طبيب في معسكر "سديه تيمان" لوزراء وللمستشارة القضائية للحكومة: جميعنا نتحول إلى شركاء في خرق القانون
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يصف طبيب في مستشفى سجن "سديه تيمان"، الذي يتم اعتقال الغزيين فيه، في رسالة أرسلها إلى وزيرَي الدفاع والصحة، وإلى المستشارة القضائية للحكومة، ظروف الاعتقال في السجن. وبحسبه، فإن هذه الظروف تجعل حياة المعتقلين في خطر، والدولة تخاطر بخرق القانون. وجاء في الرسالة "خلال هذا الأسبوع فقط، خضع مريضان لعملية بتر ساقيهما بسبب الضرر الذي أصابها جرّاء تكبيلهم. للأسف - الحديث يدور حول حدث روتيني". وبحسب الطبيب، هناك عمليات تغذية في المستشفى عبر القشة، وقضاء الحاجة في حفاضات، وتكبيل اليدين بشكل دائم - وهذه الظواهر تتعارض مع المعايير الطبية، وأيضاً مع القانون.
- لقد أقيم المعتقل في "سديه تيمان" مع بدء الحرب، وكان الهدف منه اعتقال أعضاء "حماس"، وبينهم "المخربون" الذين شاركوا في "المذبحة" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، حتى نقلهم إلى السجون. ومع بدء الحرب، مرّر الكنيست قانوناً بشأن الاعتقال، وصف فيه الظروف التي يجب أن يجري فيها الاعتقال. ومنذ الدخول البري إلى قطاع غزة، يتم اقتياد المعتقلين الذين يصلون إلى "سديه تيمان" والتحقيق معهم بشبهة "الإرهاب"، لكن يتم تحرير كثيرين منهم وإعادتهم إلى القطاع، بعد أن يتبين أن لا علاقة لهم "بالإرهاب".
- وقال الطبيب "منذ الأيام الأولى لتشغيل المعتقل، وحتى اليوم، أواجه معضلات أخلاقية صعبة. وأكثر من ذلك - أنا أكتب بهدف التحذير من أن ظروف المعتقل لا تتماشى مع أي بند من بنود القانون بشأن صحة المعتقلين غير القانونيين". وأشار إلى أن المستشفى لا يزوَّد بالدواء والمواد الطبية بشكل منظم، وأن جميع الموجودين فيه مكبلو الأيدي والأرجل من دون علاقة ذلك بدرجة خطورتهم، وهم معصوبو الأعين، ويتم إطعامهم بالقشة. وقال إنه "في هذه الظروف، حتى المرضى الشبان الذين يتمتعون بصحة جيدة، تنخفض أوزانهم بعد أسبوع، أو أسبوعين من وجودهم في المستشفى".
- وعلّق المتحدث باسم الجيش قائلاً: يُمنح المعتقلون الطعام، بحسب حاجاتهم الصحية، ويحصلون على خدمات، بحسب أوضاعهم الطبية. وإذا كانت حركتهم محدودة، بحسب الجيش، فيتم استعمال الحفاضات. معايير التعامل مع المعتقلين في مستشفى "سديه تيمان"، وكيفية تقييدهم وعصب أعينهم، وردت في نشرة خاصة صدرت عن وزارة الصحة في كانون الأول/ديسمبر 2023. وبحسب مصدر كبير في وزارة الصحة، فإن التعامل مع المعتقلين المقيدين جرى اعتماده، بعد اعتداء أحد المعتقلين على الطاقم الطبي.
- عموماً، إن المعتقلين في "سديه تيمان" مقيدون طوال ساعات اليوم وعيونهم معصوبة. وبحسب الطبيب، فإن وجود أكثر من نصف الذين يتم علاجهم في المستشفى هو بسبب إصاباتهم خلال الاعتقال، وبسبب التقييد الدائم. وبحسبه، فإن التقييد يؤدي إلى إصابات صعبة "تتطلب التدخلات العلاجية المتتالية". وبحسب المتحدث باسم الجيش، يتم اعتماد التقييد "بحسب القانون، وبحسب درجة الخطورة الفردية لكل معتقل، وبهدف الحفاظ على أمن القوات والطواقم الطبية". وأضاف أنه استناداً إلى قانون تقييد المعتقلين، يتم أخذ وضع المعتقل الصحي، وأيضاً توصية الطواقم الطبية، بعين الاعتبار. وبحسب الجيش، بسبب الإصابات، تم تغيير القيود وأماكنها، ويتأكد الحراس من أن هناك مساحة بين جسد المعتقل والقيود. وعلمت صحيفة "هآرتس" بأنه بعد بضعة أشهر، تم تبديل القيود البلاستيكية التي جرى استخدامها بقيود حديدية في "سديه تيمان".
- وبالإضافة إلى الادعاءات الصادرة عن الطبيب، قالت 3 مصادر لـ"هآرتس" في بداية الحرب إن أحد المعتقلين، وبسبب التقييد المستمر ليديه، جرى قطع يده. وعلّق الناطق باسم الجيش أنه تم التحقيق في الحدث، وبعد أن تبين أنه لا توجد أي مخالفة جنائية، اتُّخذ قرار عدم فتح تحقيق في الشرطة العسكرية.
- وبحسب ما قاله مصدر لـ"هآرتس"، فإن كثيرين من المعتقلين يعانون جرّاء تردّي أوضاعهم الصحية. بعضهم أصيب خلال المعارك في الحرب، وإصاباتهم باتت أصعب بسبب الظروف في المعتقل وانعدام النظافة. وآخرون لديهم أمراض مزمنة. وقال إنه منذ بداية الحرب، على مدار أشهر، كان هناك نقص في أدوية معالجة الأمراض المزمنة، وبعض المعتقلين يعاني جرّاء مرض عضال مزمن. وأضاف المصدر أنه على الرغم من أن عدداً كبيراً من المعتقلين يعاني جرّاء مشاكل طبية، فهم في أغلبيتهم، لا يتلقون العلاج في المستشفى، إنما يتم الإبقاء عليهم داخل الزنازين، والممرضون هناك يقدمون لهم العلاج. وقال المصدر إن وتيرة التزويد بالأدوية للأمراض المزمنة ازدادت منذ ذلك الوقت. وأضاف أن أيادي عدد كبير من المعتقلين قُطعت وتلوثت بسبب التقييد. وهو ما تؤكده صور المعتقلين الذين تم تحريرهم إلى غزة، وتظهر فيها الجروح على أيديهم.
- معسكر الاعتقال "سديه تيمان" المخصص للمعتقلين من غزة، مركّب من أقفاص يوضع فيها المعتقلون، ومستشفى ميداني. وبحسب المصادر، هناك ما بين 600 و800 معتقل غزّي في المعسكر، ويوجد في المستشفى، الذي وصف الطبيب ظروفه، عدد قليل من الذين يحتاجون إلى علاج بسبب حالة حرجة. يتم نقل عدد من المعتقلين إلى السجون في إسرائيل، وإعادة عدد آخر منهم إلى غزة بعد التحقيق، إذا لم يكن هناك حاجة إلى استمرار الاعتقال. وبحسب معطيات مصلحة السجون التي تم نقلها إلى "هموكيد - لحماية الفرد" في 1 نيسان/أبريل، كان هناك 849 معتقلاً من غزة في السجون، هذا بالإضافة إلى المعتقلين في "سديه تيمان".
أحياناً متخصص في العظام، وأحياناً أُخرى طبيب نسائي
- يجب على معسكر "سديه تيمان" العمل بحسب تعديل قانون اعتقال المقاتلين غير القانونيين، الذي أقرّه الكنيست. ويدّعي الطبيب في الرسالة أن عمل المعتقل لا يتماشى مع القوانين، وضمنها قانون الحقوق الطبية، بحسب الوضع الصحي للمعتقلين، ومن حقهم الحصول على ظروف صحية، وظروف نوم، لا تعرّض حياتهم، أو كرامتهم للخطر، وأيضاً يحتاجون إلى ساعتين من التعرض لأشعة الشمس في اليوم.
- ويشير الطبيب في الرسالة إلى أن المعتقلين لا يحصلون على علاج لائق، حتى لو تم نقلهم إلى المستشفى. وقال "حتى لو نُقل مريض إلى المستشفى، فإنه لا يبقى هناك أكثر من ساعات معدودة. هذا ما يجري حتى بعد أن يتم إجراء عمليات كبيرة، كعملية جراحية في البطن لإزالة الأمعاء، فبعد ساعات يجري نقلهم إلى الموقع الطبي في "سديه تيمان"، حيث يوجد طبيب واحد في معظم ساعات اليوم، ومعه مساعدة من طاقم التمريض". وهذا بدلاً من أن يبقى تحت المراقبة في قسم الأمراض الباطنية. وبحسب أقوال الطبيب، فإن الطبيب في "سديه تيمان" يمكن أن يكون طبيب عظام، أو متخصص في الأمراض النسائية. وبحسبه، "أحياناً، ينتهي الوضع بمضاعفات، وأحياناً أُخرى بموت المريض".
- وبحسب الطبيب، بهذا السلوك "نتحول جميعاً - أنتم، المسؤولون عنا في وزارة الصحة ووزارة الدفاع، وأيضاً نحن الطواقم الطبية، إلى شركاء في خرق القانون الإسرائيلي، والأسوأ من ذلك بالنسبة إليّ كطبيب - خرق الالتزامات الأساسية لدى معالجة المرضى، بحسب القسَم الذي أقسمته في نهاية دارستي للطب، قبل 20 عاماً". وعلّق المتحدث باسم الجيش قائلاً: إن الجيش ووزارة الصحة "يعملون على التزويد بالأدوية والأدوات الطبية، بحسب الحاجة في الموقع الطبي. كما يجري إخلاء المعالجين إلى منشأة طبية، بحسب وضعهم الصحي، والقرار يُتخذ وفقاً لمعايير مهنية فقط".
- الجهات الرسمية التي حصلت على الرسالة التي أرسلها الطبيب، قالت إنها تتعامل معها "بجدية"، وأضافت أنها لم تنجح في تأكيد، أو نفي ادعاءاته، لكن التقديرات تشير إلى أنه سيتم فحص ما يحدث في المعتقل. وبحسب معلومات وصلت إلى "هآرتس"، عُقدت خلال الأسابيع الماضية جلسات للبحث في الموضوع، من دون علاقة لها بالرسالة، وبمشاركة نائب المستشارة القضائية للحكومة أفيتال سومفولينسكي، والمستشارة القضائية لوزارة الصحة دانا نويفيلد وطاقم من النيابة العسكرية.
- ويدّعي الطبيب في الرسالة أنه حذّر مدير عام وزارة الصحة سابقاً من هذه الانتهاكات. وأشار إلى وصول "ممثلين لوزارة الصحة، وصدرت أوامر بشأن كيفية التقييد الصحيح، لكن لم يجرِ الالتزام بها، كما أُنشئت لجنة أخلاقية في المعتقل. للأسف، على الرغم من هذا كله، ومن النيات الحسنة لأعضاء اللجنة، فإنه لم تحدث أي تغييرات جدية في شكل العمل". وأضاف الطبيب أن حقيقة وجود "قلق لدى أعضاء الطاقم القانوني بسبب تورطهم في المعتقل الذي يتم تشغيله بعكس قواعد القانون الموجود، مقلقة".
- وردّ الناطق الرسمي باسم الجيش، قائلاً "الجيش يعمل بحسب القانون، وفي إطاره، إزاء كل ما يتعلق بمعالجة المعتقلين. كل المسار موثّق ومراقَب، ويجري وفقاً لاحترام حقوق الإنسان للمعتقلين، بحسب القانونَين الإسرائيلي والدولي. تتم في الموقع الطبي معالجة مشتبه فيهم بأنهم ناشطون ’إرهابيون’، تم اعتقالهم خلال عمل القوات في قطاع غزة، وبينهم مَن يشكل خطراً كبيراً ولديه نية إلحاق الأذى بكل إسرائيلي، حتى لو كان ضمن الطاقم الطبي".
- أمّا وزارة الصحة، فقالت: إن العلاج الطبي الذي يُقدم في "سديه تيمان" يتماشى مع القواعد والمعاهدات الدولية التي تلتزم إسرائيل بها. الوزارة تحظى باستشارة قانونية ومشاركة طاقم أخلاقي. إخلاء المرضى يجري بالتنسيق مع الجهات الأمنية. ومن المهم الإشارة إلى أن المسؤولين الكبار في الوزارة يأتون إلى المنشأة بين الحين والآخر، ويراقبون العلاج في الموقع عن كثب، ويتواصلون مع المرضى".