من المحتمل التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنه لن يمرّ بهدوء
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في هذه الأيام، تزداد الأصوات المطالِبة بوقف الحرب الآن، وبينها صوتي. والمغزى العملي لوقف الحرب، الآن، هو التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إعادة المخطوفين كلهم، الأحياء منهم والأموات. في المقابل، ستضطر إسرائيل إلى الموافقة بصورة مُلزمة على الانسحاب من غزة كلها، والعودة إلى النقطة الحدودية التي انطلق منها الجيش الإسرائيلي في مناورته البرية قبل أكثر من نصف عام.
- عملياً، الحرب انتهت قبل نحو ثلاثة أشهر. وبقوة هائلة غير مسبوقة من حيث الحجم، مؤلفة من 28 لواءً، بالإضافة إلى القوة الجوية والمسيّرات والطوافات والطائرات الحربية والهجومية، بقي اليوم في القطاع لواءان. لا فائدة من الإصرار على أن الحرب مستمرة، لأنها انتهت. الآن، يجب الاستعداد لإخلاء القطاع ونقل السيطرة عليه إلى قوة دولية. ومن الأفضل أن تكون هذه القوة مؤلفة من جيوش عربية، ومن فلسطينيين ينصاعون للسلطة الفلسطينية، ومعهم قوات من مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، وأيضاً من السعودية.
- أن فرص صوغ مثل هذه القوة ودخولها إلى قطاع غزة مشروطان، إلى حد بعيد، بإعلان إسرائيل الخروج التدريجي المنسق من كل أنحاء القطاع، وكذاك باستعداد إسرائيلي للبدء بمفاوضات بشأن اتفاق سلام مع الفلسطينيين. الطرف الذي سيمثل الفلسطينيين هو سلطة فلسطينية متجددة يقودها أشخاص مؤهلون لإدارتها بحزم من خلال الاستمرار في التنسيق الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية.
- هل سيتولى محمود عباس رئاسة هذه السلطة، مثلما فعل منذ أكثر من 18 عاماً؟ لسنا نحن مَن يقرر. الفلسطينيون هم الذين سيقررون. ولديهم مرشحون جديرون وقادرون على إنشاء منظومة فاعلة وناجعة.
- طبعاً، شرط هذه العملية هو التوصل إلى اتفاق فوري بشأن إعادة كل المخطوفين. مَن يعتقد أن في الإمكان إعادة المخطوفين من دون وقف واضح وكامل للحرب يخدع نفسه، ويخدع الجمهور في البلد. وهو يخدع أيضاً أبناء عائلات المخطوفين والأطراف الدولية المشارِكة في الجهود من أجل التوصل إلى صفقة لإعادة المخطوفين.
- ... انطباعي أن نتنياهو لا يريد استعادة المخطوفين. وفي الواقع، لا يريد القيام بأيّ خطوة تغيّر الاتجاه، وتوقف الحرب، وتعيد إسرائيل إلى نفسها، وإلى أزماتها، والتحديات التي تواجهها، والقيود التي تعيقها. لذلك، فإن إعادة المخطوفين وإزاحة نتنياهو هما حدثان مرتبطان. لا يمكن تحقيق الأول من دون حدوث الثاني.
- عندما نصل إلى مرحلة وقف القتال وإعادة المخطوفين، فإن المسألة التي ستبقى مطروحة على جدول الأعمال هي ما مدى جدية عملية سياسية يمكن أن تنتهي باتفاق سلام تاريخي بين إسرائيل والفلسطينيين؟ اتفاق يكون جزءاً من تفاهُم أوسع، وينشىء محوراً جديداً من التعاون، مركزه التطبيع بين إسرائيل والسعودية، ولاحقاً، قيام حلف عسكري مع الولايات المتحدة.
- إن المساهمة الاستراتيجية الأكثر أهميةً للحرب التي بدأت بـ"كارثة" 7 أكتوبر، يمكن أن تكون عبر قيام منظومة جديدة من الاتفاقات السياسية والعسكرية بين دول عربية سنّية معتدلة وبين دولة إسرائيل. هذا المحور الجديد من العلاقات والتعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، الذي يكون في محوره كلٌّ من إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة، هو بمثابة تغيُّر ثوري يمكن أن ينقذ الشرق الأوسط من الفوضى التي تهدده، ويمكن أن يساعده على كبح المحور المعادي. وهو محور عدائي وعنيف، تصطفّ فيه إيران إلى جانب حلفائها الأصوليين في عدة مناطق من الشرق الأوسط، مع الدعم السياسي واللوجستي والعسكري الذي تقدمه روسيا، وأيضاً الصين بقدر لا بأس به.
- عندما نسأل عن الأفق السياسي الذي نريده في نهاية الحرب المستمرة منذ أكثر من نصف عام، فالجواب: هذا هو الأفق، ولا يوجد غيره. الشرط الوحيد هو استعداد دولة إسرائيل لتغيير التوجه، وللبدء بمفاوضات سياسية، هدفها المعلن مسبقاً هو التوصل إلى حلّ سياسي لقيام دولة فلسطينية إلى جانبها. ومن أجل الاستعداد لمثل هذه الخطوة، فإن الوقت أقصر مما يبدو لنا الآن.
- إذا قررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لا سمح الله، الاعتراف بقيام دولة فلسطينية، فمن الواضح أنه سيجري الاعتراف بهذه الدولة ضمن حدود أيار/مايو 1967. وابتداءً من تلك اللحظة، سيرفض الفلسطينيون إجراء مفاوضات مع إسرائيل، وسيكتفون بالمطالبة بأن تفرض الأمم المتحدة على إسرائيل تنفيذ القرار. وهذا ليس تقديراً وهمياً، بل هو مُدرج على جدول أعمال عدد غير قليل من الدول التي ستبدأ، في وقت ما، بخطوات لطرح الاقتراح على جدول أعمال مجلس الأمن في الأمم المتحدة. إن استمرار تحدّي الحكومة الإسرائيلية للمجتمع الدولي، ولأصدقائنا المقرّبين بصورة خاصة، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، يمكن أن يدفع هذا المجتمع إلى التأييد، أو الامتناع من التصويت على اقتراح الاعتراف بالدولة الفلسطينية عندما يُطرح على التصويت.
- إزاء مثل هذه المعطيات، يسألني كثيرون عن فرص توصُّل دولة إسرائيل إلى تفاهُم يشمل خطوة، سيكون مغزاها الفعلي انسحاباً من الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ سنة 1967، وهل هذا ممكن؟ هل إخلاء المناطق [المحتلة] من نحو 100 ألف إسرائيلي (من شبة المؤكد أن معظمهم سيبقى في مناطق ستُضم إلى دولة إسرائيل ضمن إطار تبادُل الأراضي) هو أمر واقعي؟
- أعتقد أن اتفاقاً سياسياً يمنح إسرائيل السيطرة على 4.4% من أراضي الضفة الغربية، يمكن أن يسمح ببقاء جزء كبير من سكان المستوطنات. عملياً، إن أغلبية الذين يُعتبرون مستوطنين في الضفة يسكنون في مناطق تُعَدّ جزءاً من القدس، وما وراء الخط الأخضر، مثل راموت وغاليا وغيرهما. وفي المناطق التي سيجري ضمّها إلى إسرائيل، يسكن اليوم عدد لا يستهان به ممن يُصنَّفون بأنهم "سكان المناطق". لذلك، فإن نقل بقية السكان من المناطق التي سيجري إخلاؤها إلى المناطق التي سيتم الاحتفاظ بها، أو التي ستُضَم، هو احتمال واقعي.
- لكن قابلية تحقيق هذه الخطوات مرتبطة، إلى حد كبير، بوجود أغلبية كبيرة في الحكومة مستعدة للتوصل إلى اتفاق سلام، وبانصياع الذين سيُطلب منهم الإخلاء بموجب الاتفاق السياسي.
- أعتقد أنه توجد اليوم شريحة لا بأس بها من المجتمع الإسرائيلي الذي ينوي معارضة قرارات الانسحاب من الضفة الغربية، إذا اتُّخذت. وأتوقع نشوب معارضة عنيفة للانسحاب من الضفة، يمكن أن تصل إلى العنف وسفك الدماء. مئات الآلاف من قطع السلاح التي وزعها بن غفير، يمكن أن تتحول في المستقبل إلى أداة تُستخدم في حرب أهلية عنيفة بين اليهود المسيانيين المتطرفين الذين لن يعترفوا بشرعية قرارات الحكومة بشأن الانسحاب من "أراضي الوطن".
- ... يبدو لي أن سياسة التفرقة والتحريض والتقسيم التي انتهجها نتنياهو طوال سنوات، من أجل ترسيخ التأييد له والمحافظة على حُكمه، ستؤدي إلى احتمال نشوب مواجهة عنيفة ستقسّم المجتمع الإسرائيلي، وتقوّض النظام، وتدمر الديمقراطية، وتؤدي إلى خراب دولة إسرائيل...