً، قرار مجلس الأمن تضمّن ما يكفي من الشروط التي ضمنت الولايات المتحدة وجودها وقدمتها بنفسها في الأسبوع الماضي (واستخدم كلٌّ من روسيا والصين الفيتو ضدها)، من أجل إقناع الإدارة بالسماح للقرار بالمرور. بصورة خاصة، القرار يطالب بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان- وهذا يعني أنه محدود- ويطالب بتحرير الرهائن من دون أي شرط. لذلك، من الصعب جداً تفسير حدة الرد الإسرائيلي. لا يوجد منطق في تأجيل سفر الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن.
  • وعلى الرغم من ذلك، فإن الإدارة أوضحت بشكل حاسم معارضتها لهجوم إسرائيلي واسع على رفح، من دون خطة تتطرق إلى أمن المليون فلسطيني "المتكدسين" هناك. الإدارة أيضاً أوضحت أنها لا تعارض، مبدئياً، خطوة هجومية ضد "حماس" في رفح، بشرط أن تأخذ هذه الخطة المدنيين بعين الاعتبار. هذا كان تفسير طلب إرسال الوفد. إذاً، لماذا لا يريد نتنياهو الحوار مع الأميركيين في هذه اللحظة الحاسمة ؟
  • وأيضاً، شنّ هجوم إسرائيلي كامل على رفح، من دون تشاور مع واشنطن، هو أمر يناقض المنطق. أولاً، التوقيت إشكالي جداً. الإدارة تبحث فيما إذا كانت إسرائيل تلتزم مذكرة الأمن القومي (Memorandum-20)، التي ترغم الدول التي تستعمل السلاح الأميركي على استخدامه فقط وفقاً للقانون الدولي، وأنها لن تعارض قيام الولايات المتحدة بتوزيع مساعدات إنسانية. إذا كانت إسرائيل لا تقوم بهذه الخطوات، فإن الرئيس سيبحث في خطوات إضافية، كتجميد إرساليات السلاح المستقبلية. وبعد تحذير نائبة الرئيس كاميلا هاريس من إسقاطات للهجوم على رفح، من الأفضل ألّا تحاول إسرائيل اختبار حدود صبر الولايات المتحدة بهذا الشأن، وفي هذا الوقت. ثانياً، على الرغم من ادعاء إسرائيل أنها حققت إنجازات معينة في الحرب ضد "حماس"، فإن الثمن - عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين القتلى وأزمة إنسانية في غزة - مرتفع جداً.
  • وأيضاً، لحِق الضرر بهذه الإنجازات مع عودة مقاتلي "حماس" إلى شمال القطاع، عبر الأنفاق، وعدم القدرة على منعهم ومنع قياداتهم من ذلك. إن شنّ هجوم كبير على رفح سيؤدي فعلاً إلى الإمساك بمزيد من مقاتلي "حماس"، لكن السؤال هو: بأي ثمن ولأي هدف، إذا كانت القيادات المركزية لـ"حماس" لا تزال في قيد الحياة وفعالة؟
  • حان الوقت لأن تبدأ إسرائيل بالإصغاء مثلما تتحدث. الفحص الدقيق لمطالب الإدارة من شأنه إقناع الولايات المتحدة بأنها شريكة في أهداف إلحاق الضرر الصعب بــ"حماس"، كي لا تستطيع العودة والسيطرة مرة أُخرى على غزة، وتهديد إسرائيل من جديد، والتوصل إلى تحرير الرهائن من دون شرط، أو بشروط تقبلها إسرائيل، وضمان المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين من دون أي تأجيل، وإعادة الأمن إلى غزة وبلدات الغلاف التي دُمرت خلال هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بشكل يسمح بعودة السكان إلى منازلهم وإعادة البناء، وتجديد المحادثات الدبلوماسية والمعالجة الجدية للقضايا الأساسية في هذا الصراع الذي يتضمن احتلالاً إسرائيلياً منذ 57 عاماً، و"إرهاباً" فلسطينياً مستمراً.
  • وتذكير تاريخي: دين راسك، وزير الخارجية الأميركي في إدارات جون كندي وليندون جونسون، قال مرة إن الأداة الأهم في الدبلوماسية هي القدرة والاستعداد للإصغاء. إنها نصيحة جيدة لحكومة إسرائيل الحالية.