بعد مرور نصف عام، إسرائيل تجد نفسها في حرب مختلفة عن تلك التي شنّتها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بعد مرور نصف عام على بدء الحرب، إن الميزان الإسرائيلي في مواجهة "حماس" لا يزال غير مُرضٍ. لقد دخلت إسرائيل الحرب من موقف استهلالي مخيف. غزو كثيف من حدود قطاع غزة، سيطرة فلسطينية على مستوطنات وأراضٍ، نحو 1200 قتيل (أغلبيتهم من المدنيين)، وأكثر من 250 مخطوفاً. لا توجد فعلاً وسيلة لتغيير هذه النتيجة. ومن الواضح للجميع، باستثناء بعض الأتباع من الحمقى، أن لا قيمة للوعود التي يطلقها رئيس الحكومة بالنصر المطلق، كل يوم أو يومين.
  • الرد الإسرائيلي على "مذبحة" 7 أكتوبر شمل توجيه ضربة قاسية إلى "حماس"، واحتلال أراضٍ، وإجلاءً قسرياً للسكان من شمال القطاع، وقتلاً جماعياً لعناصر الحركة، بالإضافة إلى مقتل 20 ألف مواطن فلسطيني، بحسب التقديرات. قرار الدخول البري إلى غزة كان ينطوي على قدر من المنطق. لقد فوجئت إسرائيل، وهي في ذروة ضعفها، وعدم وجود ردّ مؤلم يمكن أن يشجّع أعداءها في المنطقة على الانضمام إلى معركة "حماس". حتى الآن، وبعد كل الدمار والقتل، فإن هذا الخطر لم يختفِ تماماً (بل ازداد هذا الأسبوع).
  • لقد تحرك كلٌّ من الحكومة والجيش، انطلاقاً من إجماع عام واسع النطاق، يرى أن حملة "القتل" التي قامت بها "حماس" و"السادية" التي مارستها ضد المدنيين من سكان "غلاف غزة"، لا يمكن أن تسمحا لإسرائيل بالعيش بالقرب من هذا الحكم في القطاع. لكن بمرور الوقت، يجب الاعتراف أيضاً بما لم يتحقق كما كان متوقعاً في بداية العملية البرية. لقد كان سقف التوقعات مرتفعاً جداً بشأن تدمير حُكم "حماس" وتفكيك قدراتها العسكرية، طبعاً ضمن إطار زمني صارم لا يتجاوز عدة أشهر. لكن الحرب محكوم عليها بأن تدوم، ومن الصعب التصديق أن في الإمكان التفكيك الكامل لـ"حماس"، حتى في المستقبل.
  • بالإضافة إلى ذلك، وبالنسبة إلى الهدف الذي أضيف بعد مرور أيام قليلة، إيجاد الظروف لإعادة المخطوفين، فإذا كانت الحكومة والجيش ادّعيا في بداية الحرب أن المناورة البرية هي التي أدت إلى الصفقة الأولى لتبادل المخطوفين، فمن الواضح الآن أنه من الصعب أن نفرض على "حماس" صفقة ثانية وثالثة بالقوة، من أجل تحرير 134 مخطوفاً. والأصعب هو أن نستوعب موت مزيد من المخطوفين في الأسر، وأن أي تأخير يعتمد على أمل نظري بتحقيق الهدف الأول [القضاء على "حماس"] يُلحق الضرر بتحقيق الهدف الثاني.
  • ماذا يؤلم "حماس"؟ بحسب ضباط في الجيش الإسرائيلي، تتأثر قيادة الحركة بمقتل مسؤولين رفيعي المستوى لديها، وبخسارة الأرض لفترة زمنية طويلة، وبمحاولات الإسرائيليين القضاء على حكمها في شتى أنحاء القطاع. بالنسبة إلى القتلى في صفوف "حماس"، تتراوح تقديرات الجيش الإسرائيلي ما بين 9000 و12000 قتيل، الحركة نفسها قدّرت عدد شهدائها بنحو 6000 قتيل، وذلك عبر اتصال نادر بوكالة رويترز في منتصف شباط/فبراير الماضي. ومن المعقول أن يكون العدد الحقيقي من بين هذه التقديرات. من الواضح للجيش الإسرائيلي، شأنه شأن كل الجيوش الغربية الأُخرى التي تخوض حرباً ضد "الإرهاب" وحرب عصابات، أن يكون "تعداد الجثامين" مبالغاً فيه، وأحياناً، يعتبر الجيش بعض المدنيين خسائر في صفوف العدو، وخصوصاً الرجال، الذين سقطوا في قصف مبنى، أو كانوا في المنطقة التي دُمرت بالقرب من مستوطنات ومواقع عسكرية، من أجل درء الخطر عن قواتنا.
  • لا يمكن أن نتجاهل الضغط من فوق من أجل إيقاع "عدد أكبر من القتلى"، أي قتل مزيد من الأعداء، والحديث عن ذلك. وهذا الطلب، على ما يبدو، له علاقة بقصف شاحنات المساعدات في دير البلح هذا الأسبوع، والذي أدى إلى قتل 7 موظفين من منظمة إغاثة دولية.
  • في القتال في غزة، بلغ عدد قتلى الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع 600 قتيل. سقط نصفهم خلال المناورة البرية التي بدأت في منتصف تشرين الأول/أكتوبر. وهذا العدد أقل كثيراً من التنبؤات القاتمة للجيش في بداية الحرب. لقد أثبتت الحرب، على الأقل في القطاع، أنه لا يمكن الوقوف في وجه فرقة عسكرية إسرائيلية ومنع تقدُّمها. لقد اختارت "حماس" بدائل أُخرى: تحت الضغط الإسرائيلي، انقسمت الكتائب والألوية المناطقية إلى فرق صغيرة حاولت مهاجمة القوات الإسرائيلية خلال تقدُّمها، وبعد تمركُزها وسيطرتها على الأرض.
  • لقد كان السلاح الأكثر نجاعةً للفلسطينيين في القتال هو صاروخ الأر بي جي المحمول، الذي ما زال يحقق عدداً كبيراً من الإصابات، وخصوصاً في مواقع المراقبة الثابتة. وجزء أساسي من الجهد الحربي الفلسطيني له علاقة بالتوثيق، وإذا لم يُصوَّر شريط فيديو يُظهر مقتل الجنود وينتشر بسرعة، فكأن هذا لم يحدث بالنسبة إلى "حماس".
  • بالإضافة إلى النصر المطلق، يتعهد نتنياهو احتلال رفح. عملياً، التحضيرات لهذا الاحتلال معلقة. وخلال المحادثات التي جرت عبر تقنية الزوم بين مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، أوضحت الإدارة الأميركية أن على الجيش الإسرائيلي إيجاد طريقة لإجلاء 1.3 مليون فلسطيني من رفح، قبل دخوله إلى المدينة. لقد أبدى الطرفان تقديرات مختلفة بشأن الوقت اللازم لإجلاء السكان. ونظراً إلى أن عملية في رفح يمكن أن تستغرق وقتاً، من المحتمل أن تبحث إسرائيل لنفسها عن أهداف أُخرى. ومن الاحتمالات المعقولة اقتحام مخيمَي النصيرات ودير البلح في وسط القطاع.
  • يوم الأربعاء الماضي، قال رئيس الأركان هرتسي هليفي للجنود في خانيونس إن التوصل إلى اتفاق بشأن المخطوفين هو "مهمة عليا لن تتحقق إلا بواسطة مزيد من الضغط القوي. وسنضغط بقدر الحاجة إلى ذلك". الجديد هنا هو في الجزء الأول من العبارة، والذي يحدد الأولوية العليا. وهذا الشعور موجود لدى القيادة العسكرية، لكن من أجل تحقيقه، هناك حاجة إلى التخفيف من الرفض الإسرائيلي، والسماح بعودة كبيرة للسكان الفلسطينيين إلى شمال القطاع، وهذا هو الموقف الذي يتمسك به هليفي.
  • في الأيام الأخيرة، وعلى خلفية الهجوم على شاحنات المساعدات، جرت محادثات متوترة بين مسؤولين كبار في واشنطن وفي القدس. ووجّه الأميركيون انتقادات حادة إلى عمليات الجيش الإسرائيلي، وطالبوا بشفافية كاملة في التحقيق وخلاصاته. تنجح إسرائيل، بطريقة أو بأُخرى، في تدمير كل ما تقول الإدارة الأميركية إنه مهم بالنسبة إليها، منع المجاعة، الامتناع من قتل المدنيين، ومن تدمير واسع النطاق للمباني، وحماية منظمات الإغاثة الدولية. ومن المحتمل أن تزيد الحوادث الأخيرة للجيش الإسرائيلي في الضغط من أجل التوصل إلى وقف النار. لكن في ظل الموقف التفاوضي الإسرائيلي الحالي، ليس من المحتمل أن يكون هذا مرتبطاً بصفقة مخطوفين، ويمكن التقدير أن "حماس" أدركت موقعها المتميز، وستستغله من أجل التشدد في مطالبها. خلال الحديث الهاتفي الذي جرى ليل أمس بين الرئيس الأميركي بايدن وبين نتنياهو، طالب بايدن بالتوصل إلى وقف إطلاق نار فوري...
 

المزيد ضمن العدد