الجميع يطلقون النار على الجميع
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إن الحادثة المروعة التي حدثت في جباليا، والتي سقط فيها 5 مظليين نتيجة إصابتهم بقذائف خارقة للدروع، ليست سوى جزء آخر من الواقع الصادم، وهي أيضاً رمز لكثير من مكونات الكارثة المتواصلة التي علقنا فيها؛ إذ يطلق جنودنا النار على جنودنا في منطقة قمنا أصلاً باحتلالها في الماضي، في كابوس سيزيفي متكرر يواصل حصد الدماء مجاناً. وفي تطور مخيف للمقولة الألمعية لمدرب الكرة الإسرائيلية، دان شيفتسر، والتي فحواها أن "الجميع يحاول خداع الجميع"، يمكننا أن نقول في حالتنا هذه إن الجميع يطلقون النار على الجميع.
  • وإسرائيل التي تتعرض لهجوم من جانب إيران وأذرع الإسلام الأصولي، فإنها تتسبب بدمار هائل في غزة. أمّا في الضفة، فالسلطة الفلسطينية ضعيفة، ومستوى الهجمات في ذروته، والمستوطنون يقومون بكل ما يخطر في بالهم، والمنظومة الأمنية تهاجم رئيس الحكومة الذي يعمل بدوافع سياسية داخلية، فيرد هو بالهجوم عليها ويلقي على كاهلها الذنب والمسؤولية بالكامل عن تراكُم الإخفاقات. كما يقاتل بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة، التي تعتمد عليها إسرائيل، وتهاجمه الولايات المتحدة مستخدمة ضده عقوبات استفزازية. والساحة الدولية معادية لإسرائيل، التي تتحول بسرعة إلى دولة معزولة كما هو حال روسيا، والعمق الديموغرافي الإسرائيلي، أي يهود العالم، يتعرضون لأكبر تهديد يواجههم منذ الحرب العالمية الثانية.
  • في قلب هذه الفوضى كلها، من اللائق أن نخوض في موضوع الحرب الداخلية، لأنها صاحبة التأثير الأكبر في باقي المتغيرات، ومسار تطورها أو تصاعدها سيحدد، عملياً، ما إذا كانت إسرائيل ستبقى على قيد الحياة أم لا.
  • والاحتكاك الصارخ وغير المسبوق بين المنظومة الأمنية ورئيس الوزراء، وخصوصاً في وقت الحرب، يرفع حرب المعسكرات إلى قمة جديدة، دخلت مرحلتها المكشوفة وذروتها، وذلك ليس مع الانقلاب على النظام القضائي، ولا حتى مع صعود اليمين المتطرف أو حكومة التغيير التي سبقتها، إنما في سنة 2015، مع إعادة انتخاب نتنياهو، وتقديم الملفات الجنائية ضده، وإطلاقه حملة اغتيال لنزاهة المؤسسة الحاكمة، بعد أن اكتشف أن هذه النزاهة تعرّض حكمه للخطر.
  • هناك قاسم واحد مشترك بين هذه المعسكرات، وهو الوعي العميق لإخفاق 7 تشرين الأول/أكتوبر، وما بعده، لكن هذا القاسم المشترك ليس قاسماً موحِّداً، إنما يُستخدم كوقود لتأجيج النزاع. أمّا فيما يتعلق بالنزاع نفسه، فموضوعاته لا يمكن حلها أو تسويتها؛ فاليمين الكاهاني الحريدي المؤيد لنتنياهو يطالب بتهجير الفلسطينيين، بل أيضاً أحياناً بأكثر من ذلك، أمّا تيار اليسار والوسط، فيطالب بوقف الحرب وصوغ حل سياسي مرتبط بالتنازل عن الأرض، حتى لو لم يكن من الواضح بعد مع مَن سيتم توقيع الاتفاقية بشأن هذا الحل. أمّا الأصوات القلقة بشأن مصائر المختطَفين، والمطالِبة بعودتهم الفورية، فترتكز على مفاهيم اليسار والإنسانية، لكنها تُستخدم أيضاً كوسيلة ضغط من أجل فرض إنهاء الحرب.
  • وعلى مدار سنوات، حاول نتنياهو أن يمسك العصا من الوسطـ؛ في طرف هناك خطابه في جامعة بار إيلان [الذي أعلن فيه، في عهد أوباما، أنه مستعد لحل دولتين لشعبين]، ووعْده بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، ومصافحته لكل من عرفات وأبو مازن في الطرف الآخر، وموقفه في قضية إلئور أزاريا [الجندي الذي أعدم الشهيد عبد الفتاح الشريف بدم بارد في مدينة الخليل سنة 2016] وشرعنة الكاهانيين. والواقع الذي بدأ التضييق على خناقه يثبت أنه لم يبقَ هناك مجال للامتناع من الحسم، وتأجيل إصدار القرارات.
  • في ظاهر الأمر، يبدو أن يد اليمين الكاهاني الحريدي المؤيد لنتنياهو هي الراجحة، بسبب تمثيله الزائد في الحكومة والسيناريو الديموغرافي، لكن ليس من المؤكد أن هذا هو الحال حقاً؛ فالاعتقاد بانعدام جدوى الحرب بدأ يتغلغل في نفوس الركائز الأكثر ليونة من مؤيدي نتنياهو، وهي قطاعات على الرغم من أنها لا تزال تعرّف نفسها بناء على كراهيتها للنخب واليساريين، فهي لا تعتبر نفسها شريكة في الفكرة المجنونة المنادية بالاستيطان في غزة، أو الاتكال على آمال خلاصية ربانية كحل للمأزق. وفي نهاية المطاف، فمن شأن هذا الجمهور، الذي ليس نشيطاً بصورة خاصة، وفي بعض الأحيان يفصل نفسه عن العمل السياسي النشيط، أن يختار ما يقدمه المعسكر الليبرالي [معسكر الوسط] لسبب بسيط، هو أن هذا المعسكر يقترح حياة أفضل كثيراً من تلك التي تقترحها الدولة الأصولية المتخلفة، والتي تعيش مع شعوب المنطقة، وعلى رأسها الفلسطينيون.
  • والسؤال هو: ما حجم المعاناة التي سنواجهها في الطريق؟ وهل سنتمكن من النجاة منها؟