إسرائيل تنتظر نتنياهو
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
- دولة كاملة تقف متجمدة وتنظر نحو إيران، وذلك بعد 10 أشهر من الحرب الأطول في تاريخها. أكثر من 1600 قتيل، وإسرائيل يزداد تورّطها. فإسرائيل لم تتمكن من الحسم في أيّ جبهة، بل إن الحرب تزداد تصعيداً وتتمدد إلى جبهات أُخرى مع أعداء أكثر وسلاح أكثر وتهديدات أكثر. الآن، حجم السلاح الموجّه نحو إسرائيل أكبر من أيّ وقت مضى. وصول أساطيل البحرية الأميركية والبريطانية، ورفع حالة التأهب الإقليمية إلى أعلى درجة، وإلغاء الطيران إلى إسرائيل والمنطقة، وهروب الأجانب. كل شيء يتجه نحو تصعيد إقليمي، من دون أن يكون لإسرائيل تأثير غير التهديدات، ومن دون أيّ أدوات ضغط لتفكيك الوضع، الأمور كلها متعلقة بالأميركيين.
- الحقيقة واضحة: لا يوجد لدى إسرائيل أيّ استراتيجيا، أو خطة لحرب منظمة. نتنياهو لا يصغي إلى المؤسسة الأمنية، ويتصرف بطريقة انفعالية، ويتجاهل الإسقاطات والتدهور الذي قد يخرج عن السيطرة. التوصية الواضحة من جميع أجهزة الأمن هي وقف النار الآن في غزة، وهو القرار الأفضل من أجل تفكيك التصعيد. هذه المبادرة ستخلق تأثيراً يعيد السيطرة على الوضع، ولو جزئياً. وعلى الرغم من ذلك، فإن رئيس الحكومة لا يردّ، بل يعزل نفسه، ويعيش في أوهام سياسية بناها لنفسه، ولا يفهم خطورة الوضع.
- لم تصل القوات الأميركية إلى المنطقة بطلب من نتنياهو، العكس هو الصحيح. إنهم يأتون إلى هنا لأنهم لا يثقون بنتنياهو مطلقاً، ولا يثقون بحساباته. وصل المسؤولون الكبار بدافع الخوف من فقدان السيطرة، وهم هنا من أجل التنسيق مع وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، ولرؤية ما يمكن القيام به لمنع تدهور الأوضاع.
المسار السريع لإطالة أمد الحرب
- إسرائيل في حالة من عدم الوضوح منذ أشهر طويلة. خرجنا يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، بعد كارثة ثقيلة، إلى حرب مبررة، أهدافها واضحة، والصفوف موحدة من أجل تحقيق الأهداف، وخصوصاً الانتقام والإنقاذ. الانتقام - تفكيك "حماس" إلى أجزاء بسبب "الفظائع" التي ارتكبتها. والإنقاذ - هدف أعلى لإعادة المخطوفين. بالنسبة إلى المقاتل الذي يذهب ويضحي بنفسه، ويخاطر بحياته، لا يوجد طموح أكبر من إعادة الرهائن. عودة كل مخطوف شكلت فرحة قومية. كانت إسرائيل في أفضل حالاتها في الأشهر الأولى، على الرغم من الكارثة الصعبة.
- منذ شهر نيسان/أبريل، بدأت إسرائيل بمسيرة تفاخُر. نتنياهو نهض من جديد، وعاد إلى نفسه، وبدأ ببناء استراتيجيا بقاء للابتعاد عن وصمة أكتوبر. توقف عن القيام بدور رئيس حكومة الجميع، وبدأ ببناء صورة المنقذ والمنتصر، بهدف استعادة داعميه. يظهر فقط من أجل جني الثمار، ويبتعد عن كل ما هو سلبي - يرسل إلى هناك الناطق الرسمي باسم الجيش، كجزء من تحميل الجيش المسؤولية عن الفشل. لقد حوّل الحرب إلى حرب سياسية، وغيّر فعلياً أهداف هذه الحرب التي أقرّها. لقد بنى "مسار تطويل" للحرب، لأن هذا يخدمه على صعيد الذاكرة، بعيداً عن الكارثة، وحالياً، سيقوم بكل ما هو ممكن لإقالة جميع رؤساء الأجهزة الأمنية وتحميلهم المسؤولية. لقد بنى له رون ديرمر حلماً بأن دونالد ترامب سيقدم له دعماً غير محدود، على الرغم من أنه لن يدعمه، لكن حلمه يتضاءل الآن بسبب صعود نجم كامالا هاريس.
- ولتحقيق خطته بشأن إطالة أمد الحرب، يعارض نتنياهو كل ما يمكن أن يجعلها أقصر. لا لإعادة المخطوفين، ولا لترتيبات مع "حماس"، ولا لـ"اليوم التالي"، ولا لخطوة عسكرية حاسمة في لبنان. نعم إنه يقوم بكل ما هو ممكن لإطالة أمد الحرب. تحت عنوان "النصر المطلق"، دخلنا إلى رفح، ولم يكن هناك انتصار مطلق، بل أكبر أزمة مع الولايات المتحدة، ومع مصر، ونشهد أكبر أزمة سياسية منذ إقامة إسرائيل. لقد قال نعم لاغتيال المسؤولين الكبار من دون أيّ فحص للإسقاطات المتوقعة، كتأجيل اغتيال هنية إلى ما بعد إتمام الصفقة، أو في مكان آخر لا يذلّ فيه إيران. لا يوجد أيّ حكمة، أو ذكاء.
- نتنياهو بقيَ وحيداً، كل مَن يعمل بعكس استراتيجيته، أي كسب الوقت، عرضة للإبعاد، رؤساء الأجهزة الأمنية الذين حملوا إليه موقفاً حازماً يقضي بالتوصل إلى صفقة تبادل ووقف إطلاق النار، نعتهم بالضعفاء. لقد نسيَ أنهم هم الذين تعاملوا مع الصدمة، وعدم قدرته على أداء مهماته بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر. المشكلة أصعب: دفعُ ثمن كبير في حرب بهدف البقاء السياسي لشخص واحد. هذا يتخطى كل الحدود الممكنة.
منظومة الأمن تطالب بما هو مطلوب
- لأول مرة في تاريخ دولة إسرائيل، نشهد أزمة ثقة مطلقة بين رئيس الحكومة وأجهزة الأمن. رئيس الحكومة الذي يعمل بعكس المصلحة الأمنية والقومية، يريد التورط وإطالة أمد الحرب، ولو كان الثمن تصعيداً إقليمياً، قرر ترك المخطوفين للموت. في مقابله، رؤساء الأجهزة الأمنية الذين حققوا إنجازات ممتازة في غزة، والآن، يريدون إعادة المخطوفين ووقف إطلاق النار لمنع التصعيد الإقليمي.
- وصلنا إلى نقطة متطرفة. يتوجب على وزير الدفاع يوآف غالانت، الرجل الأكثر مسؤوليةً في الحكومة، والذي يريد نتنياهو أيضاً تنحيته جانباً، أن يخرج إلى الجمهور ويقول الحقيقة. نحن نعتمد عليه في قول الحقيقة فقط. على الجمهور أن يحكم، فماذا يريد في ظل الأزمة الكبيرة التي يجرّنا إليها رئيس الحكومة، ويجرّ إسرائيل نحو الهاوية. مقولة النصر المطلق على "حماس" يرددها منذ أشهر طويلة، ولم يحققها حتى مع أضعف أعدائنا. على الجيش أن يبني نفسه من جديد في القتال في غزة. وحزب الله لا يزال مستمراً في القصف على الشمال بحُرية، ولن يغيّر اغتيال شُكر من حرب الاستنزاف التي يفرضها علينا حزب الله منذ أكثر من 300 يوم، والآن، أضيفت إليها جبهة جديدة - "رأس الأخطبوط" الإيراني، لقد كان من الواضح أن الإيرانيين سيدخلون إلى الصورة، بعد اغتيال محمد رضا زاهدي [في هجوم إسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق].
- حالة النشوة ما بعد اغتيال الضيف وشُكر وهنية خلقت شعوراً بالقوة غير المحدودة، وهو ما لا يتماشى مع الواقع في "اليوم التالي"، وخلال انتظار الضربة التي نتوقعها من جميع الجبهات الإيرانية حولنا. الأساطيل الحربية الأميركية، وإجلاء المواطنين الأجانب، ووقف حركة الطيران في المنطقة، أمور كلها تشير إلى درجة توتُّر كبيرة جداً تشهدها المنطقة بسبب التخوف من اشتعال حرب شاملة. دولة كاملة في حالة خوف، إسرائيل في حالة انتظار، وهناك خشية من حرب خليج إضافية.
- يبدو أنه عندما لا يكون لدينا استراتيجيا، لا يكون لدينا خطة. وعندما لا يكون هناك خطة، لا نعرف إلى أين نتّجه. وعندما لا نعرف إلى أين نتّجه، تشعر الدولة بالضياع. عندما تكون الدولة في حالة ضياع، فهذه إشارة إلى عدم وجود قيادة.
- رئيس الحكومة يعلّق كل شيء على الاغتيالات، لديه شعور بأن إسرائيل قادرة على كل شيء، حتى على اغتيال إيران وبرنامجها النووي، وأيضاً حزب الله. إنه مقتنع بأن إسرائيل قادرة على الاستمرار في مسار اغتيال جميع أعدائنا في الشرق الأوسط. وبكلمات أُخرى، إنها نشوة قوة خطِرة تقود إلى عدم القدرة على القياس، وانفصال عن محددات القوة، وعدم قياس حجم الأثمان المنوطة بذلك.
- لا يوجد في إسرائيل أحد غير سعيد بالاغتيالات، لكن الحديث لا يدور حول تغيير استراتيجي. الاغتيالات مرتبطة أساساً بالعقاب، وتزيد في قوة الردع، لكنها لا تحلّ المشكلة نهائياً. القوة الاستخباراتية والعملياتية المحددة هي مكون مهم، لكنه غير حاسم. عملياً، إسرائيل تقاتل "حماس"، العدو الأقل قوةً أمامها، منذ 10 أشهر، ولم تعلن الانتصار بعد. الوضع في الشمال، بعد 302 من الأيام هو استنزاف وعدم وجود حسم إسرائيلي، والآن، بعد أن باتت إسرائيل مُستنزفة بسبب الحرب الطويلة، يراهن رئيس الحكومة، بسبب اغتيالَين ناجحَين، بصورة عمياء، على حرب إقليمية شاملة.
- جميع رؤساء أجهزة الأمن، الذين عملوا على تحقيق هذه النجاحات، وليس رئيس الحكومة الذي يتفاخر بها، يقولون له إن المطلوب اليوم صفقة تبادُل أسرى، ووقف إطلاق نار في غزة، وتبديد التوترات التي يمكن أن تصعّد إلى حرب شاملة. لقد قال عنهم إنهم ضعفاء. نعم هو نفسه الذي سقط يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتخوّف من الدخول البرّي إلى غزة، ولم يتّخذ أيّ قرار شجاع طوال الحرب، باستثناء المصادقة على حملة "أرنون"، تحوّل الآن من الخوف إلى النشوة.