الخط الذي يربط بين هجوم المسيّرة في تل أبيب وقرار لاهاي
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- تعرضت إسرائيل لهجمتين اليوم؛ تمثلت الهجمة الأولى في المسيّرة اليمنية الانقضاضية التي دخلت إلى قلب تل أبيب، أمّا الثانية، فكانت هجوماً قانونياً من محكمة العدل الدولية. وعلى الرغم من أن الهجمتين قد تبدوان غير مترابطتين، فإنهما تعكسان التحدي المتعدد الأوجه الذي تواجهه إسرائيل حالياً.
- لم يكن هجوم المسيّرة الحوثية على منطقة تل أبيب حادثة مادية فحسب، بل أيضاً نفسية. إذ إن الهدف الحوثي لم يتمثل في تدمير تل أبيب بالكامل، بل نشر الخوف والقلق بين المواطنين الإسرائيليين، لتعزيز الشعور بأن عدوهم قادر على الوصول إليهم في أي مكان، وفي أي وقت.
- يجب أن يكون الرد على هذا التهديد شاملاً، ليس فقط باستخدام الطائرات الحربية، بل أيضاً من خلال التواصل مع الشعب الإسرائيلي، ووضع الأمور في سياقها، وبث الثقة في صفوفه. لذلك، كان من الجيد أن تعلن قوات الدفاع الإسرائيلية، بسرعة، أن عدم اعتراض الطائرة المسيّرة كان نتيجة خطأ بشري. فهذه الشفافية تساعد على تعزيز الثقة وتبديد المخاوف التي ازدادت، ويمكنها، بالتدريج، اعتراض الجهد الذي يُبذل على صعيد الوعي، والهادف إلى دفعنا إلى الاعتقاد أنه ما دامت مسيّرة نجحت في اختراق قلب تل أبيب، فإن إطلاق المسيّرة التالية لن يكون سوى مجرد مسألة وقت. إن الاعتراف بالخطأ يشير إلى استخلاص الدروس وتحسين الحصانة. وهذا أمر مهم، لكنه غير كافٍ، لأن سكوت القيادة الإسرائيلية ساعات طويلة منذ وقوع الحدث، يعبّر عن فكرة مناقضة لما وصفناه أعلاه. لا يوجد فراغ في الوعي الشعبي، في حين أن المستوى السياسي الإسرائيلي صمّ أذنيه. لقد حاول الحوثيون ملء الفراغ بالتصريحات التي وصلت إلى هواتفنا الجوالة جميعاً، في الوقت الذي واصل حزب الله قصف الشمال، الخالي من الناس، في ظل سعي وسائل الإعلام لتقصّي ردة الفعل الإسرائيلية.
- بعد بضع ساعات على الهجوم اليمني على صعيد الوعي، وعلى الصعيد الأمني، تعرضت إسرائيل لهجوم قانوني في لاهاي، حيث أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً يصف الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية بأنه انتهاك جسيم للقانون الدولي، ويدعو إلى إنهاء هذا الوضع. كما أشار إلى أن فك الارتباط مع غزة لم يعفِ إسرائيل من مسؤولياتها تجاه القطاع.
- وعلى الرغم من أن هذا الرأي لا يُعد حُكماً مُلزماً، فإنه ينطوي على إشارات درامية، كما أن المقولة التي ينطوي عليها أكثر دراماتيكية من المعتاد، لأنها تقرر أمراً آخر. فإسرائيل، بحسب المحكمة، تقوم بخرق واجبها الدولي في الامتناع من ممارسة سياسة "الفصل العنصري"، أو "الأبارتهايد"، في الضفة الغربية والقدس الشرقية. في هذا الصدد، سيواجه عدد كبير من الدول مصاعب بشأن تجاهُل الرأي، وفي حالات قصوى، قد يعلن بعضها مقاطعة اقتصادية، وتقييداً لحرية تنقُّل الإسرائيليين منها وإليها، أو قطعاً للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
- هذا أيضاً، لا يأتي من فراغ، إذ إن إسرائيل تواجه، منذ بداية سنة 2020 حملة قانونية وسياسية تصفها بأنها دولة أبارتهايد، وهو ما انعكس في تقارير كلٍّ من منظمة العفو الدولية، "أمنستي"، قبل عامين، و"هيومان رايتس ووتش"، في تقريرها الصادر في نيسان/أبريل 2021، إلى جانب تقرير لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان بشأن حملة "حارس الأسوار" [حرب "البنيان المرصوص" في سنة 2021]. لقد نجح الفلسطينيون، نسبياً، في زرع السردية نفسها، وفي تردادها. صحيح أن إسرائيل ردت بطرقها الخاصة في كل مرة، كما أنها حققت نجاحات في هذا الصدد. لكن الدوامة السياسية الداخلية التي عشناها لم تساعدنا حقاً في تجنيد الموارد وتنظيم سياسة منتظمة في وجه هذا التسونامي السياسي. ووجهة نظر المحكمة المنشورة اليوم، تُعد جزءاً من ذلك التسونامي، بل إنها تُعتبر قمة من قمم هذا التسونامي، فمحكمة العدل الدولية ليست مجرد هيئة أُخرى، فهي الهيئة القضائية الأهم في الأمم المتحدة. وهذا هو السبب الذي دفع إسرائيل إلى المشاركة في "الإجراء القضائي المتعلق بالإبادة الجماعية" الذي يُعقد في المحكمة، بقيادة جنوب أفريقيا.
- صحيح أن مَن يقف على رأس محكمة العدل الدولية لبناني لا يحب إسرائيل، وصدرت عنه تصريحات مناهضة لنا في الماضي. وصحيح أن الأرض "عوجاء"، وهذا ليس خافياً علينا. لكن هذا هو النادي الذي نُجبر جميعاً على الرقص فيه، حتى في ظل هذه الظروف المضادة، هي حلبة يجب علينا أن ننتصر فيها. ومَن يرغب في الحصول على إثبات لإمكان تحقيق انتصارنا، يمكنه الحصول على دليل ممّا جرى في جلسات الاستماع في لاهاي قبل بضعة أشهر.
- من المهم أن ندرك أن جميع هذه الحركات الاستكمالية، هي جزء من حركة فك الكماشة الموجه ضد إسرائيل. صحيح أن السابع من تشرين الأول/أكتوبر بدأ بهجمة "إرهابية" قاتلة، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فهو يستمر من خلال معركة متعددة الأبعاد أيضاً على الساحات: القضائية، والدبلوماسية، وعلى صعيد الوعي، إلى جانب الساحة الأمنية. وهذا الأمر لن يشكل ضرراً مادياً فحسب، بل ضرراً نفسياً، قد يصل إلى إلغاء السيادة الإسرائيلية. وفي الوقت الذي يقوم سكان تل أبيب بجمع الشظايا والركام، وفي الوقت الذي يدرس طيارونا مهمات الرد، فإن المحامين والساسة يقومون بوضع اللمسات الأخيرة على المسودّات ونقاط الحوار. وبين اليمن ولاهاي، تمرّ طريق النصر المؤزر عبر إدراكنا أننا جميعاً جزء من الجهد الموحد نفسه، الهادف إلى خلق ردّ متكامل ومناسب.