التطبيع مع السعودية شديد الأهمية، لكن ليس بأي ثمن
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • بعد أكثر من 6 أشهر من القتال في غزة والحدود الشمالية، شمل هجوماً مباشراً من إيران وتصدياً متطوراً ومنضبطاً من جانب إسرائيل، باتت الأخيرة تقف أمام قرارات خطِرة، وتواجه 4 تحديات مركزية تعترض المستويَين السياسي والعسكري، وهي تحديات متشابكة ومترابطة، وتتدخل فيها جميعاً جهات خارجية، لكل منها مصلحتها، وهي مصالح لا يتوافق أغلبها مع المصالح الإسرائيلية.
  • بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر "الوحشي"، تصدى الجيش الإسرائيلي بكل قوته لمهمة تنفيذ توجيهات المجلس الوزاري بسحق وتدمير "حماس" في غزة، والقضاء على قوتها العسكرية والسلطوية والتنظيمية، وقتْل قادتها وجميع من اشتركوا في "جريمة" الحرب الفظيعة، سواء أكان بصورة مباشرة أم غير مباشرة، إلى جانب استعادة المختطَفين.
  • ومن هذه التحديات، هناك تحديان: قتال حماس واستعادة المختطَفين، وهما تحديان رئيسيان يعترضان إسرائيل، وعلى الرغم من أن هناك مَن يحاول تقويضهما، فإن قدرتنا على النجاح في التوصل إلى تحقيقهما تربطهما ببعضهما بصورة وثيقة. فبعد التحرك العسكري الناجح في شمال القطاع ووسطه، بات يتعين على الجيش استكمال مهمته في رفح، ومخيمات الوسط، ومحور فيلادلفيا، فوق الأرض وتحتها.
  • وفقط الضغط العسكري الحقيقي والمستمر على "حماس" سيؤدي إلى إطلاق سراح المختطَفين، سواء بصفقة أم بالقوة،، ولا توجد فرصة للتوصل إلى صفقة باستخدام الأدوات المتبعة، بما يشمل المقترح المصري الأخير. أمّا المرونة والتنازلات الإسرائيلية، فلن تؤدي إلاّ إلى مراكمة الضغط على إسرائيل، وليست لدى "حماس" أي مصلحة في التوصل إلى صفقة طالما لا تزال مقتنعة بأنها قادرة على تحقيق أهدافها الكاملة من دونها. وللأسف الشديد، فإن هناك كثيرين يدفعون "حماس" إلى التوصل إلى استنتاج كهذا في أرجاء العالم، وبين صفوف الإسرائيليين أيضاً.
  • كان من الخطأ أن تمتنع إسرائيل، على مدار الأشهر الماضية، من دخول رفح لأسباب عديدة؛ أهمها الرغبة في منح التوصل إلى صفقة مع "حماس" فرصة، وهي حجة كانت مبررة لوقت قصير فقط في البداية، لكنها فقدت شرعيتها لاحقاً.
  • ولم تنضج الصفقة بسبب عدم اهتمام "حماس" بها، التي لا تخفي أن هدفها يتمثل في العودة إلى الوضع الذي كان سائداً حتى تاريخ 6 تشرين الأول/أكتوبر، حين كانت، بقيادتها القديمة، بما يشمل السنوار والضيف، تسيطر على القطاع، وإسرائيل رابضة خلف حدود القطاع من دون إجراء تغيير على هذه الحدود، وهو وضع يمكنها بواسطته إعادة مراكمة قوتها العسكرية في المستقبل. أمّا الأسباب الأُخرى المضللة التي أدت إلى تأجيل العملية البرية في رفح، فهي حلول شهر رمضان، والضغوط الأميركية والمصرية لتلافي إيقاع الأذى بالمدنيين، والرغبة الإسرائيلية في إعادة تنظيم صفوف الجيش لاستمرار القتال، بما يشمل القتال على الحدود الشمالية بأحسن وجه.
  • وقد دارت مداولات ثاقبة في المجلسَين الوزاريَين المصغرَين بشأن البدائل وبرامج العمل التي استعرضها الجيش، وتوقيت دخول رفح وإجلاء السكان، وإغلاق الثغرات على الحدود الغزية المصرية، التي تمكنت "حماس" عن طريقها من مراكمة أغلبية عتادها العسكري على مدار السنوات التي سبقت اندلاع الحرب، وخلالها أيضاً. وبناء عليه، فمن الممكن أن نشهد خلال الأيام المقبلة نداءات موجهة إلى السكان المدنيين في رفح بإخلاء المنطقة إلى مناطق محمية، تتوفر فيها مساعدات إنسانية مكثفة. ويجب على الجيش الدخول في أقرب فرصة إلى رفح، ولربما يتمكن حينها (مع ضآلة هذا الإمكان) من إقناع "حماس" بالتوصل إلى استنتاج فحواه أن مصلحتها تكمن في التوصل إلى صفقة تبادل. ولربما يشهد دخول مصر بدور الوسيط، ومحاولاتها اختراع صفقة جديدة، زيادة الضغط على "حماس"، في ضوء إدراكها أن إسرائيل مصرّة على دخول رفح، لكن الحركة ما زالت مقتنعة بأنها قادرة على تحقيق أهدافها من دون صفقة. إذاً، فإن المحاولة المصرية منذورة للفشل، وستكون إسرائيل مخطئة إذا قررت القيام بتنازلات إضافية، وهنا أتمنى أن أكون أنا المخطئ في هذه التقديرات.
  • وبالتوازي مع اقتحام رفح، ينبغي على الجيش السيطرة على محور فيلادلفيا في أراضي غزة، ومنع مزيد من عمليات التهريب، بالتنسيق مع مصر (لكن من دون قبول الإملاءات من جانبها). ولدى مصر كثير من المطالب، وقد تم عرضها مؤخراً على كل من رئيس هيئة الأركان ورئيس جهاز "الشاباك"، وبعضها سيشكل جائزة لـ "حماس"، على غرار إقامة دولة فلسطينية. إن وهم بناء عائق مادي يستند إلى التكنولوجيا، وإلى القوات المصرية، والسيطرة الإسرائيلية عن بُعد، منذور أيضاً للفشل، ومَن يطرح خيارات كهذه ينسى الخطايا التي قادتنا إلى ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر. إذاً، فإنه لن يضمن لمصر عدم تسرُب اللاجئين إلى سيناء، ولإسرائيل وقفَ عمليات التهريب وتسلُح "حماس" إلاّ السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المنطقة.
  • وبالنسبة إلى التحدي الثالث، فهو طبعاً يتمثل في المواجهة على الحدود الشمالية، وهو التحدي الذي يبدو الأكثر تعقيداً ضمن التحديات الأربعة، وهو مرتبط أيضاً بما يحدث في غزة، وبمحور إيران؛ فحزب الله يعيش معضلة وضائقة حقيقيتَين، إذ أُصيب بضربات قاسية، كما تم القضاء على نحو نصف ضباطه، بحسب ما أعلن وزير الدفاع، ناهيك بالضرر العميق الذي أصاب جزءاً كبيراً من القدرات التي بناها على حدودنا على مدار السنوات، وخصوصاً قوات الرضوان.
  • يشاهد حزب الله الدمار الجاري في غزة، والأضرار التي تحدث في جنوب لبنان، وهو لا يرغب في أن يتحول كل لبنان إلى غزة، لكن هذا الأمر يجب ألاّ يضللنا، فالحزب لا يزال يملك قدرات على ضرب العمق الإسرائيلي على مدار وقت طويل، وأن يستمر في القتال، ويتمثل التحدي الرئيسي الذي يعترض إسرائيل هنا في إتاحة المجال لسكان الشمال للعودة إلى منازلهم بأمان تام، وفي تأجيل شن حرب واسعة النطاق على حزب الله. وللمفارقة، فإن إسرائيل حينما تحل مسألة "حماس"، فإن مصالح كل من إسرائيل وحزب الله وإيران ستتلاقى، لوهلة وجيزة، في السعي لتأجيل القتال في الشمال.
  • من ناحية أُخرى، فإن المعركة مع إيران تجري على قدم وساق، والرغبة الإيرانية في امتلاك أسلحة نووية لم تتغير، ولا تزال تمثل مشكلة إسرائيل الرئيسية. ويبدو أن مجلس الوزراء يخطئ في عدم إدراجه إيران على قائمة التحديات العاجلة التي ينبغي حلها، مركّزاً جهوده على إنهاء المواجهة في غزة والحدود الشمالية، مفترضاً أن إيران لها مصلحة مماثلة بعد تبادُل الضربات بين الطرفين.
  • أمّا التحدي الرابع والأخير، فهو تحدٍّ سياسي في المقام الأول، لكن من شأنه التأثير في التحديات الباقية؛ فالرئيس بايدن وإدارته عازمان على الترويج لتسوية أميركية مع السعودية، سواء أكانت بمشاركة إسرائيل (عبر التطبيع)، أم من دونها، لاعتبارات داخلية تمهيداً للانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
  • بالتوازي، يفترض مسؤولون كبار في إسرائيل أن التطبيع الذي لا أحد يجادل في أهميته بالنسبة إلى إسرائيل يبرر تقديم أثمان ثقيلة جداً، تشمل تنازلات في رفح وغزة، إلى جانب تنازلات للسعودية في الشأن النووي، ناهيك بالتنازلات في الشأن الفلسطيني [السلطة]، وهي أمور باتت أهميتها داخل السعودية شديدة نسبياً عقب اندلاع الحرب.
  • ويواصل بعض كبار صناع القرار التمسك بالتصور الخاطئ الذي يدعو إلى التحالف الدفاعي بين إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من أن الحرب أثبتت بصورة واضحة أن أضرار تحالُف كهذا ستفوق فائدته، فكل ما يمكننا استخلاصه منه حصلنا عليه من دون أن نبذل الأثمان الثقيلة التي من شأن التحالف أن يفرضها على الكاهل الإسرائيلي.
  • وليس أمام إسرائيل الآن سوى أن تركز جهودها على استكمال المهمة في غزة (رفح، ومحور فيلادلفيا، واستعادة المختطَفين)، والسعي للتوصل لحل موقت على الحدود الشمالية يضمن إعادة السكان إلى منازلهم بأمان، والتأكد من أن إيران لن تقوم باستغلال الفرصة للتوصل إلى السلاح النووي.
  • أمّا التطبيع مع السعودية، فهو مهم جداً، لكن ليس بأي ثمن، وطبعاً ليس على حساب تنازلات في غزة، أو المشروع النووي السعودي، أو الموافقة على إقامة دولة فلسطينية (حتى لو كانت هذه الموافقة كلامية)، أو جعْل السلطة الفلسطينية شريكة في حل "اليوم التالي" في غزة.