نتنياهو أول المتهرّبين من الخدمة العسكرية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • تستند شعبية بنيامين نتنياهو إلى تعمُّده الدائم تأطير النقاش العام،  ثم تحويله إلى نقاش بشأن الأمور التي تحلو لنتنياهو نفسه مناقشتها. إن كل ما يقوم به نتنياهو موجّه نحو هذا الهدف: جواهر الكلام التي يتحفنا بها، والتي لا تبدأ بالحديث عن "الحياة نفسها" [ردّه على تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي الذي انتقد سياساته فيما يتعلق بغلاء الأسعار، إذ صرّح نتنياهو بأن البعض يتحدثون عن غلاء تكاليف الحياة، لكنه هو، أي نتنياهو، لا ينسى الحديث عن الحياة نفسها التي يهددها أعداء إسرائيل، ثم إخفاقه في حماية حياة الإسرائيليين]، وليس انتهاءً بحديثه عن تحقيق "النصر المؤزر" [من دون تحديد ما المقصود بهذا النصر المؤزر، أو الحديث عن "اليوم التالي للحرب"]، وجهده المبذول للسيطرة على الإعلام، الذي أودى به إلى مقعد المتهمين [فضيحة محاولته التفاوض مع محرر صحيفة "يديعوت أحرونوت" لتقديمه بصورة إيجابية على صفحاتها، في مقابل امتيازات، على حساب صحيفة "إسرائيل اليوم" المؤيدة له، والتي تشكل تهديداً اقتصادياً لـ "يديعوت أحرونوت"]، والمقابلات التلفزيونية التي يميل إلى منحها للقنوات الأجنبية، ثم يتم اقتباسها مجدداً في إسرائيل [لادّعاء نتنياهو أن الإعلام الإسرائيلي متحيز ضده]، آلة بثّ السموم التابعة له في القناة 14 [المؤيدة له تأييداً أعمى، والتي تبثّ الشقاق في صفوف الإسرائيليين]، وفي شبكات التواصل الاجتماعي، والتهرب من المسؤولية عن الأخطاء. إن سيطرة نتنياهو على جدول الأعمال اليومي تمكنت من إسقاط "حكومة التغيير" [حكومة بينت- لبيد]، وأعادته إلى كرسي الحكم، عبر نصر انتخابي مؤزر، وهذا التأطير الذي يقوم به نتنياهو للنقاش العام هو ما يبقيه على كرسي الحكم، على الرغم من أن الرجل قاد البلد نحو "كارثة" السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وعلى الرغم من تخبُّطها في حرب متعددة الساحات.
  • يُنظّر نتنياهو لنفسه، الآن، بأنه الفارس المدافع عن الشعب اليهودي في مواجهة "الأغيار النازيين اللاساميين"، الفارس الذي يصارع وحده يحيى السنوار، وجو بايدن، ورئيس الادعاء العام في محكمة لاهاي. لا أحد سوى نتنياهو يعدنا بالانتصار على "حماس" والحؤول دون قيام دولة فلسطينية، وهذه المواقف تحظى بشعبية شديدة في صفوف الجمهور اليهودي، وتلاقي تجاوباً  حتى في صفوف المعارضة المناهضة لنتنياهو. الدليل على ذلك أنه حتى رئيس اليسار العتيد، يائير جولان، الذي يتحدث عن حلّ الدولتين، يقول إن هذا الحل غير قابل للتطبيق في هذه المرحلة. أمّا تراجُع الليكود في استطلاعات الرأي، فإنه لا يعكس النفور من نتنياهو [نتيجة إخفاقاته]، ولا يعكس النفور من سياساته التي تتمتع بشعبية هائلة في أوساط الإسرائيليين.
  • يبدد المعسكر المناهض لنتنياهو طاقته على السؤال الخطأ: متى سيغادر كلٌّ من غانتس وأيزنكوت الحكومة. وبدلاً من مهاجمة نتنياهو، تصبّ المعارضة غضبها كله وتبدده على هذين الشريكين الصغيرين، في الوقت الذي يجلس نتنياهو جانباً، ويتمتع بالمشهد. لقد اعتاد نتنياهو الاستهانة بضباط الجيش، الذين تعودوا على ضرب سلام التعظيم للضابط الأعلى رتبةً، والنهوض لدى دخوله إلى الغرفة [التقارب ما بين رؤية الجيش ورؤية غالانت، وغانتس، وأيزنكوت الذين شغلوا مناصب رفيعة في الجيش في السابق]. أمّا غالانت، فهو شجاع في ظهوره على الملأ أكثر من غانتس، لكنه ملتزم، مثل بقية أعضاء الحكومة، بالأهداف التي وضعها نتنياهو، وهو يحمل على كاهله، مثل البقية، المسؤولية عن الكارثة، وهو يواجه الآن أيضاً طلباً لاستصدار مذكرة اعتقال دولية بحقه. هناك فرق بين المسافة التي يمكن لغالانت إبعاد نفسه بها عن نتنياهو، من دون أن يتعرض للعزل التام في صفوف الائتلاف الحكومي، أو من توجيه رسالة فصل له لا بد أنها ستصدر عمّا قريب.
  • وعلى الرغم مما قلنا حتى الآن، فإنه علينا أن نتذكر أن نتنياهو نفسه، بكل قدراته وخبراته الإعلامية والسياسية، لديه نقاط ضعف، وهي كامنة في صمته. في الأسئلة التي تهرّب، وسيتهرب منها دائماً، وفي المواقف التي لن يقوم بتسويقها للجمهور، لمعرفته أنها لا تحظى بالشعبية، وأنها لن تؤدي إلا إلى إذكاء الغضب ضده. من السهل تشخيص نقاط ضُعف نتنياهو في هذه المرحلة: دعمه لتهرُّب الحريديين من التجند في الجيش، في الوقت الذي يخدم العلمانيون وأبناء التيار الديني في صفوف الجيش النظامي وسلاح الاحتياط، والذين يعود منهم إلى الوطن، كل يوم، رجال في التوابيت نحو المقابر العسكرية، ورجال في طائرات الهيليكوبتر، نحو أقسام العلاج المكثف في المستشفيات. وطالما استمرت الحرب وتعقدت، وتراكم مزيد ومزيد من القتلى، ومزيد من المعوقين، جسدياً ونفسياً، وطالما اضطر الجيش إلى البحث، بكل طاقته، عن مقاتلات ومقاتلين من أجل سدّ الفراغ الذي يتركه هؤلاء في صفوف الجيش، فإن أحداً لن يتمكن من تبرير رفض الحريديين التجند في الجيش، حتى لو كان عملاقاً في الدعاية الشعبوية بحجم نتنياهو.
  • من حُسن حظ نتنياهو أنه حتى المنشقين في بلاطه، يخشون من رفع شعار التجنيد للجميع. فغانتس، في الإنذار السخيف الذي وضعه لرئيس الحكومة، نشر صيغة ضبابية وغير منطقية للتجنيد، تهدف بصورة أساسية إلى عدم إثارة حنق الساسة الحريديين والحاخامات اليهود. أمّا غالانت، الذي كان أكثر جديةً في معارضته لترسيخ ومأسسة التهرب من الخدمة العسكرية، فإنه لا يجرؤ على ممارسة صلاحياته والسماح للجيش بتنفيذ القانون، عبر إرسال أوامر تجنيد للفتية الحريديين. وحين يجدّ الجدّ، فإن علاقة غالانت بأرييه درعي [رئيس حزب "شاس" الحريدي الشرقي، الذي يملك القدرة على دعم غالانت في انتخابات مستقبلية] تهمّ وزير الدفاع أكثر من القيم العليا المتمثلة في المساواة في تحمُّل أعباء القتال، والتساوي في تقاسُم الخسائر، والأموات، والمعاقين.
  • يصمت نتنياهو ليس فيما يتعلق بشؤون التجنيد فحسب. بل إنه يتهرب أيضاً من المسؤولية عن إهمال الشمال، وتفشّي الإجرام، والتفتت الاجتماعي، والانهيار الاقتصادي الذي صار على الأبواب. لكن هذه المشاكل جميعها، مهما كانت مصيرية، تتقزم في مقابل تأييده للمتهربين الحريديين من التجنيد. ويجب على الراغبين في انتقاد نتنياهو وتقويض سيطرته الصارمة على النقاش العام، أن يذكّروا الشعب بأن نتنياهو هو رافض الخدمة العسكرية الأول في إسرائيل.